• 14 أيلول 2019
  • مقابلة خاصة

 

  القدس – أخبار البلد -  لقد اثار انتباه المحرر الثقافي ل"أخبار البلد" الخاطرة التي كتبتها المؤرخة الدكتور نائلة الوعري بنت القدس  عبر صفحتها في الفيسبوك حول ذكرياتها في ازقة البلدة القديمة وخصت بالتحديد الحديث عن الزاوية الهندية التي تبقى بالنسبة للكثيرين من سكان القدس  لغزا مبهما يقبع خلف  الباب الأخضر المغلق  دائما ، حيث لا يحق للغالبية من اهل المدينة الدخول اليه والتجول فيها، رغم انها معلما مقدسيا هاما للمدينة ولأهلها .

 ويسعدني في شبكة " أخبار البلد" إعادة نشر ما خطته الدكتورة الوعري رغبة منا في إيصال المعلومات الموثقة الى اكبر عدد ممكن من قراء الشبكة المنتشرين حول العالم :

 

ارتباطي بهذا المكان 

لم اكن شقية وانا طفلة ولكن كانت لي عادات غريبة منها  : تفحص المكان الذي امشي فيه  والاستفسارعنه واكتشاف الطرق المؤدية الى بيتنا حتى لو كانت طويلة او ملتوية  أعود من المدرسة لبيتنا في حارة السعدية كل يوم من طريق أو من باب من ابواب القدس التاريخية  ، اتوقف عند البيوت الجميلة وأقرا النقوش التي على الجدران واحفظ أسماء الحارات والتكايا والزوايا والاسبلة واحفظ ابواب الاقصى ومنافذه على المدينة . كانت زاوية الهنود من الاماكن التي احبها وأقف عند بابها الاخضر القابع على يمين درجات باب الساهرة في طريقي يوميا الى مدرستي خوله بنت الازور من باب الساهرة الى خارج سور المدينة واتمعن بالناس الذين يدخلون الزاوية واحيانا اجد اناس يلبسون ملابس مختلفة عن ملابسنا (الجالية الهندية )  يدخلون اليها ، ولم اعرف ماذا هناك خلف هذا الباب الغريب ، حتى في يوم وقعت عن درج البيت واخذتني أمي الى  طبيب الزاوية للتداوي حيث اتذكر كان هناك طبيب لا اعرف ان كان هنديا او فلسطينيا وضع شوية ميكركروم على الجرح  وقال:  اذهبي أكملي لعبك ، وانصرفت بعدها لاكمل عد الدرج من الزاوية الى بيتنا .

أحبت المكان وبعدها اصبحت ازور الزاوية وامضي فيها بعض الوقت  بالعب في الفناء والحديقة داخل الزاوية عندما اذهب مع أمي في زيارة  للسيدة اكرام البيطار زوجة الشيخ منير وصديقة امي .  

هذا بحث مختصر  عن دراسة قدمتها قبل سنوات لزوم الدراسات العليا ومحكم من جامعة دمشق 

 

 الزاوية الهندية معلم ديني وحضاري من معالم القدس.

 

تقع الزاوية الهندية في مدينة القدس داخل السور جنوب باب الساهرة وقالوا انها في الزمانات كانت مقر للفقراء وقد ذكر "الحنبلي " ان الرفاعية سكنت بها فترة من الوقت وترجح عودة البناء إلى الفترة المملوكية، وقد خصصت في البدء إلى فقراء الطريقة الصوفية الرفاعية المنسوبة إلى أحمد الرفاعي المنحدر من القبيلة العربية (بنو رفاعة)، ولما انتشرت طريقته انتشاراً واسعاً في غرب أسيا، أصبحت هذه الزاوية مأوى للحجاج القادمين من شتى أرجاء بلاد الهند الواسعة وأواسط آسيا، سيما الذين اعتادوا الزيارة والمجاورة في القدس. 

لاحقا أطلق عليها الزاوية الهندية أو الفريدية، نسبة للصوفي الهندي بابا فريد شكركنج، وتشير القصص ان الدرويش الهندي المسلم "حضرة فريد الدين غاني شاكار جاء  في بداية القرن العاشر الهجري للمجاورة والاقامة على خدمة المسجد الاقصى تقربا .

وقد قضى أيامه في مسح الأرضيات الحجرية التي تحيط بالمسجد الأقصى، وكان يصوم داخل كهف قابع داخل جدران المدينة، واعتكف اربعين يوماً في غرفة حجرية تحت الأرض بجوار مسجد قرب باب الساهرة، ومنذ ذلك الحين أصبحت غرفته مزارًا للحجيج الهنود في طريق ذهابهم أو عودتهم من أداء فريضة الحج .ولا يعلم أحد طبيعة الفترة التي قضاها بابا فريد في المدينة. لكن بعد فترة طويلة من عودته إلى إقليم البنجاب، أصبح شيخا للطريقة الصوفية الجشتية، 

تعد الزاوية الهندية رمزا تفد إليه الطائفة الهندية عند زيارتها القدس قبل الذهاب للحج أو بعده- منذ 700 عام حيث أنشأها الولي الشيخ "بابا فريد شكركنج"

وظلت هذه الزاوية على مدى قرون تستقبل الهنود القادمين للحج ويقيموا بها  ويتبرعوا من اجل توسعة المكان واشتروا عقارات مجاورة للغرفة الصوفية، لتصل مساحتها مجتمعة لسبعة دونمات  داخل حدود الحي الإسلامي في البلدة القديمة، جهة باب الساهرة  واكتسبت الزاوية الهندية أهميتها نظرًا لكونها مقرًا يتوافد عليه  الحجاج والمسافرين والسفراء والوزراء الهنود على امتداد قرون طويلة، وسجلت الزاوية كوقف اسلامي هندي وفي سنة 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية، ودخل الفيلق الرابع من الجيش الهندي الحرب تحت رعاية بريطانيا، مما أدى إلى تحول الزاوية إلى معسكر ترفيهي للجيش الهندي حتى انتهاء الحرب، وفي هذه الأثناء أعطي للشيخ نظير رتبة عسكرية نظرا لإشرافه على المعسكر.هذا عدا عن إنشائه عمارتين في الزاوية

وأصبحت المضيفة معسكرا للفرقة الرابعة مشاة التابعة للجيش الهندي، التي غادر جنودها الزاوية بعد حرب 1948 ودأب الشيخ نظير خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على الذهاب إلى الهند ساعيا إلى إقناع الأمراء المسلمين هناك من أجل التبرع لإعادة بناء المضيفة. وكان من بين من أسهموا بأموالهم رجل يدعى نظيم من حيدر أباد، ظهر على غلاف مجلة "تايم" عام 1937 كأغنى رجل في العالم.

وخلال فترة الحكم العثماني كانت الزاوية تخضع لإشراف الأتراك، وحين جاء الانتداب البريطاني سعى (الشيخ ناظرأونظير )إلى جمع التبرعات خلال لقائه نواب ووزراء الهند من اجل إنشاء أجنحة إضافية للزاوية الهندية

 وقد تزوج الشيخ نظير بسيدة فلسطينية تدعى مسرّة، وأنجبت له  محمد منير في عام 1928.وبعد وفاة الشيخ نظير في العام 1951 تولى ابنه الشيخ منير الانصاري رعاية الزاوية و سار الشيخ منير على نهج والده وانجب الشيخ منير ولدان ناظر ونظير وثلاث بنات  ،وقد قال الشيخ منير عن الزاوية  في احدى المقابلات الصحفية "جميع النزلاء من الهنود. أشعر كأنني في الهند. فدخول المضيفة، أشبه بالدخول إلى الهند. كان الناس يأتون في ذلك الوقت على متن السفن. واعتادوا أن يحضروا معهم احتياجاتهم من الغذاء والأرز وحتى الملح. كل شيء من الهند. فعندما تدخل البوابة، تشم رائحة الطعام الهندي، وهم يغسلون ملابسهم ويعلقونها هنا في الفناء." وكانك في الهند 

بعد استقرار المنطقة فترة ما بعد الحرب، وخضوع القدس للإدارة الأردنية، بدأ الزوار التوافد إلى الزاوية، وكانت تعج بالوافدين الهنود، ولكن في السابع من حزيران عام 1967، أحتل الجيش الإسرائيلي البلدة القديمة، وسقطت 25 قذيفة وتدمّر قسم كبير من الزاوية الهندية كان الشيخ منير يهرع بأسرته من غرفة إلى غرفة. ووقعت قذائف على مقربة من ضريح بابا فريد، (قام السفير الهندي بترميمه عام 1991)، كما انهار سقف المضيفة وأصيب الشيخ منير في ذلك الوقت في يده ووجهه بشدة، واستطاع إخراج الناجين من تحت الأنقاض، وتوفيت والدته وشقيقته وابن شقيقته البالغ من العمر وقتها عامين.

الزاوية الهندية تمثل موقف الحكومة الهندية وتؤمن بالسلام العالمي ومذهب “المهاتما غاندي” اللاعنف القائم على العدالة،  وإن اصبح موقف حكومة الهند هذه الايام غير مساند للقضية الفلسطينية كما كان في السابق  إلا أن أهمية الزاوية تكمن ايضاُ بأنها كانت مقرا يتوافد عليه السفراء والوزراء الهنود ويلتقون القيادات الفلسطينية، وقد كانت من الأماكن المحببة للشهيد فيصل الحسيني الذي كان يحب الاجتماع فيها

 عدد أفراد عائلة الأنصاري الهندية حاليا عشرون شخصا أو أكثر، يشعرون بانتماء كبير للقدس ولا يرون أنهم أقلية أو حقوقهم منقوصة بل هم مندمجون ومنصهرون مع الشعب الفلسطيني والشيخ نظير الابن يزور الهند كل سنتين ويحرص على جمع التبرعات من اجل المحافظة على الزاوية المعرضة للتهديد والمصادرة من قبل الاحتلال الصهيوني