• 21 تشرين أول 2017
  • مقابلة خاصة

 

القدس- اخبار البلد- نشرت صحيفة القدس العربي تقرير موسعا من اعداد مراسلها  أحمد مجدي همام حول دور النشر في العالم العربي وخاصة في بيروت والتي تراجع دورها كثيرها ، والمشاكل التي يواحهها الكاتب ، ويسعد ” اخبار البلد“ ان تنشر هذا التقرير  من باب الاطاع على احوال الطباعة والنشر  في العالم العربي :

 «القاهرة تؤلف، بيروت تطبع، بغداد تقرأ». ظلت هذه الجملة صحيحة وصالحة للتطبيق في عالمنا العربي لسنوات طويلة. قبل أن تزاحم مدن أخرى القاهرة في التأليف، وبغداد في القراءة.. لكن بقيت بيروت هي قِبلة للكاتب العربي، كمدينة تعطي الكتاب حقه، وتقبل بالتعاون مع المؤلف العربي من مختلف الجنسيات.
دور نشر لبنانية عدّة، بدأت عملية النشر مبكراً، وطوّرت أدواتها لتواكب الزمن وتحافظ على موقعها في سوق النشر العربي الآخذ في التوسع، فبعد تضاعف حجم سوق النشر في مصر، وبعد دخول ناشرين من دول خليجية، أو دور نشر عربية مقرها أوروبا، وحتى بعض الدور المغاربية والشامية، ظلت دور نشر مثل الآداب والساقي ورياض الريس، ضمن صدارة دور النشر العربية من حيث جودة المنتج فنياً وإخراجياً. لكن يبدو أن تطورات السوق، وارتفاع أسعار الورق وعملية الطباعة وتكاليف الشحن، وغيرها من العوامل، جعلت بعض المؤلفين العرب ـ غير اللبنانيين ـ ممن لديهم تجارب في النشر في بيروت، يرصدون بعض المآخذ على الناشر اللبناني، كضعف التوزيع داخل بلدانهم البعيدة عن بيروت، أو ارتفاع أسعار المطبوعات إلخ. تفرد «القدس العربي» المساحة التالية، لرصد آراء مجموعة من الكتّاب الشباب العرب، وتقييمهم لتجاربهم المختلفة في نشر كتاباتهم بالتعاون مع ناشرين بيروتيين.

حزمة نسخ.. ونسيان

في 2016 نشرت الكاتبة الجزائرية سارة النمس روايتها «ماء وملح» عبر دار الآداب البيروتية؟ وتقول النمس حول تجربتها للنشر في العاصمة اللبنانية: «من الطبيعي أن يطرق الكاتبُ أبوابَ بيروت لنشرِ عمله، بيروت التي احتضنت منذ القدم الفنّ والثقافة حتى في سنواتِها الأكثر ظلامًا ودموية، ولكن إذا سألتني ما إذا كانت دور النشر اللبنانية تقدّم للمبدع العربي ما كانت تقدّمه سابقًا؟ أجيبك بصدقٍ مؤسِف: كلاّ! إنّ ما يعاني منه الكاتب في لبنان هو ما يعاني منه في بلدهِ وفي البلدان المجاورة، إذ أصبحَ كل ما يحصلُ عليهِ من الدار هو حزمة نسخ، ورق جيّد، مشاركة في المعارض ونسيانٌ تامٌ بعد ذلك للمادّة المنشورة، لم تعد بيروت تتّبع خطّة جيّدة للتوزيع كما كانت تروّج للعملِ الجيّد إعلاميًا، أصبحت تركّز على جذب الأقلام المعروفة لتراهنَ على بيعِ المطبوعات في زمنٍ كثر فيهِ الكُتّاب ونَدُر القرّاء! ولعلّ الميزة الوحيدة للنشر في الدور العريقة ببيروت تتمّثل في عرض العمل على لجنة قراءة ومناقشة المادّة قبل نشرِها، بالإضافةِ إلى تحريرها بينما تأخذ دورٌ أخرى الأعمال من يدِ الكاتب مباشرة إلى المطبعة بدون أن تشيرَ إلى أخطائه ومواطن ضعفهِ لاستدراكِها، وهكذا أصبحنا نقرأ أعمالاً لا نفهمُ كيفَ تمّ قبولها تفتقر لأبسط فنيات القصة أو الرواية.

المسافة بين بيروت والمغرب

نشر الكاتب المغربي محمد بنميلود روايته الأولى عبر دار الساقي اللبنانية، ويرصد مؤلف رواية «الحي الخطير» ملامح تجربته في النشر فيقول: «لم تكن بيروت بالنسبة لي اختياراً، بل تحصيل حاصل، فبعد حصول روايتي على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق، التي يوجد مقرها في بيروت، كان الطبع توازياً مع ذلك في بيروت عبر دار الساقي. وهو بدون شك قدر جميل بالنسبة لي أن تأتي روايتي الأولى، وهي أول كتاب يطبع لي من بيروت. ما زالت فعالية المثل الذي يقول «مطرب الحي لا يطرب» سارية هنا في المغرب بخصوص المنشورات ودور النشر، بالتالي لا شك في أن أي عمل يأتي من الخارج يكون له تميزه، خصوصا حين يأتي من بيروت، بكل ثقلها الثقافي وتاريخها وعراقتها في مجال طبع ونشر الكتاب. 
عبر تجربتي مع دار الساقي ومقارنة أيضا بأغلب دور النشر المغربية، توزيع الكتب جيد، والكتاب يحضر كل المعارض تقريباً، ويصل إلى دول عديدة، لكن، رغم ذلك، يظل الطلب أكبر من العرض ويظل التوزيع قاصراً عن تغطية دول كثيرة ومدن كثيرة داخل المغرب، بعضها لم يصله الكتاب إطلاقا وبعضها يصله بكميات ضعيفة، إضافة إلى أن بعد المسافة بين بيروت والمغرب يعتبر عائقاً موضوعياً آخر أمام وصول الكتاب في الوقت المناسب، فشحن الكتب وإرسالها من بيروت إلى المغرب قد يستغرق أكثر من شهرين قبل أن تصل، وبعد ذلك قد تستغرق المكتبات شهراً كاملا قبل التوصل بالشحنة وفتحها وعرضها على القراء. 
ارتفاع كلفة الطباعة في بيروت رغم أنه مبرر إلى حد بعيد نظرا إلى جودة المطبوعات ورقاً وغلافاً وتصحيحاً وتنسيقاً إلخ.. ونظراً أيضًا لظروف الطبع هناك، إلا أن هذا لا يوافق بتاتاً القدرة الشرائية العادية في المغرب، وفي أغلب الدول العربية، خصوصا بين فئات الشباب والطلبة والعاطلين عن العمل، ومقارنة أيضا بأسعار منخفضة لكتب تطبع داخل المغرب، أو تأتي من أماكن أخرى بأثمان رخيصة. هذا في حقيقة الأمر مشكل حقيقي يضاف إلى مشاكل عديدة، يضعف من البيع داخل فئات عديدة من المجتمع، ويصيب الكاتب بخجل، حيث يبدو الأمر لمن لا يعرفون التفاصيل، كما لو أن رفع ثمن الكتاب سببه هو جشع الكاتب، بينما في حقيقة الأمر، وكما هو معروف لدى المطلعين، فهذا الأخير، أي الكاتب، لا يستفيد شيئا من مبيعات كتبه على المستوى المادي، سواء بيعت بأسعار مرتفعة أو منخفضة، وسواء بيعت بكميات كبيرة أم صغيرة، سوى بعض الفتات الذي يخجل حتى أن يذكره. بينما تعود كل الأرباح تقريبا إلى دار النشر. وما قد يربحه كاتب من كل هذا، هو وصول كتابه إلى قراء كثيرين، وانتشاره على صعيد واسع.
في النهاية يعتبر نشر كتاب أدبي عبر دار نشر في العالم العربي أو في العالم المغاربي مشكلة عويصة بالنسبة لكاتب محاط بعراقيل ومنغصات كثيرة وهضم لحقوقه ومجهوده. لن يستفيد منها شيئا سوى دعاية أنه نشر كتاباً. هكذا تجري الأمور، سواء نشرت في بلدك أو في بلد آخر، وسواء نشرت عبر دار نشر كبيرة أو صغيرة، مع فارق في النسبة فقط. لذلك على الكاتب إيجاد حلول جديدة بديلة وجذرية لطبع وإيصال كتابه إلى القراء توافق مستجدات العصر وتناسب جوهر ما يكتبه».

تسويق هادئ

وصلت رواية «السنغالي» للمصري مصطفى موسى إلى القائمة القصيرة من جائزة ساويرس للكاتب الشاب. وهي الرواية الثانية له، ونشرها عبر دار الآداب البيروتية. يقول موسى: «هناك دائماً مسرح لجريمة ما بين الكاتب والناشر، إنه صندوق الرسائل الإلكترونية، الذي يحتوي غالباً على أدلّة لو انكشفت للقارئ لأشفق على كليهما. ولا تختلف العلاقة بين الكاتب والناشر في عالمنا العربي باختلاف الدولة، فهي علاقة شك مزمن، ومشاكل موحدة وظروف سوق سوداوية تواجهها دور النشر المصرية واللبنانية، فما بين أسعار الورق المستورد، وتكاليف الشحن ومستلزمات الأحبار والطباعة يظهر الفرق في احترافية التسوية بين نشر ما تؤمن بقيمته الأدبية وبين الربح المادي المغذي لاستمرارية دار النشر، وتبقى الحلقة الأضعف في تلك المعادلة الضاغطة، وهي المؤلف، الذي يضطر أن يدفع لنشر كتابه غالباً إن كان يطأ حقل الحبر الأسود لأول مرة، حتى يجد إجابة لسؤال «إنت نشرت عند مين قبل كده؟» في إصداره المقبل.
يتفق غالبية الحقل الأدبي في هذه الفترة على أن اسم الناشر أهم من عنوان الغلاف، فيبحث الكاتب عما يكرّسه ثقافياً بمنح كتابه تحققاً منسوخاً من اسم دار النشر، لكن تبقى الإشكالية الكبرى، فالانتشار في مصر بالنسبة للروائي المحلي هو الأهم، وهو ما لا يتوافر غالباً لمن تعامل مع دور نشر بيروتية، فسعر الكتاب يتعدى بكثير نظيره الصادر في مصر، بالإضافة إلى أن التسويق اللبناني هادئ لا يُرضي بعض الكتاب المصريين.
القدرة على مبادلة الحوار هو شرط أساسي لبناء علاقة بين الكاتب والناشر، وذلك ما يعيه جيداً الناشر اللبناني، ويتجاهله بعض الناشرين المصريين، فدور النشر المصرية تراهن على ذكاء الكاتب حين لا يتلقى رداً خلال ثلاثة أشهر، بأن ذلك رفضٌ لعمله، بعكس الناشر اللبناني الذي يرسل تقريراً مفصلاً وملاحظات قابلة للنقاش أو رسالة إلكترونية تحمل رفضاً مهذباً، إنها مقارنة حزينة، لكننا في الأغلب نلتمس العذر، فدور النشر المصرية ممتلئة بجثث نصوص مشوهة، أو مكتومة الأنفاس الإبداعية، تجعلها تتطرف في التعامل مع الكاتب، فالملاحظة اللافتة لي من خلال التعامل مع دار الآداب اللبنانية عبر روايتي أن عقد النشر لم يتجاوز التسعة بنود، وهو ربع عدد البنود القانونية في غالبية عقود الدور المصرية، ذلك بعض من تجليات النشر في بيروت، التي بدأت في اعتقادي حين تعاقد الراحل سهيل إدريس مؤسس الآداب اللبنانية مع الراحل نجيب محفوظ لنشر روايته المحظورة وقتها «أولاد حارتنا»، فأصبحت لبنان قِبلة القلم الحر. فهل تستمر؟ أتمنى ذلك».

التابوهات

«نزهة عائلية» هي الرواية الخامسة للكاتب اليمني بسام شمس الدين، صدرت 2017 عن دار الساقي في بيروت، يقول شمس الدين: «بالنسبة لي، لم أختر بيروت، بل هي التي اختارتني للمشاركة في ورشة آفاق، ومن ثم الطباعة في دار الساقي، ولا شك أن الطباعة في بيروت لها نكهة خاصة، لما عرف عن تميزها في أمور النشر، هناك دور كبيرة وعريقة، وبعضها مميز بقدرته على الترويج لأعمال الكتاب وتوزيعها، والبعض يهتم بأمر طباعة العمل فقط. وفعلاً فإن الكاتب الشاب يجد نفسه أمام بعض الأصنام المقدّسة من الكتّاب القدامى، ومهما يكن عمله متقناً وجميلاً، فلن يتفاعل الناشر مع الاسم الجديد للأسف، وكأنهم لا يدركون أن مشاهير الكتاب في العالم بدأوا صغاراً وغير معروفين.. واعتبر النشر في بيروت كوصول الإنسان للمرة الأولى إلى سطح القمر، خصوصاً لكاتب من بلد لا تفقه شيئا عن صناعة الكتاب والثقافة، وقد تلقيت كثيرا من الرسائل بعد أن نشرت دار الساقي روايتي الأخيرة «نزهة عائلية»، وحظيت بصداقات من أرجاء الوطن العربي والخليج، إضافة إلى أن الرواية ظفرت بدراسات في مشاهير الصحف والمجلات العربية، ولفتت القراء.. لكن للأسف يبدو أن دور النشر تريد نوعاً خاصاً من الأعمال، وتشترط عدم وجود كذا وكذا من التابوهات، وأعذرها لأن السلطات العربية ما زالت تعيش حالة الخوف من الإبداع الأدبي، وتمنع دخول الكتب إلى أراضيها، وما زالت لديها شرطة تسمى الآداب، وهيئات الأمر بالمعروف.. لكنني متفائل على كل حال».