• 8 تشرين الثاني 2018
  • مقابلة خاصة

 

 

* بقلم : ارشـد هورموزلو   

 

هذا ما حدث في العراق وسوريا وهما بلدان عزيزان على نفسي. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد حدث في اليمن وليبيا وأرجو أن لا تقع لبنان في المصيدة. 

أما في تركيا فلم يسمح الناس بإجراء عملية يحترق فيها الأخضر واليابس. ألم تبشر القوى العظمى بلدان هذه المنطقة بالديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان؟ ماذا حدث بعد أن أصر المبشرون بذلك على أنهم كانوا على حق وأن جميع الأطر اللازمة لتحديث هذه البلدان وانسجامها مع المعايير الديمقراطية قد اتخذت ولكن لسبب أو لآخر مات المريض على طاولة العمليات بعد أن حققت العملية نجاحا باهرا! 

كلمة السر في هذه العملية كانت التخوين والعداء. قلنا دائما أنك إذا خلقت لنفسك أعداء وهميين فإن هؤلاء الأعداء سينقلبون بمرور الزمن الى أعداء حقيقيين. وقد خلقنا في هذه المنطقة لنا أعداء وهميين لمجرد أنهم لا يشاركوننا الفكر في أمر ما، والذين في عمري يتذكرون الحملات الإعلامية وتلك المضادة ونداءات  " احمد سعيد" ونشرات " صوت العرب". لم نجن من ذلك غير الخراب وغير التأخر وغير محاولة اللحاق بالآخرين دون جدوى. 

أما الحل والذي أخفق الكثيرون في الالتفات إليه فيكمن في ضرورة تحسين التعليم في بلداننا، وبدون ذلك فسوف لن يرتقي شعور المواطنة في هذه البلدان الى مصاف متقدمة. عند ذلك يجد التعصب والتخندق والدعوات العرقية والمذهبية مجالا واسعا لتشرذم واسع يعاني منه الكل وهم يعتقدون " أنهم يحسنون صنعا؟" 

لقد سألني أحد مقدمي البرامج التلفزيونية عن أهم الأولويات في تركيا وماذا يجب أن تكون. قلت له أن تركيا لديها ثلاث أولويات يجب أن تحافظ على مسيرتها ونموها وديمومتها، وهذه الأولويات هي التعليم، والتعليم والتعليم! 

وبالتأكيد فأننا ندعو جميعا الى ضرورة الاهتمام بهذه الأولوية ولكن المنظمات الفكرية ومراكز التنمية الاجتماعية لها مسؤولية مباشرة في ذلك، لأننا يجب أن لا ننتظر جميعا المبادرات من الدولة أولا، وبصراحة فأنه يجب توعية الدولة ذاتها بهذه الأطر، فقد تكون مشغولة بتعقب الأعداء والحفاظ على النظام وتنسى أن الخلل الأكبر يكمن في عدم الالتفات الى أهمية التعليم الصحيح الحضاري والمبرمج. 

شعور المواطنة الذي يسمو على التخندق الفكري والمذهبي والطائفي والعرقي هو الذي سينسج لنا الفكر الصحيح الذي يؤدي بنا الى التقدم ومضاهاة الآخرين بل التفوق عليهم. ودعوني أعطيكم مثلا، فالغالبية العظمى من الذين يخلقون لهم أعداء وهميين يتصورون أن ما حصل في بدايات القرن العشرين في المناخ التركي كان انهيارا للدولة ونشوء الجمهورية فيها بدلا عن الدولة السابقة، ولم يلتفت هؤلاء أن الدولة قد استمرت والذي تغير هو النظام الذي تحول الى النظام الجمهوري بدلا من السلطنة لآل عثمان. انقلبت هيئة الأوقاف الى رئاسة الشؤون الدينية ولم يتغير غير ذلك أي بند من مقومات الدولة التي استمرت في العهد الجمهوري. 

ولنسأل الآن وبصراحة أرجو أن لا تزعج أحدا، هناك دول حديثة تأسست بعد انتهاء الحكم العثماني( وليس الدولة) ونحن نحترم حدودها ووحدتها وتطلعات شعوبها. ولكن أية واحدة منها في الشرق والغرب تضاهي تقدم تركيا حاليا؟ السر في ذلك هو استمرار مفهوم الدولة وعدم الإجهاز عليها بتغير الأنظمة. 

المطلوب في هذا الوضع المزري الذي تعيشه منطقتنا أن ننتبه الى هذه الأولويات وأن لا نسمح بإجراء عمليات قيصرية أخرى تقسم الأوطان والشعوب، وبالتأكيد فإن هناك احتمالا كبيرا أن تنجح هذه العمليات بالشكل المطلوب لها، ولكن من المؤكد أيضا أننا سننعى المريض بشكل وبآخر. 

* كاتب تركي