• 12 آيار 2018
  • مقابلة خاصة

 

 

 القدس - أخبار البلد - شارك الدكتور مهدي عبد الهادى رئيس الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية "باسيا" بورقة بحثية هامة عما الت اليه الاوضاع  في مدينة القدس وذلك في المؤتمر السنوي السابع لمركز مسارات الذي عقد نهاية الاسبوع 

وقد خص د عبد الهادى ” شبكة ” أخبار البلد“ بورقته  التي كانت تحت عنوان القدس مخاطر حسم الصراع الديمغرافي وخطة الرئيس دونالد ترامب ، وسعد ”أخبار البلد“ ان  تقوم بنشرها كاملة ، 

١- إطلالة على المشهد

بعد مرور سبعين عاماً على النكبة الفلسطينية لا يزال قرار التقسيم 181 عام 1947 ينتظر التنفيذ والتطبيق حتى الآن وخاصة في وضع مدينة القدس في حدودها الجغرافية وحالتها الديمغرافية بتاريخ انتهاء الانتداب البريطاني تحت الوصاية الدولية في كيان دولي خاص (Corpus Separatum) منفصل ومحايد ومنزوع السلاح.

وبعد خمسين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي لكامل التراب الوطني الفلسطيني ولا تزال اجراءات الضم الرسمي والفعلي الإسرائيلي لمدينة القدس وتوظيفها وإعلانها "العاصمة الكاملة والموحدة" دونما رادع أو احترام لقرار مجلس الأمن الدولي 242 عام 1967، مستمرة حتى اليوم! 

وبعد "احتضان الغرب" للحركة الصهيونية وإقامة "دولة إسرائيل" وتمكينها في جميع مناحي الحياة وخاصة السياسية والأمنية وأيضاً الكولونالية والاحلالية، لا تزال الإرادة الدولية عاجزة عن وقف أو ردع الإجراءات والممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني أو تنفيذ الاتفاقيات والمقررات الدولية. 

هذا وقد انتشرت في "دولة إسرائيل"، فلسفة الإقصاء، وسياسات الاحتواء، ومنهج الاضطهاد، وتعدد وتنوع أدوات القمع وحتى القتل بدم بارد! وصعدّت من خطاب التمييز اليميني المتطرف، وفي تزييف وتشويه حقيقة الرواية، إلى محاولات إلغاء ونفي وجودنا وتشكل "نظام أبرتهايد" على أرض فلسطين ] 6.5 مليون يهودي يتحكمون بقوة السلاح في 6.5 مليون فلسطيني  .[

وفي حالتنا العربية وخصوصيتها الفلسطينية، وعلى الرغم من الإرث والتراث النضالي في الثبات على أرض الوطن، وسجل التضحيات الذي لا ينتهي حتى اليوم؛ ومع انتقال النظام السياسي العربي من حقبة النخب القومية في الخمسينات والستينات، إلى حقبة العسكر في السبعينات والثمانيات، ثم إلى حقبة الإسلام السياسي في مطلع هذا القرن ووصولاً إلى حقبة حراك الشباب، وهتافه في الميادين: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ثم إلى دورة انتقالية من حكم العسكر وسقوط الشباب إما في القبر أو السجن أو المهجر، طغى على مشهدنا مقولة: "الفوضى غير الخلاقة" و "انهيار النظام العربي" و "حروب صواريخ الردة" في اليمن وسوريا وليبيا ثم شاهدنا وصول "الدراجات العربية" إلى شوارعنا تطوف حول أسوار مدينتنا، وتشارك بمعرفة أو جهل أو غباء في "ذكرى نكبتنا" احتفاليات وفعاليات تطبيع مشتركة! ووقفنا نصرخ فيهم "اسحبوا دراجاتكم" ].. لقد فضحتونا يا عرب[.

لقد اسمعت لو ناديت حياً.. "أشكو العروبة أم أشكو لكم العربا؟!"

وعليه، فإن المدخل إلى المشهد العام، وبعيداً أو قريباً من روايات التندر أو السخرية، يمكن مراجعته في ثلاثة مشاهد، حدثت في ثلاثة مواقع (مجالس) متقاربة ومتزامنة، وتابعناها عبر أدوات عصرنة التواصل الاجتماعي:

الأولى: كانت في تقديم "مشروع قانون" ودعوة متطرف وآخرين يقول: "اخرجوا حنين"!

الثانية: كانت في تدخل وصراخ ذكوري غاضب يقول: "اقعدي يا هند"!

الثالثة: كانت في ما تبقى من اجتماع مجلسنا وصراخ حاكم يقول: "اسكتي يا فيحاء"!

وعليه، لماذا نستهجن أو نستغرب مقولات الرئيس دونالد ترامب وصراخه علينا: "اخرجوا  أو  اقعدوا أو اسكتوا“؟

 

٢- الجغرافيا والديمغرافيا

 

إن في المراجعة والمقارنة التاريخية والسرد في التوصيف القانوني لحالة الجغرافيا والديمغرافيا وقضايا السيادة والرموز الوطنية والمقدسات الإسلامية والمسيحية خلال ثلاثة حقب يؤسس لأرضية واقعية نقف عليها اليوم دونما أوهام أو تمنيات وسقوط القناع عن حقيقة المخاطر التي تجابهنا والتعرف على ما لدينا من امكانيات وقدرات حتى لا نفشل أو نسقط أو ننكسر أمام هذا العدوان المتجدد!! وهي ثلاث حقب: 

الأولى: ما قبل النكبة (1920 - 1948).

الثانية: ما بين النكبة والنكسة (1948 - 1967).

الثالثة: ما بعد الاحتلال والأسرلة (1967 - 2017)

 

٣- الحقبة الاولى ما قبل النكبة 

 

 كانت حدود بلدية القدس تغطي مساحة تبلغ 12.7 كم2، ضمت المدينة القديمة (59%) منها وأدخل أول تعديل على حدود المدينة عام 1921 لتغطي المدينة مساحة  63كم2 على مسار خط مستقيم تمتد من حي شعفاط (شمالاً) إلى قرية العيزرية (شرقاً) ودير ياسين (جنوباً) ودير نظام وقرية لفتا (غرباً)، وبلغ عدد سكان البلدة القديمة عام 1944 حوالي 36,000 نسمة منهم 33,600 نسمة مسلمين ومسيحيين ينقسمون بالتساوي، في حين كان اليهود 2,400 نسمة يقيمون في حي صغير يقع بين حي الأرمن وحارة المغاربة.

لقد عملت الحكومة البريطانية على تحجيم الوجود الفلسطيني وتوسيع الحضور اليهودي في أربع ملفات في القدس؛ الأول، وظفت المخططات الهيكلية والعمرانية لتغيير التركيبة السكانية وتغيير المركز التقليدي للبلدة القديمة (فك ارتباط) وأصدرت (قانون نزع الملكية) في تموز (يوليو) 1926 الذي "منح الحكومة البريطانية صلاحية الاستيلاء على أية أراضي لأغراض الاستيطان اليهودي" وأصدرت قانون تسوية حقوق وملكية الأراضي في 30 أيار (مايو) 1928، وفرضت ضريبة الأملاك في المدن عام 1928 وقررت نسبتها بادئ الأمر 12% من قيمة الإيجار ثم خفضت إلى 9% بعد اعتراضات الأهالي إلا أنها عادت ورفعت قيمتها إلى 15% في نيسان (ابريل) 1932، وأصدرت مرسوماً ينص على احترام حرية العبادة لكافة اتباع الديانات السماوية واحترام الوضع القانوني والتاريخي فيها status quo .

وعلى الرغم من مئات المؤتمرات والخطابات والمهرجانات تحت يافطة: لا لوعد بلفور، لا للهجرة اليهودية، لا للانتداب البريطاني كان لنا هبات وانتفاضات وثورات فلسطينية 1921، 1928، 1933، 1936، تصدت لها الحكومة البريطانية في فرض فلسفة وسياسة "فك الارتباط" مع القدس، وطرحت اللجان البريطانية المتعددة خطط تقسيم البلاد بين الفلسطينيين واليهود، وبينهما محطة "فك الارتباط" مع القدس، وتابعنا ذلك في خطة لجنة اللورد بيل لعام 1937 تقسيم فلسطين، وتشكيل انتداب بريطاني دائم على القدس وبيت لحم متصلاً بساحل البحر في مدينة يافا عن طريق ممر واسع يشمل معظم القرى الفلسطينية مع التأكيد على ضمان إمكانية الوصول إلى الأماكن الدينية، ثم تبنت لاحقاً كل من لجنة ودهيد  1938، وخطة موريسون غرادي 1946 خطط تقسيم البلاد من جانب، ومن جانب آخر، تدويل القدس تحت اشراف عصبة الأمم! 

لقد جاء في تقرير لجنة التوفيق الدولية UNSCOP المقدم في آب (أغسطس) 1947 مجموعتين من التوصيات:

 

التوصية الأولى:  اقترحت اتحاداً فدرالياً يضم المنطقتين العربية واليهودية، واعتبرت مدينة القدس عاصمة للدولتين وإن كانت تقع جغرافياً في قسم الدولة العربية، وعرفت هذه التوصية باسم (خطة الأقلية) ودعمتها كل من إيران والهند ويوغسلافيا واستراليا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وهولندا وغواتيما والبيرو.

التوصية الثانية:  قدمت مقترح "خطة التقسيم" مع اتحاد اقتصادي بين الدولة العربية والدولة اليهودية ونظام دولي خاص للقدس "كيان قائم بحد ذاته – (Corpus Separatum)  وعرفت (خطة الأغلبية) وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم رقم 181 في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 استناداً إلى توصية الأغلبية وحددت تفاصيل الكيان الخاص للقدس (Corpus Separatum) على أنه منفصل ومحايد ومنزوع السلاح ويشمل بيت لحم ويوضع تحت وصاية مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة والذي يترأسه حاكم تعينه الأمم المتحدة وتحرسه قوات شرطة دولية ويغطي مساحة تبلغ 186 كم2 بحيث تكون 12.5 كم2 مملوكة لليهود وتتمتع بإدارة بلدية خاصة وذلك بإجراء انتخابات لبلديتين منفصلتين مستقلتين. كما نصت الخطة على استفتاء أهل القدس بعد عشرة أعوام على استمرار الحالة أو تعديلها!

سارعت العصابات والمليشيات الصهيونية بعد صدور قرار التقسيم الدولي إلى تصعيد هجماتها على القرى الفلسطينية المحيطة بالمدينة، وتمكنت من تدمير (39) بلدة وتهجير أهلها كما استولت على (100) ألف منزل وعقار في مدينة القدس وطردت السكان أصحاب الأرض باتجاه القدس الشرقية.

وبالرغم من أنه لم يتم حتى الآن تنفيذ قرار الأمم المتحدة بوضع القدس في كيان خاص دولي ولكن لا يزال الأمر من منظور القانون الدولي، أن القدس خاضعة لقرار التقسيم 181 عام 1947 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة

٤- الحقبة الثانية: ما بين النكبة والنكسة

ما بين العام 1948 والعام 1967، جرى "تقسيم ميداني عسكري" لمدينة القدس وعرف بأنه الخط الفاصل بين القسمين باسم الخط الأخضر، الذي رسم الحدود  بين القسمين بموجب معاهدات وقف إطلاق النار التي وقعت بين إسرائيل والأردن في اتفاقيات رودوس 1949 ما أوجد حالة تقسيم القدس بين القدس الشرقية والقدس الغربية.

في 14 أيار (مايو) 1948، ومع خروج القوات البريطانية من فلسطين وفرض قرار التقسيم وبدايات النكبة الفلسطينية، جرى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل وتصاعدت نكبتنا الفلسطينية في عمليات طرد من تبقى من أهل البلاد من بيوتهم وممتلكاتهم. 

في 28 حزيران (يونيو) 1948، رفع الوسيط الدولي الخاص الكونت فولك برنادوت أول مقترح رسمي بشكل سري إلى مختلف الأطراف، طلب فيه "ضم مدينة القدس إلى الدولة العربية، مع تشكيل بلدية للجالية اليهودية وتدابير خاصة لحماية الأماكن المقدسة." ثم تقدم بمشروع ثان بعد رفض الاقتراح السابق طرح فيه مشروع إقامة: دولتان مستقلتان مع "معاملة خاصة ومنفصلة" للقدس، والتي طلب "أن توضع تحت سيطرة الأمم المتحدة الفعلية بأقصى حد ممكن من الاستقلال الذاتي المحلي بالنسبة لكل من العرب واليهود مع ضمانات كاملة لحماية الأماكن والمواقع المقدسة وحرية الوصول إليها وحرية العبادة."  

في خلال "حرب 1948" وما بعدها، سيطرت القوات الإسرائيلية على ما يقارب 85% من إجمالي مساحة القدس البلدية (والتي كانت تبلغ 19.2 كيلومتر مربع في ذلك الوقت)، بينما سيطر الجيش العربي الأردني على 11% واعتبرت 4% منطقة حرام. وبعد القرار 181 عام 1947 بفرض “التقسيم”، وسعت إسرائيل مساحة سيطرتها من (16.26) كيلومتر مربع – باتجاه الغرب إلى مساحة بلغت (38) كيلومتر مربع، وذلك بضم وإضافة معظم الأحياء اليهودية الحديثة والكثير من القرى الفلسطينية التي أفرغت من سكانها في التلال المحيطة. 

بعد اتفاقية وقف إطلاق النار في 30 تشرين ثان 1948، سيطرت القوات الإسرائيلية على الجزء الغربي من المدينة بالإضافة لمنطقة جبل المشارف، في حين سيطرت القوات الأردنية على القسم الشرقي، بما فيه البلدة القديمة. بالإضافة لذلك، كان هناك الكثير من المناطق "المحايدة" منزوعة السلاح على طول "الحدود"، بحيث كانت مساحة مقر الحكومة البريطانية أكبرها (وتحولت فيما بعد إلى مقر مراقبي الأمم المتحدة).

ولقد تعزز وضع تدويل القدس في كانون أول (ديسمبر) 1948 من خلال قرار 194 (3) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن في محطة "اشتباك وفض ارتباط" ميداني: توافق كل من عبد الله التل (الحاكم العسكري الأردني) وموشيه دايان (الحاكم العسكري الإسرائيلي) بصورة مستعجلة على رسم خارطة "تقسيم ميداني للمدينة" وأرفقت باتفاقية وقف إطلاق النار ثم أرفقت باتفاقية رودس في نيسان (ابريل) 1949، واستمرت على أساسها حالة "تقسيم" مدينة القدس لمدة 19 عاماً، حتى حرب حزيران (يونيو) 1967.

وكان القسم الخاص بالقدس من الخط الأخضر قد بلغ طوله 7 كيلومترات. كانت هناك “محطة عبور” إدارية مشتركة بين المنطقتين، عرفت باسم بوابة مندلبوم، والتي استخدمت بشكل أساسي لتنقل الدبلوماسيين والعاملين في منظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة الذين كانوا يتابعون تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وكذلك لعبور فرق الصحافة والحجاج المسيحيين الذين يزورون المدينة في أعياد الميلاد والفصح، كما تم ترتيب مرور بعثة إسرائيلية كل أسبوعين لمنطقة هداسا والجامعة العبرية على جبل سكوبس! وعلى الرغم من هذه الترتيبات العسكرية والقانونية في "اقتسام وتقسيم المدينة" لم يتقدم أي طلب أو رغبة رسمية أو أهلية أو دينية يهودية خلال (19 عاماً) إلى الجانب الأردني أو الدولي بأي طلب للزيارة أو الصلاة عند حائط البراق، واستمر الجانب العربي برعاية الممتلكات اليهودية 20% من حي المغاربة تحت وصاية "حارس أملاك الغائبين"!

في نهاية 1949، صدر قرار 303 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (9 كانون أول (ديسمبر) 1949) شدد على التزام الأمم المتحدة بتدويل القدس، واعتبارها "كيانا قائما بذاته". عمل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) على عقد جلساته في المدينة وفي كانون الثاني (يناير) 1950، وأصدر الكنيست قانونا أعلن بموجبه القدس عاصمة لدولة إسرائيل. وفي 24 نيسان (ابريل) 1950، قام البرلمان الأردني “بتوحيد” الضفة الغربية مع الضفة الشرقية رسمياً في دولة الأردن، وكان هذا “إجراء عملي” اعتبرته دول الجامعة العربية في 12 حزيران (يونيو) 1950 بأنه تدابير مؤقتة وعملية، وأن الأردن يحفظ "وديعة" فلسطينية بانتظار التسوية المستقبلية. وفي عام 1952، وسعت الحكومة الأردنية منطقة البلدية العربية في القدس الشرقية – التي كانت مساحتها حينها 2.2 كيلومتر مربع – لتضم قرى وأحياء، الأمر الذي جعل مساحتها الإجمالية تصبح 6 كيلومترات مربعة . وفي السنة التالية، وفي 27 تموز (يوليو) 1953، أعلن الملك حسين، أن القدس هي "العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية" وأنها تشكل "جزءا لا يتجزأ ولا يمكن فصله" عن الدولة الأردنية، وفي كانون ثان (يناير) 1960، وفي حديثه أمام البرلمان الأردني، كرر الملك حسين قوله أن القدس هي  "العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية." 

وفي 28 أيار (مايو) 1964 وقيام منظمة التحرير الفلسطيني وتشكيل المجلس الوطني واعتماد الميثاق القومي، جرى التأكيد على أن القدس عاصمة الشعب الفلسطيني! بعث أحمد الشقيري، رئيس المنظمة برقية إلى (يوثانت) السكرتير العام للأمم المتحدة يعلمه فيها "أن المؤتمر الفلسطيني القومي الأول انعقد في القدس اليوم (28 أيار (مايو) 1964) وكان الشعب الفلسطيني ممثلاً فيه من جميع أنحاء العالم وقرر إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وستتولى صلاحياتها الممثل والناطق الشرعي الوحيد بخصوص جميع الشؤون المتعلقة بالشعب الفلسطيني.

هذا وقد سبق أن سجل في إعلان الاستقلال الفلسطيني الأول عام 1948 "أن القدس عاصمة فلسطين" ثم أعيد تأكيد ذلك في إعلان وثيقة الاستقلال في الجزائر في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 "قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف

 

٥- الحقبة الثالثة: ما بعد الاحتلال والاسرلة

 

لم يعد وضع “الخط الأخضر” مؤكداً أو ثابتاً بعد الاحتلال الإسرائيلي، رغم أنه احتفظ بمعناه الأمني والسياسي والقانوني والإداري لمدة 19 عاماً، فقد اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن المناطق الواقعة وراء هذا “الخط الأخضر” أنها مناطق محتلة عسكرياً ولم تدخلها في أنظمتها السياسية والمدنية بل مارست إدارة وسلطة الاحتلال العسكري عليها والقوانين واللوائح والقرارات العسكرية.

وقد استثني من هذا الوضع العسكري ذلك الجزء من القدس والذي يعتبر جزءاً من الضفة الغربية المحتلة وسيادة الدولة الأردنية، فقد قامت الحكومة الإسرائيلية بضمه بشكل غير شرعي وأحادي الجانب. وكان الدافع وراء الحدود الجديدة الرغبة في السيطرة على "مناطق الدفاع" الأساسية، وخطوط الاتصال والوديان، وبموجب القرار "عدم قبول استيعاب أعداد أكثر من اللازم من السكان العرب في المنطقة التي تم ضمها، وتخصيص مساحات مفتوحة لتطور الأحياء اليهودية [المستوطنات]." وعند إعادة رسم الحدود بعد 1967، جرى ضم حي النبي يعقوب، الذي كان ضمن السيادة الأردنية منذ عام 1948، كما تم ضم منطقة المطار في قلنديا. 

بعد ذلك، وتغاضيا بشكل كامل عن الرأي الدولي والانتهاكات الفاضحة للقوانين الدولية التي تحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، فرضت وطبقت إسرائيل قوانينها، واختصاصها القضائي وإدارتها هناك. والتهمت حدود البلدية الجديدة (64) كليو متراً إضافية من أراضي الضفة الغربية وهي (28) قرية فلسطينية وأجزاء من مناطق بلديات رام الله، والبيرة وبيت لحم، وشكلت مع مناطق البلدية (العربية) البالغة ستة كيلومترات مربعة ما مساحته 70 كيلومتر مربعاً.

إن التوسع، الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 26 تموز (يوليو) 1967، كما صادقت عليه الكنيست بعد يومين، وضع كامل جغرافية القدس (الشرقية والغربية" ومناطقها البلدية التي امتدت على مساحة 108 كيلومترات مربعة وضعها تحت الاحتلال، وكانت نسبة السكان اليهود فيها 74.2% مقارنة مع 25.8% فلسطينيين.  ولم يعد  الحديث عن الخط الأخضر أنه يشكل اليوم حدوداً سياسية؛ بل أصبح يشار إليه بعبارة "خط التماس".

في 28 حزيران (يونيو) 1967، عدل الكنيست قانون عام 1950 وعملت بشكل غير شرعي على توسيع نطاق “سيادة” إسرائيل على الجزء الشرقي من المدينة، وبدأت ببناء المستوطنات في المناطق الملحقة من القدس الشرقية، ضاربة عرض الحائط بالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة ("لا يجوز لدولة الاحتلال أن تنقل أو ترحل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها").

كان أول إجراءات الإخلاء القسري لنحو (650) فلسطيني من حارة المغاربة في البلدة القديمة، وتدمير منازلهم (ما لا يقل عن 135 منزلا) بغرض إنشاء ساحة أمام حائط البراق (الحائط الغربي). ثم أقامت أول مستعمرة يهودية جديدة عام 1968 (رامات إشكول وهاجيفا هاتسارفاتيت/ التلة الفرنسية)، وبحلول عام 1985 تم بناء 10 مستوطنات “حضرية” كبيرة على الأراضي المصادرة من القدس الشرقية المحتلة، وبتجاهل كامل لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 (4 تموز (يوليو) 1967)، والذي دعا إسرائيل إلى "إلغاء كافة التدابير التي اتخذتها (وأن) تتوقف فوراً عن اتخاذ أية تدابير من شأنها أن تغير الوضع التاريخي والديني status quo في القدس." وفي خلال السنوات الثلاث الأولى من الاحتلال العسكري للمدينة، أقدمت إسرائيل على مصادرة 25,870 دونما من الأراضي الفلسطينية في القدس.

بالإضافة لمصادرة الأراضي وترحيل السكان، شرَّعت إسرائيل “نظام التمييز المنهجي” والقمع تجاه المواطنين الفلسطينيين في المدينة في كل نواحي حياتهم اليومية (مثلا فيما يتعلق بتخصيص الموارد البلدية (لا تتلقى الأحياء الفلسطينية من ميزانية البلدية سوى حوالي 12-13٪ رغم أن الفلسطينيين يشكلون 37٪ من السكان على الأقل)، ومصادرة الأراضي، وحرمانهم من حقوقهم في البناء، وهدم بيوتهم (منذ عام 2004، دمرت حوالي (746) وحدة سكنية فلسطينية في المدينة، دمرت (61) وحدة منها في عام 2017)، والقمع السياسي، وإلغاء حق الفلسطينيين في الإقامة (تم سحب ما لا يقل عن (14,595) بطاقة هوية  من السكان الفلسطينيين منذ عام 1967)!!

 تمت إجراءات “الضم” الإسرائيلي “الرسمي” لمدينة القدس بعد 13 سنة من حرب حزيران (يونيو) 1967، وذلك عندما أصدر الكنيست القرار في 30 تموز (يوليو) 1980، يقضي بتحديد الحدود البلدية حسب التوسع غير الشرعي الذي تم، وأعلنت المنطقة برمتها جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل واعتبرت أن "العاصمة الكاملة والموحدة" في قانونها الأساسي هي: القدس. ويشكل هذا العمل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وقد شجبه قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 478 (الصادر بتاريخ 20 آب (أغسطس) 1980)، والذي قضى بأن "كافة التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، وأدت إلى تغيير أو من شأنها أن تغير هيئة ومكانة المدينة المقدسة في القدس، و، بخاصة، "القانون الأساسي" الصادر مؤخرا بخصوص القدس هي تدابير وأعمال باطلة وينبغي إلغاؤها ووقفها."

وفي ثمانيات القرن الماضي، بدأت بلدية القدس (الإسرائيلية) برسم مخططات حدودية للأحياء الفلسطينية في المدينة وصنفت مناطق واسعة منها "مناطق خضراء" و"مناطق خارج التخطيط الحضري" حيث يحظر التوسع فيها. ويخصص أقل من (15%) من أراضي القدس الشرقية (نحو 8.5% من النطاق البلدي للقدس) لتلبية الاحتياجات السكنية للسكان الفلسطينيين، الذين يشكلون اليوم نحو 40% من سكان المدينة. 

أعادت إسرائيل رسم الحدود البلدية مرتين لتعميق سيطرتها على الزيادة السكانيةالفلسطينية: في عام 1985 كانت المدينة تتوسع غربا بمساحة قدرها (0.5) كيلومتر مربع، وفي عام 1993 توسعت بمقدار (17.9) كيلومتر مربع ما رفع مساحة القدس البلدية إلى 126.4 كيلومتر مربع.

أدت هذه القرارات الإسرائيلية بعد عام 1967 إلى التوسع غير الشرعي لحدود بلدية القدس وإلى إحداث تغيرات جوهرية على المدينة ومحيطها، وكانت بهدف: الضغط على الفلسطينيين لمغادرة المدينة وخلق واقع جغرافي وديمغرافي ينهي أي إمكانية للطعن في "سيادة" إسرائيل على المدينة.

وبناء عليه قامت إسرائيل منذ العام 1967 بمصادرة معظم الممتلكات الفلسطينية في أكثر من ثلث الأراضي التي ضمتها للقدس – 24,500 دونم – وأقامت (11) مستوطنة كغلاف حول القدس. بالإضافة لسياسة تمييز ضد الفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بالإسكان والإقامة ، أوجدت تباينات بينة وموثقة جيدا بين القسم الغربي والشرقي من المدينة (مع نقص أو إهمال للبنية التحتية، والازدحام الشديد، والفقر الظاهر في أحياء القدس الشرقية)، ولكنها لم تتمكن من تحقيق كامل أهدافها في دفع الفلسطينيين للمغادرة والخروج من القدس. والنتيجة كانت عكسية، حيث تضاعف تعداد السكان الفلسطينيين أكثر من خمس مرات منذ العام 1967  بمعدل نمو (في الفترة بين 2010 إلى 2015) بلغ 2.7% (مقارنة مع نسبة نمو بنسبة 1.5% بين السكان اليهود في المدينة).

أصبحت المنطقة التي ضمتها إسرائيل اليوم وبشكل غير شرعي من القدس الشرقية بيتاً ومأوى لما لا يقل عن (324) ألف فلسطيني، ونحو 204 ألف مستوطن إسرائيلي، يعيش نحو 3,000 منهم وسط الأحياء الفلسطينية (خاصة في أحياء سلوان وراس العامود والطور والشيخ جراح وفي الأحياء الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة)، ما يجعل حياة السكان الفلسطينيين لا تطاق. 

يؤكد المخطط الهيكلي الذي وضعته إسرائيل للقدس على سياسة "الأسرلة" بحق المدينة، بحيث تتوسع المستوطنات بينما تقوض من الاحتياجات الإسكانية والتنموية للسكان الفلسطينيين. إن معظم التوسع الاستيطاني وإنشاء المعازل لا يمت بصلة "بالرواية التاريخية اليهودية" بل يسعى لتعزيز سيطرة إسرائيل على المدينة بالكامل. وينطبق الأمر نفسه على تجمعات المستوطنات الكبرى في معالي أدوميم، وغوش عتصيون، وجفعات زئيف، والتي – ما لا يدركه كثيرون – تقع في واقع الأمر خارج الحدود البلدية ضمن نطاق مناطق الضفة الغربية المحتلة. 

ويتفاقم الوضع الحياتي اليومي بفعل الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تعزل القدس عن محيطها في الضفة الغربية، وتفرض على الفلسطينيين غير المقدسيين نظام تصاريح عبور بيروقراطي ليتمكنوا من دخول المدينة. أضف إلى ذلك، أن إسرائيل باشرت ببناء جدار "الفصل والعزل العنصري" عام 2002، والذي تواصل بناؤه رغم الفتوى الصادرة بالأغلبية عن محكمة العدل الدولية في تموز (يوليو) 2004 للجمعية العامة في الأمم المتحدة، بخصوص بناء "الجدار"، والقاضية بأن القدس الشرقية تظل أرضا محتلة، حيث خلصت أغلبية هيئة المحكمة أن مسار "الجدار" "يثبت التدابير غير الشرعية التي اتخذتها إسرائيل بشأن القدس والمستوطنات، والتي شجبها مجلس الأمن،" وهو بذلك ينتهك القانون الدولي ويجب إزالته وتعويض المتضررين.

ومنذ 2017، بلغ طول "الجدار العازل" المحيط بالقدس (139) كيلومتر، 3% منها فقط حسب مسار “الخط الأخضر”، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن مسار "جدار العزل" يهدف أولا وأخيرا إلى تدعيم المخطط الإسرائيلي بإنشاء "القدس الكبرى"، ما يعزل مناطق شاسعة ليخصصها للنمو اليهودي فقط. في أحياء كفر عقب، وسميراميس، وراس خميس، ومخيم شعفاط، وراس شحادة، وضاحية السلام، فإن "الجدار" إما يقتحم أحياء كاملة أو يلتهم أجزاء كبرى منها – فلا يعزل الفلسطينيين عن اليهود فحسب، بل يعزلهم أيضا عن (140) ألف فلسطيني من سكان القدس ما يتركهم بدون أي خدمات بلدية. أما المناطق الأخرى (الجيب، وبير نبالى، والجديرة، وبيت حنينا البلد والولجة) فقد باتت محاطة "بالجدار" بالكامل، والطريق الوحيد للوصول إليها أصبح عبر نفق أو حواجز عسكرية. حيث نصبت هذه الحواجز على مداخل العديد من الأحياء الفلسطينية ذات الموقع المركزي خلال السنوات الأخيرة (مثل العيسوية وجيل المكبر).

يسعى المخطط الإسرائيلي الذي يطلق عليه "مشروع القدس الكبرى" إلى ضمان السيطرة اليهودية من خلال توسيع حدود القدس "القضائية"، من خلال ضم ثلاث كتل استيطانية رئيسية إلى المدينة "كبلديات فرعية" وهي مجمع مستوطنات غوش عتصيون ومعاليه أدوميم / (E-1)، وجيفعات زئيف - وكلها أقيمت على أراضي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. ومن شأن هذه الإجراءات الآن، خاصة بعد عاصفة الرئيس دونالد ترامب، أن تضيف نحو (150,000) مستوطن اسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة كمقيمين في المدينة، في حين يتم إقصاء عدد مماثل من السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في الأحياء الواقعة خارج "الجدار" أحياء (مخيم شعفاط، عناتا، وكفر عقب)

 

٦- التوصيف القانوني

 

تفيد المرجعيات القانونية الدولية، أن المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن الدولي لم يعترف "بسيادة" إسرائيل على القدس (وأيضاً مصر والأردن بعد اتفاقيات السلام) في أي مرحلة، وعارضت وأدانت إجراءات إسرائيل، وقد سجلت مقررات الشرعية الدولية والإجماع العربي منذ العام 1967 بأن القدس الشرقية أرض محتلة وأنها تخضع لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة. وعليه، فإنه ليس لإسرائيل الحق بالإدعاء بضم القدس الشرقية بفعل سيطرتها بالقوة العسكرية ("حيازة المناطق بالقوة") ومطالبتها بأن تكون القدس الغربية والشرقية "عاصمة أبدية موحدة" لها وهذا أمر تعرض مرارا وتكرارا للإدانة والرفض. وعلى ذات الشاكلة، فإن كل محاولات إسرائيل لتغيير صفة ومكانة مدينة القدس قد تعرضت للشجب ولم يتم الاعتراف أبدا "بضم" القدس الشرقية (ونتيجة لذلك، فإن معظم السفارات والقنصليات الأجنبية مقرها في مدينة تل أبيب).

بموجب القانون الدولي، فإن الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، يجب أن تحجم عن أية أعمال من شأنها أن تمنح أو تساهم في قبول أو الاعتراف بإجراءات إسرائيل غير القانونية بضم القدس الشرقية أو تغيير الواقع التاريخي والديني والقانوني في المدينة، ولكن... لقد تعاملت معظم الدول الأجنبية وخاصة الولايات المتحدة مع السلوك الإسرائيلي اليومي في فرض قوانينها على المدينة، بأسلوب دبلوماسي، التأقلم مع الحالة الواقعية على أرض الواقع في المدينة وذلك تنفيذ "التعليمات والإجراءات" الإسرائيلية مع التحفظ على أن هذا الأمر (التعامل اليومي) يجب أن لا يفهم منه أو يعتبر بأنه "اعتراف" بسيادة اسرائيل على المدينة! ومع ذلك لم تقم حتى الآن أية حكومة بالعمل على توظيف القوانين الدولية المتعلقة بوضع المدينة تحت الوصاية الدولية أو تفعيل القرارات المتعلقة بالاحتلال الاسرائيلي للقدس. وقد ساعد هذا "الفراغ" لتنفيذ الشرعية الدولية إسرائيل على استمرار رفضها التفاوض على مكانة القدس مع الهيئات الدولية أو مع منظمة التحرير الفلسطينية – رغم الشروط الواضحة في القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وأيضاً لأهمية ومركزية مدينة القدس في تحقيق أية اتفاقية أو تسوية سياسية للسلام

 

٧. عاصفة الرئيس دونالد ترامب

 

تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل صارخ تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والمقررات والاتفاقات الدولية بخصوص قضية القدس، وفجر عاصفة سياسية بتاريخ 6 كانون الاول (ديسمبر) 2017: اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميريكية من تل أبيب إلى القدس وأضاف أن هذا الأمر "لا يشكل تغييراً في السياسة الأمريكية بشأن الحدود المستقبلية لمدينة القدس، والتي ما زالت موضوعاً للتفاوض بين الطرفين". وأضاف: "إذا أراد الجانبان، فإن الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين."

وفسرت الحكومة الإسرائيلية وخاصة المستوطنون، أن هذا "القرار الأمريكي" اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس كلها، الشرقية والغربية. وأن "ضم وتوحيد" المدينة تحت السيادة الإسرائيلية قد تم فعلاً كما هو الحال في هضبة الجولان، ولقد كانت مقررات في مجلس الأمن والأمم المتحدة ولم تنفذ وعليه، فإن إمكانية ضم مناطق (ج) في الضفة الغربية مسألة ممكنة أيضاً في أي وقت.

هذا وقد سارعت إسرائيل إلى ترجمة القرار الأمريكي بأنه منح الحكومة الإسرائيلية، رخصة وإجازة لتطبيق مفهومها للسيادة على القدس، وتغيير الجغرافيا والديمغرافيا وإقصاء أهل القدس عنها، وفرض أجندة صهيونية (مخططات 2020 و2050)، وقانون الكنيست المعدل للقانون الأساسي بخصوص القدس، والذي يشترط الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء وعدم جواز التخلي عن أي جزء من القدس للفلسطينيين في ظل أي اتفاق سلام!

وقف المجتمع الدولي أمام عاصفة الرئيس ترامب، رافضاً ومعارضاً بل وأدان هذا الخروج الأمريكي ضد الشرعية الدولية بشأن قضية القدس وتمثل ذلك في قرار مجلس الأمن والتصويت بنسبة (14 إلى 1) وأيضاً قرار الجمعية العامة بنسبة (128- 9) والذي كان رفضاً بالإجماع. ولا يختلف أحد، أن هذا القرار الأمريكي يعتبر تغييراً جوهرياً في سياسات وقرارات الإدارات الأمريكية ويشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ومقررات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات الدولية والتي كانت الولايات المتحدة جزءاً وطرفاً فاعلاً فيها.

جاءت هذه العاصفة، لتسقط القناع عن السياسة الأمريكية، وتكشف جذور تواطئها ودعمها لإسرائيل واعتبار إسرائيل "قضية داخلية انتخابية أمريكية" وتسجل بدايات "تغيير" ولكن علنية وصريحة عن سابقاتها، في التعامل مع قضايا الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بالإعلان عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة من تل أبيب إلى القدس واحتفاءاً بالذكرى السبعين لنكبتنا في 14 أيار (مايو) 2018!

وتفيد التسريبات الإعلامية، أن هذه العاصفة السياسية تحمل مقترحات مناحيم بيغن في محادثات كامب ديفيد 1978: حكم ذاتي محدود للسكان دون أية مساحة للسيادة عليها، وإغلاق ملفي القدس واللاجئين وضم المستوطنات ومنطقة الأغوار (c). وهذا ما تبناه بنيامين نتنياهو وحكومته: حكم ذاتي للسكان دون سيادة على الأرض تحت سيطرة إسرائيلية أمنية كاملة. وأطلق عليه تعبير "الدولة الناقصة"!

وجاء في تسريبات إعلامية أخرى ، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، ستطلب من إسرائيل، الانسحاب من (4) أحياء فلسطينية في القدس الشرقية: جبل المكبر، العيساوية، شعفاط، أبو ديس (القسم الواقع ضمن حدود البلدية) وذلك تمهيداً لجعلها بلديات داخلية صغيرة في حدود البلدية الإسرائيلية كما هو الحال في حي أبو غوش، أو تجمعاً لبلدية فلسطينية في القدس الشرقية وكعاصمة لدولة فلسطينية على أنقاض 40% من الضفة الغربية المحتلة، كما أضافت التسريبات الإعلامية، أن هناك رؤية أمريكية، للتعامل مع البلدة القديمة في القدس وتوفير حرية الوصول والعبادة في الأماكن المقدسة للديانات السماوية الثلاثة

 

٨. الموقف الفلسطيني

 

اعتبرت القيادة الفلسطينية أن الولايات المتحدة فقدت أهليتها ودورها كوسيط نزيه في عملية المفاوضات وأصبحت شريكاً لجانب إسرائيل في قضايا الصراع.

إن نقل السفارة انتهاك خطير للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتي شاركت الولايات المتحدة في صناعتها وآخرها قرار 2334 وانتهاك للفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية.

وتعتبر هذه الخطوة تخلياً عن اتفاقيات دولية الولايات المتحدة طرفاً فيها، بما في ذلك اتفاق أوسلو وتخلياً عن ضمانات سابقة بما في ذلك رسالة الضمانات الموجهة إلى الجانب الفلسطيني قبيل مؤتمر مدريد.

وتشكل اعتداءاً صارخاً على حقوق المسلمين والمسيحيين والحقوق الوطنية الفلسطينية وتتعدى على مكانة وحقوق وخصوصية الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس.

وتشكل سياسياً إلغاءاً للعملية التفاوضية التي بدأت منذ توقيع اتفاقية أوسلو وبالتالي إلغاء الحل السياسي وربما إلغاء حل الدولتين من خلال المفاوضات وضرورة البحث عن آلية ومرجعية دولية جديدة لعملية المفاوضات.

ضرب النظم الدولية والقانون الدولي والمصالح الدولية المتعددة في القدس، وإغلاق الباب أمام إمكانية تحقيق السلام عبر التسوية السياسية، الأمر الذي يتطلب الآن وفوراً توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني

 

٩ . قضايا القدس

 

(أ) الأرض والعقار: 

تفرض إسرائيل اليوم، سلسلة من القوانين والأنظمة للسيطرة الكاملة على الأرض والعقار في مدينة القدس. ومنها: قوانين تسوية الأراضي والأملاك وتشريع مصادرتها، وتقف القوانين الفلسطينية والأردنية جامدة دون تفعيل في "تجريم بيع وإيجارة الأراضي والعقارات وتسريبها لأي طرف رسمي أو أهلي أو ثالث اسرائيلي.

وتفرض إسرائيل قانون أملاك للغائبين على عقارات القدس الشرقية وتشريع تملكها للمستوطنين، وتقف الإرادة الرسمية الفلسطينية كما الأهلية عاجزة عن تفعيل "حملة فلسطينية" لشراء وتملك الأراضي والعقارات وحمايتها بتسجيلها كأملاك أوقاف إسلامية.

بدأت السلطات الإسرائيلية، في إجراء مسح ميداني للعقارات والأملاك في البلدة القديمة ومركزيتها في ممتلكات الأوقاف الإسلامية والتحقق من الأطراف التي هي بحيازتها أوالتصرف بها، كمدخل لفرض "ضرائب أملاك" وتمهيداً لإفراغها والاستيلاء عليها، وتقدر بأنها تبلغ 80% من ممتلكات البلدة القديمة.

ولا تزال الأطراف الفلسطينية – العربية تقف وتعيش "صدمة" الاقتحام الإسرائيلي لخصوصية الممتلكات والأوقاف وتبحث عن "معادلة" للتخفيف من حدة الصدمة!! وقد تبدأ في دخول اشتباك قانوني محلي أو دولي لحماية هذه الممتلكات!

(ب) الأماكن المقدسة الإسلامية:

شهدت القدس، سلسلة من المحاولات لتحريف وتزييف الرواية التاريخية والدينية والقانونية، وتشويه الأماكن المقدسة، وإقصاء الإنسان الفلسطيني عنها ومحاولات يومية لا تنتهي في اقتحام مجموعات يهودية لساحات المسجد الأقصى المبارك لتنفيذ مخططات في عنوانها "مشاركة في المكان" وأيضاً "تطوير وتنمية" القدس واحيائها وفي مضمونها "أسرلة وتهويد".

لقد عقد العديد من المؤتمرات والفعاليات الإسرائيلية بالدعوة العلنية للاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك وشرعت بالحفريات والأنفاق تحت ساحات المسجد الأقصى ثم إقامة "طقوس توراتية" في ساحات المسجد الأقصى بحراسة الشرطة الإسرائيلية. وقد أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مذكرة للتعريف بمسميات الرواية اليهودية للمكان بأن "المسجد الأقصى هو جبل الهيكل" ومن أقدس المواقع اليهودية ووضع يافطات إسرائيلية بأسماء عبرية وإشارة إلى أنها "أبواب الهيكل" وذلك عام 2014.

وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات تطالب فيها إسرائيل "إبطال والرجوع عن جميع الإجراءات والسياسات المتبعة والتي تهدف إلى تغيير معالم وحقائق وضع القدس التاريخي والديني القائم Historical and religious status quo.

كما أصدرت منظمة اليونسكو عدة قرارات تدين إسرائيل وتدعوها للتوقف عن إجراءاتها، واعتمدت قراراً ينص على أن "المسجد الأقصى المبارك هو من المقدسات الإسلامية الخالصة ولا علاقة لليهود به".

وقد أعلنت كل من الولايات المتحدة وقف مخصصاتها في تمويل اليونسكو وقررت الانسحاب مع إسرائيل من المنظمة الدولية.

(ج) أزمة الخدمات والتحديات الإسرائيلية في قضايا التخطيط والتنظيم والإسكان ومعارك أسرلة مناهج التعليم وتشويه الثقافة الوطنية وتزييف الرواية التاريخية، وأيضاً إلحاق الخدمات الصحية والاجتماعية واقتصاد المدينة وخاصة السياحة بالأجندة الإسرائيلية.

(د) قضايا المواطنة وأزمة الهوية والإقامة والعمل والتنقل ومعارك "انتخابات بلدية" و "غرفة تجارية" وغياب بل تغيب "مرجعية وطنية (بيت الشرق)" وإغلاق المؤسسات والحسابات البنكية، وانتشار أمراض العنف المجتمعي والفقر والبطالة والمخدرات

 

١٠ . كلمة اخيرة مختصرة

 

 إذا جاز لي العودة إلى الإطلالة على المشهد، والتذكير بتحديات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأجندته الاستفزازية بقوله: "اخرجوا أو اقعدوا أو اسكتوا.." وتعدد وانتشار المؤتمرات والنداءات باسم القدس، وعن القدس، ومن أجل القدس، والسعي نحو تشكيل موقف وفعل وصولاً إلى "إرادة وطنية قادرة" للتصدي للعاصفة الأمريكية، فإن الأجندة المقدسية تتحدث اليوم عن الحاجة إلى:

أولاً:  التعريف  والتعرف على "أهل القدس" المرابطين القابضين على الجمر في أحياء وأزقة وشوارع ومساجد وكنائس ومؤسسات القدس في قضاياهم اليومية الحياتية!

ثانياً:  صياغة "معادلة شراكة" فيما بين المفاصل الرئيسية في القدس:

1) الأوقاف الإسلامية والمسيحية ومأسسة علاقتها مع مرجعياتها في الوصاية والرعاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

2) جامعة القدس ومعاهد ومدارس ومؤسسات التعليم والثقافة فيها، وضرورة وأهمية ترتيب أوضاعها الداخلية في المرجعيات الإدارية والمالية والأكاديمية، وتطويرها لخدمة المجتمع المقدسي والعلاقات مع الأطراف المماثلة في الاقليم والخارج!

3) القطاع الخدماتي في قضايا الصحة والخدمات الاجتماعية والاقتصاد والسياحة ومؤسسات المجتمع المدني، وتشكيل "مجلس" لها وخطط عمل وتوأمة مع مثيلاتها في البيت الفلسطيني!

4) توجيه دور ومهام ما تبقى من "فصائل الكنبة" ومقولتهم "إما لعّيب أو خرّيب في كل الساحات" إلى مهام ترقى لدورها التاريخي والنضالي وخاصة في قضايا ضد التطبيع بكافة أنواعه وخاصة المقاطعة لإسرائيل (BDS).

ثالثاً:  تقديم ثلاث خطط بالتساوي والتزامن: الأولى، خطط طوارئ، (بمعنى إطفاء حرائق) أمام جرافات تهدم البيوت وتصادر الأراضي وإقصاء السكان واعتقال وقتل الأطفال مع الرجال والنساء بدم بارد! والثانية: خطط صمود مقاوم بكرامة بمعنى اشتباك ميداني وسياسي وقانوني وإعلامي وتوظيف "الصناديق" المحلية والعربية لذلك. والثالثة: خطط تنمية وتطوير المجتمع المقدسي والالتصاق بل الانصهار مع وفي عمقها الوطني الفلسطيني، وذلك في مجالات التخطيط والتنفيذ والتمويل مع الاخذ بعين الاعتبار حجم الجغرافيا والديمغرافيا وقضايا السيادة كعاصمة دولة فلسطين