• 28 آب 2016
  • مقابلة خاصة

 

 

القدس - اخبار البلد-  نشر موقع عرب 48 تقرير موسعا وشاملا عن الحركات التي تعمل على بناء الهيكل بدل المسجد الاقصى ، وحول دعم الحكومة الاسرائيلية لهذه الحركات على عكس ما تقوله للاعلام ، ونحن في “ اخبار البلد” ننشر التقرير كما جاء 

لم تعد 'حركات الهيكل' في هامش الحلبة السياسية الإسرائيلية، وإنما باتت في مركز هذه الحلبة، وتتلقى دعما مباشرا من الحكومة والكنيست وأوساط واسعة من الإسرائيليين وبينهم علمانيون، يبنون هويتهم الدينية – القومية – اليهودية على بناء 'الهيكل الثالث' في قدس أقداس العرب، المسجد الأقصى وقبة الصخرة في الحرم القدسي. ولم يجد حزب الليكود، الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أي حرج في ترشيح يهودا غيليك، أحد أبرز نشطاء 'حركات الهيكل'، ضمن قائمته للكنيست، ووصوله مؤخرا إلى عضوية الكنيست.في موازاة ذلك، تصاعدت اقتحامات المستوطنين وعناصر اليمين المتطرف الإسرائيلي للحرم القدسي. ورغم نفي نتنياهو لمسألة التقسيم الزماني والمكاني في الحرم القدسي، إلا أن هذه المسألة باتت حقيقة وواقع، إذ أنه عندما تجري هذه الاقتحامات يمنع الفلسطينيون من دخوله.

وتسببت هذه الاقتحامات، في كل عام من الأعوام الأخيرة، بمواجهات بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينيين، في القدس خصوصا ولكنها تمتد أحيانا إلى الضفة الغربية، مثلما يحدث في الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية. ويذكر أن الانتفاضة الثانية، انتفاضة القدس والأقصى، في العام 2000، اندلعت بعد اقتحام رئيس المعارضة حينذاك، أريئيل شارون للحرم. فهناك قناعة لدى الفلسطينيين، وتخوف أيضا، بأن الجماعات اليهودية المتطرفة تسعى إلى بناء 'الهيكل' مكان المسجد الأقصى وقبة الصخرة. وهذه قناعة لم تأتي من فراغ وإنما هي مدعومة بأقوال وتصريحات المتطرفين الذين أصبحوا جزءا من المؤسسة الحاكمة.

في أعقاب المواجهات التي وقعت على هذه الخلفية في نهاية العام 2014، مارست الإدارة الأميركية والأردن ضغوطا على نتنياهو من أجل وقف هذه الاقتحامات للحرم القدسي. وفعلا، هذه الضغوط نجحت، وأصدر رئيس الحكومة الإسرائيلية تعليمات بوقف الاقتحامات. لكن هذه الاقتحامات استؤنفت بعد فترة قصيرة، كي لا يثير نتنياهو غضب اليمين الإسرائيلي عليه، في فترة الانتخابات العامة التي جرت في بداية العام 2015.

انبثقت 'حركات الهيكل' جميعها من التيار الصهيوني – الديني، الذي يؤمن بـ'أرض إسرائيل الكبرى'. وبداية هذه الحركات كانت حركة 'أمناء جبل الهيكل وأرض إسرائيل'، التي أسسها عضو بلدية القدس عن حزب 'حيروت' (الليكود لاحقا)، غرشون سلمون، في العام 1967 وبعد احتلال القدس مباشرة.  في حينه، وعلى مدار سنوات لاحقة، حاول سلومون برفقة عدد من مؤيديه اقتحام الحرم، في الأعياد اليهودية خصوصا، لكن الشرطة الإسرائيلية كانت تمنعه من ذلك. وكان سلومون يستغل ذلك إعلاميا ويلقي خطابات حول 'حق الشعب اليهودي بالعودة إلى مكان الهيكل'.  وحدث التحول الكبير في نشاطه هذا في العام 1990، عندما حضر سلومون ومؤيدوه إلى الحرم، حاملا 'حجر الأساس لبناء الهيكل'. ومنعته الشرطة الإسرائيلية هذه المرة أيضا من اقتحام الحرم القدسي، لينقل 'حجر الأساس' إلى منطقة قرية سلوان القريبة من الحرم وأقام طقوسا أمام عدسات وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية.

لكن نتيجة هذا الحدث كانت دموية، بعد أن أثار غضبا عارما بين الفلسطينيين، أدت إلى مواجهات غاضبة جدا وأسفرت عن استشهاد 17 فلسطينيا بنيران قوات الأمن الإسرائيلية. وفي أعقاب ذلك، منعت الشرطة سلومون من الاقتراب من الحرم.

واعتبر سلومون في مقابلات صحفية في حينه، أنه 'عمليا، خسرنا جبل الهيكل منذ العام 1967... تم ترك الجبل بالكامل بينما كانت بوابات المساجد مفتوحة على وسعها. لكن قيادة صغيرة تفتقر إلى روحانية، بزعامة موشيه ديان (وزير الأمن الإسرائيلي حينذاك)، تنازلت عن الجبل، وهكذا خسره شعب إسرائيل لفترة لا أحد يعرف كم ستطول. لكني مؤمن بأننا سوف نعود إلى جبل الهيكل. والشعب الأبدي لن يفلت من مصيره'. وفي رده على سؤال حول المسجد الأقصى وقبة الصخرة، أجاب سلمون أنه 'إذا تصرف المسلمون بصورة حسنة، سنحضر مهندسين لتفكيك المسجدين حجرا تلو الآخر ونسمح لهم ببنائهما مجددا في مكة. إن جبل الهيكل هو قلب وروح الشعب اليهودي. وعلى جبل الهيكل سيُبنى الهيكل الثالث، وبإمكاني أن أقول باعتزاز أني ساهمت كثير في ذلك'.

*دعم حكومي واسع لـ'حركات الهيكل'

سمحت جميع الحكومات الإسرائيلية بنشاط 'حركات الهيكل'، وبينها حكومة حزب العمل 'اليساري'، برئاسة ايهود باراك، الذي سمح لشارون باقتحام الحرم القدسي، في الوقت الذي كان يزعم فيه إنه يفاوض الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات حول اتفاق سلام إسرائيلي – فلسطيني.لكن نشاط 'حركات الهيكل' تصاعد بشكل كبير منذ عودة نتنياهو إلى الحكم، في العام 2009، ووصل أوجه خلال ولاية حكومته الحالية التي تتميز بائتلافها اليميني المتطرف، وسيطرة الصهيونية – الدينية والحريديم – القوميين في أحزابها الرئيسية، الليكود و'البيت اليهودي'.

وأكد تقرير نشرته منظمة 'عير عَميم' الإسرائيلية المناهضة للاحتلال والاستيطان في القدس، في منتصف العام 2013، على 'ارتفاع عدد وتأثير المنظمات التي تنشر الوعي للهيكل وتعمل من أجل إقامته في جبل الهيكل'، مشيرة إلى أنه 'قبل عشرين عاما كانت خذخ المنظمات في الهوامش المتطرفة الجنونية للخريطة السياسية أو الدينية. لكن منذ العام 2000 احتلوا مكانا مرموقا في التيار المركزي لليمين السياسي والديني ويتمتعون بعلاقات وثيقة مع سلطات دولة إسرائيل'. وقالت المنظمة إن 'حركات الهيكل' لديها أهدافا وحجم نشاط مختلف، لكن 'القاسم المشترك لجميعها هو دمج الأساس الديني بالاساس القومي – المسياني (الغيبي)'. وأضافت أنه 'يوجد تجانس بين تصعيد المواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية في جبل الهيكل/الحرم الشريف ومحيطه منذ العام 2000 وبين تزايد نشاط حركات الهيكل. وهذه عملية خطيرة يُجند الدين فيها لأهداف قومية في مكان يشكل مركز توترات سياسية ودينية بقوة كبيرة'.  وحذرت 'عير عميم' في تقريرها من أن 'دعم حكومة إسرائيل واذرعها لحركات الهيكل من شأنها أن يمنح الشرعية للادعاء بأن دولة إسرائيل تعتزم المس بالمقدسات الإسلامية، وأن تعزز بذلك لاحقا أساس دين للصراع، الذي هو صراع قومي في أساسه'. ولفت التقرير إلى الاتفاق الذي وقعه ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في نهاية آذار 2013، ويمنح الأردن الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، وخاصة الحرم القدس وحمايتها. وحذرت المنظمة من أن تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي من شأنه أن يدفع إلى مواجهة بين إسرائيل والأردن وتشكيل خطر على اتفاقية السلام بين الدولتين، الذي تعتبره إسرائيل سلاما إستراتيجيا.

ويبين تقرير 'عير عميم' وجود دعم حكومي واسع لـ'حركات الهيكل'، وأن 'هيئات حكومية وشخصيات سياسية في مراكز القوة في الدولة يؤيدون بطرق مختلفة نشاط حركات الهيكل' سواء بسبب تأييد أهداف هذه الحركات أو من أجل كسب دعم سياسي 'ومن خلال تجاهل البعد المتطرف والخطير لنشاط حركات الهيكل'.  وأكد التقرير على أن 'المؤسسة الحاكمة تمول بصورة مباشرة جزءا من نشاط حركات الهيكل. ويبرز بشكل خاص إسهام العلاقة الخطيرة لوزارة التربية والتعليم التي لا تمول فقط وإنما تساعد حركات الهيكل على نشر مضامينها في جهاز التعليم'. ويشار إلى أنه لدى صدور التقرير كان يتولى وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية شاي بيرون من حزب 'ييش عتيد'.

كذلك أظهر التقرير أن 'سياسيين رفيعي المستوى من قلب المؤسسة الحاكمة، حاخامات في مناصبهم الرسمية، موظفين في وزارة التربية والتعليم ومعلمين يمنحون الرعاية لحركات الهيكل ويروجون أفكارها، التي تكون أحيانا عند الحدود المحتملة من الناحية الديمقراطية وأحيانا أخرى تكون تحريضا حقيقيا ضد المقدسات الإسلامية'.وحذر التقرير من أن 'تدعم سلطات الدولة والسياسيون أنشطة غير شرعية أو حتى غير قانونية لحركات الهيكل، وأن يكونوا مسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر بإنزال كارثة على دولة إسرائيل وعلى حياة اليهود وغير اليهود في المنطقة وأنحاء العالم'.

*'طلاب جامعات من أجل جبل الهيكل'  

تشكلت منذ سنتين حركة في الجامعات الإسرائيلية تدعو إلى السماح لليهود باقتحام الحرم القدسي. وبدأت هذه الحركة، 'طلاب جامعات من أجل الهيكل'، بعدد قليل من طلاب جامعة بار إيلان، لكنها اتسعت مؤخرا بحيث تضم الآن عشرات الطلاب من جميع الجامعات، بحسب تقرير نشرته صحيفة 'معاريف'، في 16 آب الجاري. التطور الحاصل بتشكيل هذه الحركة هو أن قسما من أعضائها ليسوا متدينين، بل أن إحداهن تعرف نفسها بأنها علمانية وابنة لعائلة يسارية من تل أبيب. كما أن مؤسس هذه الحركة هو شخص مرتد عن تدينه، وأشارت الصحيفة إليه باسم مستعار، طال، لأن عائلته لا تعرف بعد أنه ارتد عن تدينه. ويشار إلى أن الردة عن التدين ظاهرة آخذة بالاتساع في المجتمع الحريدي في إسرائيل.

وقال طال 'أنا لا أصوم اليوم (في ذكرى خراب الهيكل المزعوم). لكن مهم بالنسبة لي أن أحضر إلى جبل الهيكل في التاسع من آب (العبري). ليس من الناحية الدينية، وإنما لأنه بنظري يوجد هنا ظلم لا يمكن استيعابه'. وأضاف أن محاولة اغتيال غيليك، على أيدي شاب فلسطيني من القدس المحتلة، في منتصف العام 2014، كانت محفزا على تأسيس الحركة.وتابع أنه 'جئت إلى جبل الهيكل في التاسع من آب (العبري) لأنه يوم الخراب. لكن الصوم في هذا اليوم بالنسبة لي هو توجه متشائم، شتاتي وينطوي على جمود أيضا. وليس هكذا يجري نضال من أجل تحريك شيء. وتوجهي هو العمل، وعدم النظر إلى الماضي. نحن ننظم حلقات بيتية، محاضرات، نوزع مناشير، نقيم أكشاك لنشر المعلومات أو أية وسيلة يمكن من خلالها زيادة الوعي للموضوع. وعندما أصعد إلى جبل الهيكل، أرى بنفسي جنديا أو ما شابه، أحد ما بإمكانه تحقيق تغيير. وبدلا من الحداد على الخراب، دعونا نعمل من أجل إعادة البناء. هذا هو الخط الذي يوجهني'.   

وقالت إحدى الناشطات في هذه الحركة، هداس سيلبيغر، إنه 'كبرت في عائلة يسارية. وتلقيت ملاحظات نقدية كثيرة من المحيطين بي بسبب مواقفي من جبل الهيكل، لكن عندما سمعت بما يحدث هناك تزعزعت. ليس لأنني أريد إقامة الهيكل أو شيئا كهذا، فهذا لا يهمني أبدا. ببساطة لم يبدُ لي منطقيا أنه في دولة عاصمتها القدس يحظر قول شيئا في جبل الهيكل' في إشارة إلى عدم سماح الشرطة لليهود الذين يقتحمون الحرم بتأدية صلوات تلمودية. وأضافت أنها اقتنعت بالانضمام إلى حركة الطلاب هذه في أعقاب سماعها محاضرة ألقاها غيليك في الجامعة ثم جولة في الحرم القدسي.

وقال ناشط آخر في مجموعة 'طلاب جامعات من أجل الحرم'، يدعى أورن براشي، أنه 'يتم إبعاد اليهود عن الجبل لأنهم بكوا (تأثرا). لا يعقل أنه في دولة ديمقراطية يلقون بشخص ما من مكان ما لأنه بكى. هذا الشخص لا يمكنه السيطرة على مشاعره فيبكي. لا يبدو لي أن هذا أمر منطقي. أنا أسافر في يوم السبت، وأصوم في يوم الغفران وأضيء الشموع في عيد الأنوار. أنا متدين محافظ، ويوجد لدي ارتباط بالدين أكثر من باقي أفراد المجموعة، لأني كبرت في بيت متدين. لكن نضال طلاب جامعات من أجل جبل الهيكل يهدف إلى إيقاظ الجمهور غير المتدين'. واعتبر براشي أنه يجب تطبيق التقسيم الزماني في الحرم. 'فليبقوا القبة (قبة الصخرة) ويقسموا الأمر بين اليهود والمسلمين، ويخصصوا ساعات للصلاة لليهود فقط وساعات للمسلمين فقط، مثلما يفعلون في مغارة المكفيلا في الخليل' في إشارة إلى الحرم الإبراهيمي.

لكن يبدو أن هذه المجموعة، التي تدعي أنها ديمقراطية ومتنورة، تسير على خطى سلومون، مؤسس حركة 'أمناء جبل الهيكل'. وقال طال حول مصير قبة الصخرة إنه 'توجد عدة إمكانيات. إما بناء الهيكل نفسه عليها، أو أنها تكون جزءا من الهيكل الثالث، أو محاولة نقلها إلى مكان آخر. وسيضطر شعب إسرائيل إلى اختيار أحد هذه الخيارات'. حول الوضع في الحرم القدسي، قال الباحث المتخصص في القدس والعلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المدينة، والمحاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بار إيلان، البروفسور مناحيم كلاين، إن 'المجموعات الدينية القومية التي حولت جبل الهيكل، أو الحرم الشريف، إلى مركز هويتها، فإنها بذلك حولته إلى هوية دينية – قومية، ليس فقط دينية، بل هي قومية أكثر منها دينية. وهناك مجموعة صغيرة جدا داخل الجمهور الديني – القومي تريد فعلا بناء الهيكل. والآخرون يرون به كمركز للهوية الدينية – القومية – اليهودية. ولذلك هم يريدون أن تتبنى الدولة موقفهم' وبالتالي هم يحصلون على ميزانيات من الحكومة الإسرائيلية من أجل تحقيق ذلك.