• 28 كانون الثاني 2020
  • مقابلة خاصة

 

 القدس - أخبار البلد - في مكتبه الواسع  الذي يقع  في حي الشيخ جراج بالقدس يجلس   (Turgut Alp Poyraz   ) مدير تحرير الشرق الأوسط وشمال افريقيا لوكالة الانباء التركية الاناضول ،  متنقلا ما بين الموبايل والرسائل التي لا تتوقف عن الوصول ،  والجهاز الحاسوب المحمول تارة أخرى وبين شاشة التلفزيون تارة ثالثة ، يراقب ويرسل ويكتب ويعلق ويطلب ، فمكتب وكالة الانباء التركية " الاناضول"  اصبح منذ ثلاثة أعوام المقر الإقليمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا ، مما يجعله مصدرا هاما للإخبار والمعلومات ، بل بات  في مصافي الوكالات الإخبارية العالمية ،  وتفوقت الاناضول على تلك الوكالات بأنها تحظى باحترام وتقدير كبير لدى العرب عامة والفلسطينيين بشكل خاص .

 تورغوت بويرازـ ذلك الصحفي القدير ذو الخبرة  الواسعة في مجال الصحافة عامة وفي مجال الصحافة  الأكثر ارهاقا الا وهي صحافة وكالات الاخبار ،  يجد نفسه  مقدسي الهوى،  تركي الموطن ، يعشق المدينة كأهلها بل واكثر ، تلك  المدينة المقدسة التي أصبحت جزءا منه  والتي يسكنها منذ ان  استقر العمل به في وكالة الاناضول بالمدينة منذ عام 2013 .

 قال في حديث مع رئيس تحرير شبكة "أخبار البلد" بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الوكالة " إن تعمل في القدس  ، وإن تغطّي الحدث الإسرائيلي والفلسطيني  في آن واحد يعنى انك محط متابعة واهتمام من قبل جميع الأطراف، وكل عيون العالم عليك ،  ولهذا فان المهنية هي عنواننا والموضوعية هي طريقنا في تناول هذا الصراع والذي يتخذ اشكالا مختلفة للتغطية.

 ويضيف تورغوت بعد ان تناول رشفة من كاس شاي تركي " إنه في نفس الوقت الذي تم فيه افتتاح المكتب في القدس تم فتح مكتب للوكالة في قطاع غزة وبعد ذلك قمنا بفتح مكتب في رام الله بعد ذلك بسنتين  ، حيث نعمل وفق القانون الفلسطيني بمناطق السلطة وفي القدس نعمل وفق القانون الإسرائيلي.

  ويشدّد " نحن نغطّى كل شيء من سياسة وثقافة ورياضة ومجتمع ، ونقوم بترجمة الاخبار فورا من العربية الى التركية وبالعكس.

 وحول التغطية قال " انني اؤمن بقاعدة إعلامية تعلمتها في بداية طريقي المهني ، انه اذا جعلت الجميع سعيدا ، فهذا يعنى انك لا تقوم بعملك على احسن وجه ، ولهذا فانا في الكثير من الأحيان اتلقى شكوى من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني حول  تغطيتنا ، وانا أقول لهم نحن هنا نقوم بعملنا بمهنية وننقل الحدث فقط .

 العيش في القدس

 بعد ان اعتدل في جلسته والقى نظرة خاطفة على شاشة التلفزيون التركي ، قال انه بالنسبة للصحفي فالعمل في القدس يعتبر خبرة لا مثيل لها ، فانت تقابل كل انواع الناس ، كما ان تغطية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يجعلك مركز الاهتمام العالمي ، فانت هنا في القدس  ولكنك تؤثّر على ما يجرى في ايران وفي سوريا وامريكا وأوروبا  من خلال هذا الصراع ولك علاقة بإيران  وسوريا وامريكا وأوروبا ، وهذا يمنحك القدرة على توفير المعلومات بأسرع وقت ممكن .

 واذكر انه عندما وصلت الى القدس وسكنت في شعفاط وقعت عملية خطف وحرق الطفل محمد أبو خضير ، حينها قام صاحب العقار بقرع الباب شقتي فجرا  وقال ان هناك انباء عن شاب مفقود وعلى الفور نزلت للشارع وكنت من اول من بث ّ الانباء عن ذلك في العالم.

 وهناك يجب ان اذكر حادثا أثّر في بشكل كبير ، فعندما طلب مني المحرر التأكد من قصة شاب فلسطيني قتل في قلقيلية ، ذهبت إلى هناك في ساعات الصباح الباكر فوجدت امامي سيدة كبيرة هي والدة الشاب وزوجته وابناءه الستة، والدته كنت تصرخ وتقول ياما ياما ،  ولا أحد يعرف كيف قتل؟ ومن القاتل؟ هل قتل على يد المستوطنين او على يد جنود الجيش الإسرائيلي ، اثناء توجهه بحث عن لقمة العيش ، هذا الموقف الإنساني اثّر بي بشكل كبير ولم اتمالك نفسي ، وحبست دموعي امام زملائي على هذه العائلة المسكينة .

 ومن القصص التي افخر بها وانتشرت بشكل مذهل كانت قصة ذلك الرجل الأمين من نابلس والذي كان يحتفظ بأموال الناس امانة عنده ابان الحرب ، ومن بينهم كان جندي عثماني اعطاه مبلغا من المال  كأمانة، وبقيت كذلك عشرات السنين ،  وكان علينا اقناع الرجل ان يفتح الأمانة التي لم يفتحها منذ اكثر من مائة عام ، وعندما اقتنع اننا وكالة انباء الاناضول  التركية وأن الكاميرا سوف توثق كل شيء ، قام بفتح الأمانة  وقمت بتصوير ما بداخلها،  وفيها مبالغ النقود العثمانية تعود  لهذا الجندي، وأذكر انني أوقفت السيارة  في جانب الشارع وكتبت القصة من شدها التاثير، بعد انتشر صورة لي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وانا بالقرب من هذه الأمانة، فعلا حصلت القصة  على ملايين المشاهدين والمتابعين ونشرت في جميع وسائل الاعلام التركية والعربية والاجنبية ..

الناس في القدس رائعون

 ويكمل حديثه بشغف واضح"  من بين الأسباب التي تجعل القدس رائعة للعمل فيها كصحفي ،  هم الناس  أنا احبهم فقد عشت في لندن وفي الفلبين وفي الكثير من الأماكن ، ولكن الناس في القدس مختلفون فهم محبون للغريب ويمكن الوثوق بهم ، واذكر انه بعد ان تزوجت ذهبت وزوجتي للناصرة وهناك دخلنا إلى مطعم لتناول طعام الغداء وكان بالقرب منّا مجموعة من الشباب في العشرين من أعمارهم تناولوا طعامهم وتركوا المحل ، نحن كنا نتحدث باللغة التركية وعندما أردنا دفع الحساب قال لنا صاحب المطعم ان الشبان دفعوا عنا الحساب اكراما لتركيا وشعبها.

 ويقول تورغوت قبل انتهاء الحديث معه " عندما تدخل الى الأقصى تجد انك في متحف إسلامي مفتوح ، فتشعر بانك في خطى  الخليفة عمر بن الخطاب ،  وقبة الصخرة المشرفة هي مثال على عظمة الامويين، والعثمانيين  ، وفي القدس عامة وفي الاقصى انت تنسى نفسك ،  وهذا ليس شعوري انا فقط بل حتى عائلتي  والذين قاموا بزيارة القدس والتي عشقوها  من اول زيارة لهم ،  حتى ان والدي قال لي : يا بني انك محظوظ لانك تسكن في القدس.

وهذا هو الواقع، فانا عندما اسافر الى إسطنبول اشعر بحنين للقدس وتتملكني الرغبة لأن اعود اليها فورا.

 حكاية الاناضول

 تأسست الوكالة في 6 نيسان (أبريل) عام 1920 ، أي قبل 17 يوما من افتتاح مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) وبعد افتتاح البرلمان تولت الوكالة مهمة نشر القوانين التي كان يقرها في ذلك الوقت، كما وقفت الوكالة شاهدة على كافة مراحل حرب الاستقلال التركية، بل وعلى كافة الأحداث التي اعقبت تأسيس الجمهورية.

وكان للوكالة دور في بناء الجمهورية التركية إذ نشرت على كافة المحافظات التركية خبر قرار مصطفى كمال (الذي لقب لاحقا بأتاتورك) للإجتماع في أنقرة لتأسيس مجلس الأمة بعد أن تم غلق البرلمان العثماني الذي كان يعرف حينها بمجلس المبعوثان إثر احتلال إسطنبول رسميا في 16 آذار (مارس) 1920 م. ومن الأمور التي ساعدت على تأسيس الوكالة أن معظم المثقفين رأوا استحالة البقاء في اسطنبول في ظل تلك الظروف وأخذوا يبحثون عن سبل اللحاق بركب الكفاح الوطني.

وقد أتت فكرة تأسيس وكالة الأناضول بمحض الصدفة حينما تقابلت الصحفية والأديبة خالدة أديب مع يونس نادي (آبالي أوغلو) في إحدى محطات القطارات وهما في طريقهما إلى مدينة أنقرة للحاق بأتاتورك ورفاقه هناك. إذ اتفقا معا على ضرورة أن يكون أول شئ يقومون به هو تأسيس "وكالة أنباء" تركية. وطرحت عدة أسماء لإطلاقها على الوكالة المزمع إنشاؤها، ومن تلك الأسماء المقترحة كانت "الوكالة التركية" و "وكالة أنقرة" و "وكالة الأناضول". وبعد مشاورات اتفق الجميع على اسم "وكالة الأناضول" الذي مازال مستخدما حاليا.

وفي مقر إقامته في أنقرة تم طرح موضوع تأسيس الوكالة على أتاتورك وأ درج في جدول أعماله، وبالفعل تم تأسيس الوكالة في 6 أبريل عام 1920 بعد اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن.

وفي حرب الإستقلال التركية قامت الوكالة بأداء مهمة بالغة الصعوبة. إذ كان منوطا بها إبلاغ أخبار تركيا والعالم للجنود الاتراك في الجبهة الذين باتوا منقطعين عن العالم الخارجي. وبذلك ساهمت الوكالة في مكافحة مواقف الانقياد والخنوع التي كانت تتبناها بعض الصحف العالمية وبعض صحف إسطنبول بضغط من سلطات الإحتلال في ذاك الوقت. وقامت الوكالة كذلك بإسماع صوت مناضلي الحركة الوطنية التركية بالخارج لتعريف الرأي العام العالمي بحقوق تركيا المشروعة في كفاحها للإحتلال الأجنبي، وإحباط الدسائس التي كانت تحيكها بعض الجهات المعارضة لمشروع الإستقلال.

وفي 1 مارس من عام 1925 م تأسست شركة تركية مساهمة تحت اسم "شركة وكالة الاناضول" وقام مصطفى كمال أتاتورك بتكليف مجموعة من رفاقه بتطوير عمل وكالة الأناضول حسب المعايير الحديثة المعمول بها في دول أوروبا الغربية وقتئذ. فأصبح للوكالة حينها وضع مستقل تتمتع فيه بنظام مؤسساتي متميز لم يكن معمولا به حتى في الدول الأوروبية.