• 26 كانون الثاني 2020
  • مقابلة خاصة

 

* معروف عن الدكتور علي قليبو المتخصص في علم الاجتماعي انه  من القلائل في فلسطين عامة وفي القدس بشكل خاص انه  يمضى جل وقته في البحث عن الهوية الجمعية الحضارية للفلسطينيين ، فهو يعتمد في بحثه على المشاهدة اولا والشهادة الشفوية المتناقلة جيلا عبر جيل ثانيا والمصادر الاكاديمية ثالثا وذلك  لإيمانه العميق ان الهوية الفلسطينية ضاربة جذورها في عمق التاريخ ، وحتى ما قبل التاريخ ، متحديا الرواية الصهيونية الاحلالية المبنية على نظرة عنصرية استعلائية .

 ونحن في شبكة "أخبار البلد" نثمن عاليا الجهود الفريدة من نوعها ، التي يقوم بها الصديق الدكتور علي قليبو ،  ونشكره على تخصيص هذا البحث المبدع لقراء ومتابعي "أخبار البلد"  فهو وبحق شهادة عن تاريخ منسي

بقلم : د علي قليبو

أتجول في بيت جبرين واستذكر مقولة رئيس الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير المقيتة "لا يوجد شعب فلسطيني"...  فإنكار الاسرائيليين للوجود الفلسطيني ، وإنكار حقنا كورثة للحضارات القديمة التي تعاقبت على أرض فلسطين تاريخيا، يثير الاحساس بالحنق والقهر والغيظ . فلم يدخر الكيان الصهيوني  جهدا في الترويج لفكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن" وما رافقها ويرافقه حتى يومنا هذا من ازالة وتزييف وتغيير أسماء المعالم الحضارية والاجتماعية والتي قد تشير الى التتابع الاجتماعي والحضاري ، والى امتداد جذورنا في جغرافيا فلسطين عبر التاريخ.

صفعتني الإستراتيجية الصهيونية في زيارتي الميدانية لمدينة بيت جبرين والتي تشمل موقع "تل صاندان" وهي الخربة التي قطنت في كهوفها القبائل السامية منذ خمسة الاف عام ، والتي ننحدر منها...

واوجعني انكار الصهيونية لوجود الشعب الفلسطيني في اختيار مبرمج لنماذج الكهوف المرممة بهدف طمس اثار القبائل العربية التي بنت وقطنت مدينة الكهوف لآلاف السنين ومن ثم عرضها في متنزه سياحي وكأنها قطع اثرية مرممة في متحف اثار لا علاقة له بالحاضر القريب ولايمت للشعب الفلسطيني بصلة!

تعد مدينة بيت جبرين " الأدومية " تحفة فنية فريدة تضاهي مدينة " البتراء" النبطية في عظمة عمارتها واسلوب نحت كهوفها في الصخر الجيري، حيث أُدرجت مدينة الكهوف هذه في قائمة التراث الانساني العالمي في اليونيسكو لعظمتها ولأهميتها المعمارية الفريدة والتي نلمسها في كهوفها ذات الشكل المخروطي الفريد من نوعه. فتحتوي المدينة التي حفرها الادوميين تحت الارض في الحقبة الهيلينيستية على ما يزيد عن ألف كهف وكهف، لتصبح أعظم مدينة نحتها الانسان تحت سطح الارض. تحتوي هذه الكهوف على المعابد الوثنية الخاصة بالآلهة الكنعانية عشتار وأبراج الحمام المقدس المرتبط بطقوس عبادتها ومقابر في العصر الهيلينستي، حيث استمر العرب باستعمالها كسكن لهم ولماشيتهم واستغلال معاصر وآبار الزيت وصوامع الغلال وآبار المياه كملاجئ من غارات الغزاة من داخل وخارج البلاد حتى صبيحة خروجهم القسري بالنكبة.

تعود الكهوف الجبيلة في فلسطين الى ملايين السنين حين كانت تقبع تحت سطح البحر، حيث نحتت من جراء تدفق انهار جوفية قامت بشق طريقها ناحتت  كهوفا جيرية مختلفة الأحجام وسراديب وانفاق تصل ما بينها. إلا أنه و بسبب انحسار البحر و مياه الأنهار الجوفية بالاضافة إلى البراكين والزلازل، ارتفع سطح الارض واصبحت تلك الكهوف خير مسكن للقبائل  السامية التي وفدت من الجزيرة العربية، فكان الحوريون اول من استخدمها للسكن وحفظ الغلال وحماية الماشية، كما قاموا ومن تعاقب عليها بنحت جدرانها  لازالة قطع الصخر البارزة كما  كانوا يضعون طبقة من اللبن (خليط من الطين والتبن) منعا لدخول العقارب والافاعي في ثناياها لتصبح الجدران ملساء وهذا ما نجد بقاياه في وقتنا الحالي رغما عن عملية الترميم وطمس معالم الوجود الفلسطيني، فازيلت أكثر تلك طبقة الطين حتى ظهرت اثار الازميل واضحة وكأن  العمال قد انتهوا توا من حفرها ليظهر أن احدا من الفلسطينيين لم يسكنها!

 

لقد قطنت القبائل الكنعانية وفقا للنظام العشائري في مجموعات منفصلة من الكهوف المتصلة ببعضها، حيث انفردت كل عشيرة بمجموعة من الكهوف المتصلة (حي سكني) خاص بها كما اتخذها الادوميين مسكنا خاصا بعشائرهم حيث استقل كل فخذ بمجموعة كهوف خاصة به يتشارك أبناء حمائله من بئر الماء فيه... أضف الى ذلك الكهوف الخاصة بخزن الحبوب والمؤن، فربطت منظومة من الصوامع والمطاميروالمخابيء والدهاليز، الحي بالحي والكهف بالكهف والجزء بالكل!

 عندما  تدخل الكهف عبر ردهة لتجد نفسك فوق فتحة بئر تنزل إلى أسفل في حجري منحوت بالصخر ينحدر بموازاة الجدار المخروطي الشكل فالكهف قد نحت وكانه بئر ماء عربي بشكل الاجاصة (بير انجاصي)  لقد حفرت ونحتت كهوفها على شكل طوابق يبلغ عددها ثلاثة أو أربعة طوابق تحت سطح الأرض يعلوا كل منها ما يقرب العشرين متراً، في شكل مخروطي يشابه نمط ابار المياه الفلسطينية والتي تدعى محليا باسم "بير انجاصي" أي انها تشبه ثمرة الأجاص. وما اشبه الكهوف بالثمرة المتدلية، حيث تكون فتحتها في الأعلى ثم تتوسّع نزولا إلى الأسفل وكأنها قطف عنب متدلي. فيطلق عليها الاسرائيليون اسم المغر الجرسية حتى لا ترتبط بنمط الحياة الفلسطينية والتي اعتمدت على البئر الاجاصي امعانا بإنكار وجودنا .

تعكس مجموعة الكهوف الخاصة بالفخذ الواحد النظام الاجتماعي  والذي يتكون من مجموعة حمائل من نفس العشيرة كهوفها متصلة ببعضها ويكون لها بئر ماء خاص بها وصومعة للغلال، كما تكون منفصلة عن باقي مجموعات الكهوف التي تقطنها العشائر الأخرى، إلا أن كل المجموعات الكهفية المنفصلة تتصل ببعضها بواسطة دهليز طويل !ويجدر الاشارة الى ان كل مجموعة الكهوف تعد وحدات سكنية قائمة وتستقل كل مجموعة منها!

يصرف الاسرائيليون النظر عن اثار الوجود الفلسطيني ويتغاضون عن الاشارة إليه فيولون اهتمامهم علي سبيل المثال لا الحصر بمقبرة الصيداوي الخاصة بالجالية الفينيقية الوافدة من صيدا في  العصر الهيلينيستي، حين سادت المدافن توافقا مع الطراز الروماني في حجرات بكهف وانتشرت هذا النمط بالدفن بين الكنعانيين وحتى العبرانيين.

 ومما يميز هذا المدفن الجماعي عن غيره هو وجود مجموعة رسومات تعطي فكرة مهمة عن تقاليد الدفن انذاك والتي تتضمّن حيوانات وأدوات موسيقية و رسوم بشرية.

يوجد في صدر القاعة مصطبة حجرية يرتقى إليها الزائر بعدة درجات، حيث كانت تقام الطقوس المتعلقة بالموت، ومازال يمكننا رؤية آثار الأزاميل التي نحتت بها صخور الكهف قبل 2300 عام، كما أعيد دهن مناطق اخرى وكأن العمّال أنهوا عملهم للتو ولا غرابة في ذلك حيث ان عملية الترميم الصهيونية تهدف اولا واخير الى ازالة وطمس معالم بيت جبرين العربية.

و لمعاصر الزيت في كهوف بيت جبرين نصيب من الزيارة... فلطالما سمعنا أجدادنا وهم يصفون أيام الخير بقولهم "وكانت الآبار تفيض بالزيت"، و ها نحن نجد تلك الابار في معاصر الزيت ماثلة للعيان حيث يتصل التاريخ العريق بالحاضر فتصبح اثار الماضي  منارات تضيء طريق العودة.

ينزل الزائر الدرج الحجري للمعصرة ذات الجدران المرممة والمطلية بالشيد فتبدو وكأنها قطعه اثرية لم تستعمل من الاف السنين، أما معصرة الزيت المنحوتة في الصخر فهي مذهلة التصميم و تحتوي على مختلف اليات استخلاص الزيت بنظام يثير الدهشة وتشمل جميع الادوات المستعملة في مراحل عصر الزيتون والمالوفة بالقرية الفلسطينية حتى خمسين عاما خلت.  تحتوي المعصرة على المكامر وهي جرون محفورة بالصخر لغسل الزيتون وتحضيره للدرس  بواسطة حجر البد وهي صخرة على شكل إطار كبير يدور فوق صخرة فيهرس الزيتون لتحضيره للعصر بالمكبس توافقا مع المثل الفلسطيني "من الشجر للحجر". فتجد بالمعصرة ثلاثة حجارة بد اشارة واضحة لوفرة الثمار.

أما المرحلة الثانية فتتمثلُ في عصر الزيتون المهروس، فقد كانت تفرغ كمية معينة من دريس الزيتون في قفة دائرية مصنوعة في الغالب من ألياف نباتية، ويتم وضعها تحت حجارة ثقيلة، من ثم يتم كبسها من خلال الضغط عليها او ما يسمى"بالشدة" أي تحريك منجنيق جانبي بقوة عدد من الرجال "الشدادة".يستخرج الزيت بالكبس بواسطة جلاميد صخر معلقة بعوارض خشبية فوق قنوات حيث كان يسيل الزيت  ليتجمع بالابار المحفورة اسفله . شاع هذا الطراز من المعاصرالاغريقية المصدر في ارجاء البحر الابيض المتوسط وفي فلسطين خاصة مع فتوحات اسكندر المقدوني الاستعمارية.

بعد ذلك، تأتي المرحلة الثالثة وتتمثل بفصل الماء عن الزيت، حيث يتدفق خليط الزيت "الماء والزيت" الى "جرن أول" مزود بقناة حيث يسري الزيت الطافح على السطح الى "جرن ثان" و تتم عملية جمع الزيت و تعبئته بجرار ومن ثم خزنه بالابار الخاصة.

هذه المعاصر تشير الى وفرة الزيت ورخاء العيش والى ثراء المدينة عبر التاريخ وبصوره خاصة الى  ازدهارها الاقتصادي  في عصر اسكندر المقدوني في القرن الرابع قبل الميلاد حين تبوأت بيت جبرين مكانة عظيمة كونها مركز تقاطع عدة طرق تجارية كان اهمها الطريق التجاري من العراق عبر سوريا والكرك وصولا الى عسقلان وغزه....في ذلك العصر الذهبي ابدع الفنان الادومي فنحت احدى اعظم حاضرات فلسطين وتوافدت مختلف العشائر من مقدونيا واليونان ومختلف القبائل من صيدا والحجاز لتنعم بالامن والامان في المملكة الادومية.

بالرغم من عمليات طمس وتزييف التاريخ وازالة كافة معالم الوجود الفلسطيني في  كهوف بيت جبرين وما يرافقه من ترميم واعادة تاهيل للاستعمالات السياحية لتبدوا وكانها متحف اثري هجره الادوميين من القرون الاولى للميلاد فان نظام تصميم الكهوف هو دليل قاطع على قدم النظام العشائري للشعوب الكنعانية والتي تتابعت على ثرى بيت جبرين بدءا بالحوريين الذين عرفوا بلقب العمالقة مرورا بمختلف القبائل الكنعانية فالادوميين والقبائل العربية التي نذكر منها قبيلة بني جذام التي اعتنقت الديانة المسحية فبنوا الكنائس العظيمة ومن ثم اكرمهم الله بالاسلام فكان سليلهم أسقف كنيسة صاندان Saint Anne السابق والصحابي العربي"تميم الداري"أول من لبى دعوة الإسلام.

 

و مهما حاولوا تزييف الحقائق، إلا أننا لازلنا نرى بصماتنا العربية ظاهرة جلية في مختلف التفاصيل العمرانية في مدينة الكهوف يعرفها فورا كل من زار الظاهرية او يطا او السموع او قرى وخرب دورا ... فلكل عشيرة في الظاهرية حيها الخاص و مضافتها الخاصة بها و التي يقع خلفها مدخلا خاصا بسكن الحامولة تحت الأرض. حتى في يطا والبرج والسموع حيث قطن الفلسطينيون بكهوف منفصلة والتي يعود بعضها الى الاستيطان الفلسطيني الاول في العصر الكلكوليثي - اي قبل ما ينيف عن خمسة الاف عام - فان "البيت الكهف" ليس مجرد فتحة بالصخر لكنه بناء محكم الصنع يلعب النحت دورا هاماً في بنائه أسلوب بناء فلسطيني مميز حيث يتم وضع الحجر المقصوص والمنحوت فوق الاخر بشكل أنيق. كما يعلو  الدرج الخارجي عقد بناء بيت فلسطيني الطراز يقود الى باب تليه ردهة معقودة ويطلق أهل دورا على هذا القوس الحجري فوق الدرج اسم "قماط"، يقع إلى أسفل منه باب البيت و الذي تعبرمنه إلى داخل ردهة صغيرة ومن ثم إلىداخل الكهف، حيث يقودك سرداب يوزع إلى ردهات تقودك بدورها إلى مجموعة كهوف متصلة كان قد قطنتها العشائر العربية فكان لكل فخذ شقه الخاص به.

 

اقف في خربة صاندان وتتراءى امام ناظريجموع القبائل السامية الوافدة من الجزيرة العربية منذ العصر الحديدي في تل ماريش والذي يرتفع 270 مترا عن سطح البحر على منحدرات جبال الخليل وعلى مرمى البصر من اشدود والمجدل وغزة وذاع صيتهم في التوراة كشعب الجبارين ،وهكذا اكتسبت اسمها الشائع:  بيت جبرين، أي مدينة الرجال الأقوياء ومصدرها كلمة (جبرا) الأرامية والتي  تشير الى  القوة والجبروت.

 تعتبر خربة ماريش احدى اهم مراكز شعب العمالقة والذين يطلق عليهم العبرانيون بالتوراة اسم  "اينوكيم" ومن صلبهم ينحدر البطل الاسطوري "جالوت" والذي ورد ذكره بالقران الكريم  في سورة البقرة.  وفي هذه الهضاب الممتدة بين دير الدبان وبيت جبرين وترقوميا عبر خربة الكوم وبيت عوا والمجد وصولا الي بيت مرسم وبرج، جرت المواجهات الاسطورية بين الفلسطينيين العمالقه لصد غزوات القبائل العبرية وذلك في العصر الحديدي اي قبل 3500 عام.

 

هنا بين المنحدرات الجبلية لجبل الخليل والساحل الخصيب واجه النبي داوود - وهو ما زال حدثا  العملاق الفلسطيني   جالوت-  وحيث ان التوراة  هي رواية يهودية فكان لا بد ان يظهر الفلسطيني  بالصورة القاتمة وان  يتعاطف القاريء مع العبرانيين الغزاة ! وعلى مرمى البصر تقع مدينة  المجدل  وبجانبها غزة  حيث جرت احداث الصراع الدموي بين الغزاة العبرانيين والعمالقة الفلسطينيين والتي يتردد صداها في قصة شمشون الجبار العبراني ودليلة الفلسطينية والتي نعرفها من كتابهم المقدس المتعاطف مع اليهود ضد الفلسطينيين!

 

استمرت الحروب سجالا بين القبائل الكنعانية المعروفين بالعمالقه ومع قبائل العبرانيين بين كر وفر الى ان بسطت القبائل الادومية سلطانها في القرن التاسع قبل الميلاد  وامتدت رقعتها لتشمل بيت جبرين فتحالفت قبائل العمالقة مع القبائل الادومية وتزاوجت معها. بلغت مدينة بيت جبرين شأنا عظيما  بعد احتلال اسكندر المقدوني لفلسطين وغدت مركزا تجاريا لعدة طرق تجارية لموقعها الاستراتيجي بين عسقلان وغزه بالغرب  والكرك وصولا الى العراق عبر سوريا شرقا. في هذا العصر  تم حفر الكهوف الاجاصية وبناء المدينة الاوروبية الطابع على الطراز اليوناني إلى شمال مدينة الكهوف وذلك لاستقطاب القوافل التجارية و لتكون مركزا للحكام والقادة العسكريين ولتكون مركزا دينيا وسياسيا.

 

ازدهرت بيت جبرين وارتفعت اهميتها وذاعت سمعتها في عهد الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفاريوس، الذي زارها واطلق عليها لقب "مدينة الحريّة"، ومنح سكّانها امتيازات خاصة  واعفاهم من دفع الضرائب وضمّ إليها اراضي واسعة تمتد من عين جدي إلى بلدة جرار قرب بئر السبع، وكانت أكبر مملكة في فلسطين فتنافس الأدوميين مع الهشمونيين بالقدس على كسب ود الرومان ورضاهموبقيت حليفة موالية لروما على غرار الانباط والمناذرة والغساسنة بفضل حنكة شيوخ  قبيلة بني جذام (المهيمنة) ودهائهم السياسي.

 

في العصر البيزنطي تم بناء كنيسة القديسة حنة والدة مريم العذراء تخليدا لذكرى الاحداث الدينية التوراتية التي جرت في المنطقة فعرف تل ماريش باللهجة الفلسطينية باسم تل صندان  اي تل القديسة حنة وما زالت اطلاله قائمة بالجانب الشرقي للخربة. ولاهمية المدينة وكثافتها السكانية اصبحت اسقفية  وشارك احد اسقفتها بالمجمع المسكوني في مقدونيا واشتهر من أبنائها  بطريركً مدينة القدس ويُدعى بطرس (516- 524)، وعلى عهده ثار اليهود والسامريون، وقتلوا عددًا من المسيحيين وأساقفتهم وهدموا كنائسهم، ولمّا تدخّل الحارث بن جبلة النبطي على عهد جوستنيانوس، أخمد الثورة بعد أن شتّت شمل اليهود وذبح عشرين ألفًا من السامريين.

.
كانت معارك اجنادين والتي دارت رحاها في منطقة تل الصافي علي بعد 11 كيلومتر من بيت جبرين نقطة تحول جذرية للشخصية الفلسطينية فمع دخول الاسلام سرعان ما ذابت اللهجات الكنعانية المختلفة كالارامية والادومية واليابوسية والعبرية وغيرها من لهجات سامية في لغة القران الكريم.

وقعت معركة أجنادين الأولى عام (13هـ الموافقة 634م) بين قوات الروم المتمركزة في فلسطين، وكان عدد الروم مائة ألف مقاتل، وبين جيوش العرب في الشام مجتمعة بقيادة خالد بن الوليد وعددها أربعون ألف مقاتل، وقد انتصر العرب المسلمون في هذه المعركة و تحركوا إلى معركة الحسم على صفاف نهر اليرموك و التي شهدت انتصارا حاسما للجيش الاسلامي.

 

في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جرت معركة أجنادين الثانية سنة 15هـ الموافقة لسنة 636 م وكان قائد الجيش العربي الإسلامي عمرو بن العاص بعد النصر الذي احرزوه اعتنقت قبيلة بني جذام (النصرانية) وعددا كبيرا من سكان بين جبرين الدين الاسلامي، و الذي سبقهم إليه اسقف الكنيسة الشهيرة السابق والصحابي المسلم تميم الداري الذي بايع النبي محمد صلى الله عليه و سلم في المدينة المنورة والذي أقام بها  بضعة سنين  ثم عاد إلى فلسطين بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ومات في بيت جبرين سنة 660 ميلادي  وما زال  مقامه مزارا قائما بطرف المدينة الشمالي.

 

 عانت بيت جبرين تحت نير الاحتلال الصليبي والذين بنوا قلعة منيفة في الجزء الروماني التجاري للمدينة  لكنها حافظت على شخصيتها العربية ونظامها العشائري  واستمرت العشائر العربية تقطن الكهوف مع مواشيها  في كهوف صاندان، ومع فتح قناة السويس واكتشاف طرق الملاحة الجديدة اضمحل شأنها الاستراتيجي مثلها مثل المجدل واسدود وتفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي  في اوائل القرن التاسع عشر حين اجتاح ابراهيم باشا فلسطين وتقلقلت الاوضاع ولضعف السلطة العثمانية سادت الفوضي بالريف الفلسطيني وتصاعدت وتيرة هجمات القبائل البدوية المغيرة من النقب وسيناء لسلب ونهب الريف الفلسطيني!  وفي منتصف القرن التاسع عشر دمرت القبائل البدوية، كلا من الخضيرة وبيت جبرين لتصبح المدينة العظيمة قرية صغيرة بعد ان هجرها الامن والامان. في تلك الفترة بزغ نجم بعض العائلات العشائرية المعروفة بالجنوب مثل دودين وعمر في منطقة دورا وال العزه في بيت جبرين وتل الصافي وفي الانتداب البريطاني اصبح عطا الله مريزيق أول مختار لبيت جبرين في تاريخها الحديث، وكان يمثل  عشائر العزة والغبارية والدعاجنة.

 

أفل المجد الغابر تحت الانتداب البريطاني لتصبح بيت جبرين سوق تجاري للقرى المحيطة بها واعتمد اقتصادها على كروم الزيتون الشاسعة وحقول القمح والشعير ورعي الماشية في السهول الخصيبة  واستمر النظام العشائري فسكن البعض في منازل حديثه شمال الخربة  في الشطر الروماني، اما اصحاب الماشية والحقول فاستمروا بالحياة في الكهوف واستمروا يعصرون الزيت في الكهوف ويخزنون القمح والغلال في المطامير والكهوف حتى النكبة حين تم نهجيرهم القصري حيث ما زالوا مرابطين في مخيم الفوار في دورا ومخيم العزة في بيت لحم وفي ارجاء العالم ....

وتمر السنون وتبقى الذكريات تغذي الحنين ويبقى حب الوطن إلى الأبد بلا نهاية.