• 15 آذار 2017
  • مقابلة خاصة

 

 عمان - اخبار البلد- أجرت الصحفية مي الصايغ مقابلة مع صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال والتي نشرت في صحيفة «الجمهورية» اللبنانية.  تحدث فيها حول الكثير من المواضيع الانية إليكم نصها، لاهمية ما قاله الامير المفكر : 

في إقليمٍ مُلتهبٍ بفعل موقعه الإستراتيجي، وليس لأنّ سكانه كما يصوِّرهم الإعلام «عدائيّون بالغريزة»، لم يتوقف رئيسُ منتدى الفكر العربي، الأمير الحسن بن طلال عن دقّ ناقوس الخطر، والدعوة الى نهضة فكريّة نطمح إليها جميعاً. فمقابل الفوبيا التي تُؤرّق الأقليات، فلنتحاور لإيجاد «المُشتركات الإنسانية»، ونستلهم من مسار هلسنكي، لتحقيق التناغم وحسن الجوار بين الدول العربية وتركيا وإيران، على غرار ما فعلت الدول الأوروبية في خضمّ المواجهة الغربية الروسية عام 1975. الأمير الحسن الذي لطالما كان سبّاقاً في استشراف مستقبل المنطقة العربية، ومُتألماً على فقدان هويّتها وكرامة الإنسان فيها، يطرح في مقابلة خاصة مع «الجمهورية» التي التقته في عمّان مفهومَ المناطق الآمنة بمفهومه الشامل، لتأمين كلّ إنسان عربي على أرضه، مُتمنّياً أن تنجح روسيا والولايات المتحدة في إدارة الأزمات القائمة، ومنع وصولها الى حافة الهاوية.في شباط 2014 وفي طريقي الى مؤتمر جنيف 2، التقيتُ رئيسَ مجلس أمناء الجمعية العلمية الملكية في المملكة الأردنية الهاشمية، الأمير الحسن بن طلال، الذي توقّع حينها أن يُعيد وزيرا الخارجية الأميركية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف رسم الخرائط في الإقليم (المشرق العربي تحديداً)، في إشارة الى إتفاقية سايكس بيكو.

اليوم و«بعد مرور ١٠٠ عام على المساومات الفرنسية-البريطانية، والخذلان الإستعماري في حق دول المشرق العربي (العراق، سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين)، أصبحت جيوبُ الإستقطاب العرقي والطائفي في نظر الحسن تُوحي بأنّ هناك «مفترقَ طرق قد يبدو للبعض أنّه نوعٌ من التعدّدية الإيجابية والإحترام المتبادَل وتقاسُم المشتركات ضمن مناطق النفوذ، ولكن في غياب التنسيق الفاعل بين دول الإقليم يصبح من الصعب التصدّي بشكل فاعل للتحدّيات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية».

فالتشظّي يُنذر بمستقبل مرتقب لما يُسمّى الآن بالمناطق الآمنة، ولكنّ السؤال في نظره «آمنة لمَن وعلى حساب مَن؟ وهل هي آمنة من وجهة نظر إنسانية؟»

ويتابع: «هل تستطيع الأسرة الدولية والأمم المتحدة وفي مقدِّمها البنك الدولي وحلف الأطلسي والدول الأقطاب في الصراع القائم التعامل مع القضية الإنسانية بالصوامع البيروقراطية العازلة لفئات معيّنة من النزوح (منظمات دولي مختصة بشؤون اللاجئين)، والتي باتت تضاهي الأسماء الشاعرية للجماعات المتقاتلة على الأرض (الجند والجبهة)».

ويرى الحسن أنّ المناطق الآمنة لا بدّ من أن تُمتحن من فريق عمل متخصص في حلّ الصراعات المشابهة في أماكن مختلفة من العالم، معتبراً أنّه «إذا أخذنا جزئية مهمّة من هذه المناطق الآمنة، وتحدثنا من أفغانستان عبر إيران الى العراق أي البعد المكاني للمناطق الآمنة الذي يشمل 3 دول، هذا الأمن الذي نتحدّث عنه لمنع التجارة الحرة في عصر العولمة، أي للوقوف أمام درب الحرير من الصين الى الشرق الأوسط».

وفي ظلّ وجود نحو 7 ملايين لاجئ سوري اليوم، السؤال في نظر الحسن: «هل ننظر الى تجمّعات سياسية وإنسانية أم ننظر الى مشروع إعادة بناء الوطن السوري؟»

ويقول: «السياسيون يتحدثون عن استحالة تقسيم سوريا والمحافظة على سيادتها ونحن نُؤيّد هذا التوجّه»، آملاً البناء في مفاوضات جنيف المقبلة على الهدنة التي تحقّقت في الأستانة لاستئناف التشاور بين الفرقاء على الأرض السورية.

ويشعر الحسن بالأسف على مفهوم الوطن العربي الآخذ في التآكل نتيجةً للصراعات التي اشتعلت ليس فقط منذ ٢٠١١ في سوريا، بل ومنذ الغزو الأميركي للعراق وحربي ليبيا واليمن، «فمن أصل ٣٢ صراعاً دولياً هناك ٣١ منها في دول عربية وإسلامية، وبينها صراعات داخلية، وهذا ليس فقط لأننا كما يصوّرنا الإعلام عدائيين بالفطرة، ولكن بسبب وجودنا في مناطق ذات أهمية استراتيجية كبرى ما بين القطب الشمالي والبلطيق، مُروراً بالخلاف القائم بين روسيا وحلف الأطلسي في أوكرانيا؛ إلى البحر الأسود وبحر العرب».

ويقول: «إذا كان للمستقبل أن يتناول البعد المكاني والإنساني لما يُسمّى بالمشرق العربي وشرق المتوسط أي الهلال الخصيب الذي يختلف من حيث التكوين الاقتصادي والإجتماعي والمكاني عن الخليج الغني بالهيدروكاربون (النفط)، يمكن القول إنّه مستقبل خليجي استراتيجي الى حين استنفاد مصادر الطاقة»، مُتسائلاً: «متى يصبح الهلال الخصيب جزءاً من إقليم متكامل يشمل الى جانب دول المشرق تركيا وإيران؟»

فإستقرار الإقليم يتطلّب «المزج بين الإعتبارات الإنسانية، ويُشكَّل أساساً عملياً للتفاهمات التي قد لا تلتقي بالمطلق، ولكن يمكنها أن تلتقي جزئياً، وفي غياب التخطيط لأنفسنا لا أمل لنا»، على حدّ تعبير الحسن.

فالدولة مُنفردة لا تستطيع حلّ مشاكلها الإنسانية، ويشير على سبيل المثال إلى أنّه في عام ١٩٩١ كان عدد سكان الأردن نحو ٢ مليون ونصف ووصل اليوم إلى نحو ١١ مليوناً. كما أنّ شمال شرق المملكة يبدو غيرَ مأهول بالسكان، إذ إنّ كلّ مَن يقطع الحدود من الشمال سواءٌ الشرقي أو الشمال السوري يصبح تلقائياً مستضافاً في عمان أو إربد.

وينتقد تقاعُس الأسرة الدولية عن المساعدات الموعودة لمخيمات اللاجئين بسبب ما يُسمّى إرهاق المانحين، وكأنّما «إرهاق اللاجئين ليس ذا بال لتتحوّل مراكز هؤلاء اللاجئين إلى أماكن لتجنيد الحركات المتطرّفة المسلّحة».

وبما أنّ ٧٠ الى ٨٠ في المئة من اللاجئين في العالم هم مسلمون، هناك مسؤولية في الخطاب الأخلاقي القيمي، وعلينا ألّا نكتفي بلوم الآخر الذي وظّف قضية اللاجئين ليتراءى لنا أنّ عدوّنا الحقيقي هو الإرهاب.

ويقول: «الموضوع ليس الحرب ضد التطرّف، ولكنّه النضال لتحرير الإنسان من الفاقة صحّياً وتربوياً ومن البطالة»؛ فالأمن حسب الأمير الحسن يجب أن يتضمّن نظرةً إنسانية للهش والمهمّش، الذي لا حول له إلّا رفع شعار الدين المُسيّس، الذي يُستخدَم لتجنيد هؤلاء لغايات تُحرِّكها أصابع خارجية.

ويُذكِّر بأنّ الإتحاد الأوروبي عندما راق له في ذروة الحرب الباردة تأييد تبنّي دوله وروسيا مسار هلسنكي (The Helsinki Final Act) الذي اهتم بالحدود الأورو-آسيوية من البلطيق الى البحر الاسود، شهدنا تناغماً بين روسيا والغرب، لا مواجهة حادة.

فوفق مسار هلسنكي لحسن الجوار تمّ التركيز على الأمن الإنساني لإيجاد حلول للمشكلات بين الشرق والغرب، ولكن اليوم نرى توتراً بين روسيا والدول المجاورة لحدودها مثل بولندا وأوكرانيا، وتجديداً لوتيرة الصراع بين سلاف كوسوفو والبانيا، وكأنّما موضوع البلقان لم ينتهِ في نظر الحسن.

ويقول: «هذه المقايضات والتوترات بامتدادها إلى البحر الأسود وجنوبه دفعت روسيا إلى التعاون مع إيران وتركيا في نطاق لقاء أستانة، من دون إغفال أهمية النفط والغاز في الوسط الآسيوي وشرق المتوسط»، في إشارة إلى التعاون بين إسرائيل واليونان وقبرص من جانب، وإسرائيل وتركيا من جهة أخرى.

ويعتبر أنّ الأوان حان للحديث عن ما أقدمت عليه أوروبا بعد ثلاثة حروب إقليمية وتأسيسها المجموعة الأوروبية للفحم والصلب في 1951.

وعلى رغم النزاعات التي تنتشر في عدد من الدول الأوروبية للخروج من الإتحاد، لا يزال الحسن يرى في هذه الدول نموذجاً.

ويقول: «إنّ عزم بريطانيا العام الماضي الخروج من الإتحاد الأوروبي الذي بدأ بـ6 دول والآن يتجاوز20، لأنّهم لا يريدون لدول أوروبا الشرقية أن تستفيد من مكاسب الإتحاد في ظلّ وجود دول تجاوزت مرحلة التقدم»، مُقرّاً في الوقت نفسه صعوبة التكامل بين الأقاليم، في ظلّ التمييز الحاصل الآن ليس فقط ضد العرب، وإنّما أيضاً بين الأوروبّيين أنفسهم، والروس والأوكرانيّين.

ويقول: «كان من المُجدي بعد تحقيق الإستقلال، أن نقوم بخطوات متواضعة، بالإنتقال من الثنائية في العلاقات إلى نظرة الإقليم الذي يُعظّم المشتركات الإنسانية».

وبدل الإستمرار في الحديث عن أسلحة الدمار الشامل، والحرب على الإرهاب، يُذّكر بأنّه في نظر بعض الساسة، الحرب سياسياً أرخص من صنع السلام، متألماً لغياب قاعدة صناعية لتطبيق خطة مارشال لتنمية الإقليم.

أميركياً، ينتقد الأمير الحسن فرض الرئيس دونالد ترامب حظراً على الهجرة القسرية، التي لم تكن لتشتعل بقناعات الرئيس نفسه لولا الحرب في العراق وسوريا وليبيا. ويقول: «علينا التعامل مع الهجرة على أنّها رصيد لنا، وأن يشارك المواطن المهاجر في إبداء وجهة النظر السياسية في برامج مستقبلية».

وفي وقت لا يرى الأمير الحسن أنّ أميركا وروسيا تقيمان وزناً للدول العربية، يبدي تفاؤله بأن تتمكّن واشنطن وموسكو من إدارة الأزمات ومنع وصولها الى الحافة، مُستذكراً أزمة الصواريخ في كوبا، حيث تمّ التنازل في المرحلة الأخيرة»، آملاً أن لا تصل الأمور بينهما الى مرحلة درامية.

وبخلاف كثيرين مِن الذي يتّهمون إيران بنهم التدخل في الشؤون العربية، يرى الأمير الحسن أنّ التمدّد الإيراني يعكس وهناً في ثقافتنا. ويقول: «عندما نتحدّث عن سنّة العراق الذين تستضيفهم أربيل وعمان، هل لهم دور أساسي في العودة الى العراق في إطار دولة التفاهمات بين السنّة والشيعة، أم هل يفضلون البقاء في الخارج بدل الإستثمار في وطنهم»، مُنوِّهاً بضرورة عودة الايزيدي والمسيحي العراقي إلى أرضه وتمسّكه بتاريخه.

ويتوقع الأمير الحسن أن يتوصل الإيراينون الى مقايضة تؤمّن الإقليم، فالرئيس حسن روحاني يبحث عن شريك.

وتبقى لفلسطين مكانة خاصة في قلب الأمير الحسن، الذي لا يرى حلّاً «جذرياً للصراع العربي الإسرائيلي إلّا بكرامة الإنسان الفلسطيني على أرضه»، مُنتقداً «مزايدة القيادة الأميركية على إسرائيل التي نصح بعض قادتها بعدم نقل السفارة من تل أبيب الى القدس، فما دام الإسرائيلي حصل على تعاون أميركي في كلّ المجالات التقنية والدفاعية، فليتركوا شيئاً ليتفاوضوا فيه مع الفسلطيني».

ويُجدّد تأكيدَه أنّ المخرَجَ بالإعتراف بالدولة الفلسطينية وترسيم حدود على أساس التصديقات المتبادَلة، وسواءٌ كنا أمام دولة أو اثنتين، المهم كيف سيصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى تحقيق العيش المشترك.

ويتساءل: «طالما نتحدّث عن المناطق الآمنة، لماذا لا نطبّق ذلك على داخل فلسطين، لماذا لا نتحدث عن مناطق آمنة لتأمين كلّ إنسان عربي على أرضه؟»

ويختم الحسن حديثه بالتشديد على أنّ دفع جدار الخوف يكون عبر نهضة فكرية في الهلال الخصيب، مُناشداً المسيحيّين والمسلمين التعامل مع الخوف عبر العمل الجماعي، مُذكّراً بأنّه عندما زار جنوب أفريقيا التي كانت رمزاً للإبادة العنصرية، رأى أنّ الناس آثروا الحوار والعمل من أجل التغلّب على الفوبيا.