• 30 تشرين الثاني 2016
  • مقابلة خاصة

 

 

اسطنبول - اخبار البلد-  نشرت  وكالة “ الاناضول” تقرير عن المقاهي القديمه في اسطنبول ، في مدينة تميزت طوال تاريخها بالتعدد الثقافي، منحت المقاهي التقليدية في إسطنبول، فرصة لسكانها وزوارها للانفتاح على بعضهم، لمعرفة ما يدور في المدينة والعالم، وربما للعثور على عمل، وحتى للسؤال عن عريس متقدم لإحدى بنات العائلة.

واليوم تحاول المقاهي المتبقية، الحفاظ على بقائها، ومقاومة الصورة الذهنية السلبية لدى كثيرين يأخذونها كمأوى للعاطلين من العمل، فضلاً عن محاولات صمودها أمام المقاهي الحديثة التي أصبحت المفضلة، خاصة لدى الشباب، نظراً إلى الإمكانات المتنوعة التي تقدمها.

أصحاب المقاهي التقليدية، يعتبرونها ليست مجرد مكان للترفيه، وإنما تقوم أيضًا بالحفاظ على تقليد عثماني عريق، إضافة إلى دورها الاجتماعي. وقبل ظهور التقنيات الحديثة، كانت المقاهي التقليدية تقوم بأدوار متعددة، فكثيرًا ما كانت تستضيف روائيين وشعراء، يستمتع رواد المقهي بحكاياهم وأشعارهم، فضلاً عن الألعاب التي كانت متوافرة بها، مثل طاولة النرد، والشطرنج وغيرها.  وإلى جانب دورها الترفيهي، كانت أيضاً مسرحًا للنقاشات السياسية بين أصحاب الاتجاهات المختلفة، والحوارات الثقافية والتاريخية وغيرها.

 أعرب رئيس غرفة أصحاب المقاهي في إسطنبول سردار إرشاهين، عن أسفه لفشل أصحاب المقاهي في مواكبة التطورات التكنولوجية، وهزيمتها أمام سلاسل المقاهي الحديثة. وقال إرشاهين، إن "تراث المقاهي التقليدية الممتد إلى حوالي 500 عام، أصبح الآن على وشك الاندثار”. وأضاف، "عدد المقاهي التقليدية في إسطنبول وصل قديماً إلى 30 ألفاً، إلا أنه تراجع الآن إلى أقل من 10 آلاف، حيث جذبت المقاهي الحديثة التي تخصص أماكن للعب، معظم رواد المقاهي التقليدية".ويحاول أصحاب المقاهي التقليدية المقاومة بعدة طرق، من بينها، كما ذكر إرهاشين، "إعداد مشروع لافتتاح أماكن تضاهي بشكل كامل الطراز العثماني في المنطقة التاريخية من إسطنبول".وفي هذا الصدد، أشار إلى أن أعضاء الغرفة أجروا أبحاثاً حول مقاهي العهد العثماني، توصلوا من خلالها إلى أبرز سماتها وسيعملون على تطبيقها في مشروعهم.

ومن بين تلك السمات، وجود رفوف للكتب، وتقديم القهوة مصحوبة بالماء فقط كما كان في السابق، بدلاً من الشيكولاتة أو حلوى راحة الحلقوم التي تُقدم الآن.وفي رده على من يصف المقاهي بأنها مأوى للعاطلين من العمل، اعتبر إرشاهين ذلك "إهانة" لأصحابها والعاملين بها.واكد أن "رواد المقاهي يمثلون كافة فئات المجتمع من النساء والرجال من العاملين والعاطلين من العمل والمتقاعدين، الذين يتناقشون خلال وجودهم حول الأدب والسياسة، ويشاركون معا أحداث حياتهم".واشار إلى "ضرورة عدم النظر إلى أصحاب المقاهي نظرة دونية، حيث إنهم يشاركون أهالي الحي في همومهم، حتى إن الأهالي قديمًا كانوا يسألونهم عن العرسان الذين يتقدمون لبناتهم".نوهال شيمشيك، الأمين العام للغرفة، والتي تعمل أيضاً في مجال المقاهي، وورثت المهنة عن والدها، قالت إن "العاملين في هذه الأماكن يتعبون في سبيل لقمة العيش، كما أنهم يستمعون لهموم الزبائن".ولفتت إلى أن الإقبال على المقاهي تأثر في بداية تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة، إلا أن رواد المقاهي وأصحابها ما لبثوا أن اعتادوا ذلك.

وتحمل بعض مقاهي إسطنبول التقليدية، تاريخاً مميزاً، وعلى رأسهم مقهى "إرول طاش" الذي تحول الآن إلى مركز ثقافي، والذي كان يمتلكه الممثل التركي الشهير إرول طاش، ودخل من خلاله إلى عالم السينما.

نيفين طاش، ابنة شقيق الممثل الشهير، والتي تتولى مختارية حي "جان كورتران" الذي يوجد فيه المقهى، أوضحت أن عمها افتتح المقهى قبل أن يتجه إلى التمثيل، وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي، قدم إلى المقهى عدد من العاملين في إحدى شركات الإنتاج الفني، وعرضوا عليه التمثيل في أحد الأفلام.

وأضافت أن عمها رفض العرض في البداية، إلا أنه بعد إلحاح من أخيه الأكبر، وافق على الدور وامتهن التمثيل من حينها إلى أن بُترت قدماه بسبب مرض السكري. وأشارت إلى أن والدها تولى إدارة المقهى بعد أن امتهن عمها التمثيل. ووفق نيفين، فإن "الكثير من المشاهير والمعجبين بعمها ما زالوا يأتون لزيارة المقهى الذي تحول لمركز ثقافي".

ونموذج آخر للمقاهي التقليدية، مقهى "إميرغان" الكائن في منطقة "صاماتيا" التاريخية في إسطنبول، الذي ما زال يعمل في المدينة. صاحبه "درويش أيان" ورثه عن والده الذي بدأ العمل في هذا المجال بعد أن هاجرت الأسرة من مدينة ماردين (جنوب شرق) إلى إسطنبول عام 1965. وتحسر "أيان" على الأيام القديمة التي كان الناس فيها يذهبون إلى المقاهي كأحد الأنشطة الاجتماعية التي كانت تجمع بين أهالي الحي، وكانت تستقبل جميع العرقيات الموجودة. وبحسب أيان، "أصبح البعض الآن يتجنب الجلوس في المكان لفترة طويلة، خوفًا من أن يلتقي أحد أصدقائه، ويضطر إلى دفع ثمن مشروباته"، على حد تعبيره.