• 5 تشرين أول 2017
  • مقابلة خاصة

 

 

بقلم: مصطفى ارمغان 

 

رغم أن قول "الفائزون هم الذين يكتبون التاريخ " تبدو إلينا إفادة غرورية ولكنها 

في الحقيقة تخفي حقائق عميقة. لو أننا فزنا في الحرب العالمية الأولى كنا قد قرأنا اليوم في كتبنا الدراسية انتصار أنور باشا في تنشق قلعة لكن كتب الجمهورية تحاول إسناد النصر نفسه للسيد المقدم (بعدها العقيد) مصطفى كمال. 

من جانب آخر في كتبنا الدراسية نرى أن انتصار حرب كوت العمارة وأبطالها منسيون لحد ما ولكننا لو أننا انتصرنا في الحرب العالمية الأولى كنا قد وجدنا في الكتب الدراسية المدح الشديد لخليل (كوت) باشا كما نرى المدح الشديد لمصطفى كمال باشا قي كتبنا. 

كما قال أرنست رينان "كتابة التاريخ الكاذب هو جزء لا يتجزأ من القومية". حين إنشاء الدول القومية أولاً تقوم الدولة 

بكتابة وإعادة تصميم تاريخها على أنها محقة بمبادئها وتنظف المعلومات المضرة لمصلحتها وكأنها شوائب. التاريخ العقيم هو جزء لا يتجزأ من الدولة القومية. 

سأكمل ملاحظاتي: إن انتصار تشنق قلعة ما كان مجرد رفع معنويات العثمانية بل قام بتلقيح أمل الانتصار على جميع الأعداء وفي نهاية عام 1915 نورالدين باشا انتصر على الجيش الانكليزي في سلمان باك وإضافة إلى ذلك جيش جينرال تونشيند الذي كان محاصر في كوت العمارة قام خليل باشا في نهاية شهر نيسان أسرهم جميعاً بأسلحته. سترون حكايته مفصلة في مجلة التاريخ العميق في عدد نيسان. 

هكذا وقد بينا بأننا اسمرينا بالانتصار على الانكليز في عام 1916 بشهر نيسان. لقد كان تدخل سايكس بيكوت في الشهر التالي مباشرة دليل على أن القوات العثمانية تغلب العدو في ميدان الحرب في كل مرة وكل عدو يهزم في الحرب كان عمله هو تخطيط لخيانة ما لنهب أراضي أعدائهم. كما هو في الاتفاقية السرية التي تم توقيعها بين انكلترا وفرنسيا وروسيا بعد هزيمة سياكس بيكوت في كوت العمارة ما هي إلى اتفاقية خيانة (وكانت روسيا ستسقط من المعادلة في السنة التالية). 

أما في عام 1917 ففي شهر آذار في جبهة العراق التي أسقطنا الانكليز بها في بغداد وانتصرنا عليهم بعد فترة قصية في غزة وكانت ستليها نصر جديد في غزة في السنة القادمة. أي أن الجيش العثماني كما قال إدوارد أريكسون مازال منسق على تنفيذ الأساليب الحربية الحديثة. 

دامت الانتصارات مستمرة ومازلنا نقول "نحن هنا" في ميادين الحروب للحظة هزيمتنا النهائية في جبهة نابلس. لقد أظهرنا للعالم كله من هم نحن وكيف نحارف في حرب تشنق قلعة وكنا سنريهم ذلك فترة أخرى. 

سنرى تاريخ كوت العمارة في الأسابيع المقبلة ومادام أن الذكرى الـ99 اقتربت دعونا نتذكر حربي غزة الأولى والثاني.  

 رؤونا في تشنق قلعة 

فالح رفقي أتاي في كتابه "جبل الزيتون" يتحدث لنا عن حروب غزة عن طريق مذكرة شاهد عيان. 

بعد أن حدثنا عن تفجير غزة المسكينة بسفن الانكليز الذين كانوا يفجرونها من البر وأنهم لحقوا بأضرار ثقيلة للمدينة أيضاً قام بالشرح لنا المقاومة العظيمة الذي بذلها الجيش. بالنسبة لفالح رفقي أن هذا الجيش أنقذ غزة من قوات أعلى منهم رتباً بأربع أو خمس درجات على الأقل. 

النار والحديد الذي يهطل من دون انقطاع من قذائف و سفن الانكليز والذي يجنن أي إنسان عاقل محارب مجروح من اشتباكات غزة نقل إلى القدس أخبرنا صديقه لأحد عساكرنا: 

- أخبرنا برأيك سيأتوا مرة أخرى؟ 

جاوبه عسكرنا بثقة تامة: 

- لا يا سيدي لأنهم رأوا جيشنا. 

كان يقصد ذلك العسكري بأن جيشه الذي حارب في تنشق قلعة أيضاً ضيق العالم على الانكليز في حرب غزة. 

كانت معنويات عساكرنا قوية لدرجة أنهم حينما دخلوا لدرع للانكليز بعدما هزموا الانكليز منهم وذاقوا الأكل الذي في الدرع الذي كان من بين الغنائم لن يعجبهم طعمه وقالوا " حتى طعامهم سيء كان طعامنا في تنشق قلعة ألذ" وهنا ينطبق قول محمد عاكف بالنسبة للجيل الذي تمناه وسمّى به شعره بـ"جيل عاصم": "تلك الأبناء الذين ترافقوا مع الموت".

بعد أن نقل لنا حادثة أخرى من حرب غزة الثاني فالح رفقي و حدثنا عن بطولات المترصدين الذين كانوا يترصدون العدو على هضبة مانتار الواقعة على قبر الشيخ علي مانتار والجيش كله هتف على آذاننا حقيقة لن نعرفها وهي أنهم: "هم أعظم أبطال في أيام غزة".

في مذكرة أحد الضباط بشهر 19 نيسان من عام 1917 ينقل لنا بطولة من بطولات جيشنا في القسم رقم 11: هذه قصة عسكري (محمدتشك) الذي رأى القنبلة التي وقعت أمام درع ولن تنفجر:

" أحد الجنود الذي رأى الحادثة فزع من درعه ومسك القنبلة الخطيرة من ساقها ووضعها على كتفه و قفز من فوق الجنود الذين هم تحت قذف الانكليز الغير منقطع بسرعة شديدة ليرميها على الهدف الأساسي."

" محمدتشك الذي لن يفزع من قنبلة على وشك الانفجار وحملها على كتفه ونقلها لمقر العدو ماهي إلا ذكرى واحدة من ذكريات عديدة هجرناها من أراضي غزة. لدرجة قول فالح رفقي "التاريخ لن يكتب أسامي هذه الأبطال ولكن كل من رأى أحداث اليوم الأخير من حرب غزة الثاني في القسم 11 لا يمكن أن ينسى " 

نحن أناس كالرجل العجوز نسينا أبطالنا بعد 99 سنة لكننا سنقاوم النسيان. لأننا لن ننتقم إلا باسترجاع ذاكرتنا وتذكرنا لأبطالنا الذين كتبوا التاريخ.

ومن طرف آخر قام الجنرال البريطاني موراي بكتابة تقرير كاذب للندن بعد أن غُلِب للمرة الثانية أمام العثامنيين في حرب غزة. لكن الحقيقة هي أن مواري الذي كان لديه قوات أقوى بأربع أو خمس أضعاف الجيش العثماني ولكنه لحق بأضرار أكثر من أضرار الجيش العثماني. كتب في تقريره أن الجيش التركي فقد جنود من 6 إلى 7 آلاف لكن الحقيقة كانت هي أقل من 2500 جندي. لقد انتصر الانكليز. انتصروا بخبرهم الكاذب الذي كانوا بأمس الحاجة له وبالطبع انتشر انتصارهم الكاذب في الصحف البريطانية. ظاهرياً كان النصر لهم!.

لكن العساكر الانكليز في الجبهة هم الذين رأوا الحقيقة دون تشويه. قرأ الضابط الذي اسمه بريسكو موري حينما مرت من فوقهم طائرة تركية رموا عليهم ورقة تحمل هذه الملاحظة:

" أنتم قطعتم تواصلنا ولكننا نحن الذين غلبناكم في غزة“

عن صحيفة ينى شفق