• 17 حزيران 2020
  • مقابلة خاصة

 

بقلم: ارشـد هورموزلو*

 

استغرقنا في الحديث مع زعيم عربي أجمع الكل على كياسته وواقعيته وترك بصماته الواضحة على الشأن العربي. عندما جرنا الحديث إلى محاسن التوافق والحوار قال ما لا زلت أحتفظ بوقعه في أذني. إذا حصلت على نسبة أصوات تبلغ الواحد والخمسين فإنني لا أنسى أن هناك تسعة وأربعون في مواجهتي.

لقد كانت مقولة تدل على صحة الرأي القائل بأن التفكير في القضايا القومية والسياسية من زاوية واحدة أمر خطير. وينبغي على مهندسي المجتمع كما نسميهم أو الذين أرتقوا إلى سلم القيادة أن يعوا ذلك ولا ينسوه إطلاقا.

إن من يضم يده كقبضة متوترة معتقدا إن ما يقوله هو فقط صحيح وصائب، ان من يواجهه خائن لا يستطيع أن يميز بين من يدلي برأيه بصورة صادقة وبين من يخون فعلا فهناك خط رفيع ووهمي بين الاثنين.

إن اليد المضمومة كقبضة لا تستطيع المصافحة ولا الاحتضان، فالقبضة تمنع أن تحتضن أحدا أو تلمس كتفه بحنان. إن يدا كتلك لا تحسن إلا اللكم وتظن أن هذا هو الوسيلة المثلى للنقاش. في حين يصل من لا يأخذ شكل الوعاء الذي هو فيه ويكون متفتحا للأفكار الأخرى إلى الهدف بطريقة أسرع وأكفأ.

ولعله ينبغي علينا في هذا الإطار أن نحلل موقف الحركات والأحزاب والجمعيات علنية كانت أم خفية. فجميع هذه المؤسسات تنادي بخدمة المجتمع أو خدمة قضية معينة. أي أنها ستخدم في واقع الحال المواطن الذي يسعى لخدمته وهي بذلك تخاطب كل فرد، إلا أنها لا تستطيع أن تعتبر جميع أفراد المجتمع أعضاء طبيعيين لديها. وبعكس ذلك فإنها تسعى لاستقطاب من يفكر بطريقة أخرى وذلك لكسبهم إلى جانبها.

إن من الممكن أن يجري الأفراد لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو أسباب ومبررات أخرى في مسارات مختلفة، ويمكن ألا تتوافق أفكارهم ولكن المؤسسات المذكورة مطالبة بخدمة هؤلاء، إنها في الواقع موجودة لهذا الغرض ليس إلا.

من هذا المنطلق يجب أن نعي بأن التسامح يجب أن يحل محل الشدة، وأن يحل الاقناع محل فرض الأمر وبعكس ذلك فإن القضية التي يراد خدمتها سيصيبها الضرر الأكبر وتنكأ الجروح في ضمير المجتمع.

لنسميهم كما أسلفت بمهندسي المجتمع أو أطلقوا عليهم وصف الزعماء والقادة، إنهم أناس يجب أن يتعاملوا مع الأفكار المختلفة. ولعل الكثيرين منكم يعرفون الدكتور علي الوردي، العالم الاجتماعي الشهير. يقول الوردي في فقرة من مقولاته: إن الأفكار هي كالأسلحة تتطور وتتغير بمرور الزمن. فمن يريد أن يحارب بالأفكار القديمة هو كمن يريد أن يحارب بأسلحة عنترة بن شداد.

حري بنا أن نعلم بأن وصف أي نقد بأنه يصب في خانة الخيانة يدل على الجهل المدقع. والجهل هو أب الكره وخالقه. فنحن لا نتسامح مع النقد فقط ونتعامل معه بل نذهب أبعد من ذلك إلى تفهم الخطأ حيث إننا نكره الخطأ ولكننا لا نكره من يخطئ.

وما دمنا قد تحدثنا عن الوردي فلننقل منه وجيزة أخرى تصب في هذا المنحى إذ يقول: ّعندما تنظرون من زاوية من يخالفونكم التفكير فيمكن أن تروا قليلا أو كثيرا بأنهم محقون أيضا في أمر ما. فمن يعتقد أحيانا أن هناك في الساحة صراع

بين الحق والباطل قد يكون في حقيقة الأمر صراعا بين حق وآخر ّ. ألم نع ما قاله الأقدمون من أن المقلق والخطير هو من يفهم قليلا ويؤمن كثيرا.

إن القابلية المثلى هي في النجاح بالاطلاع على العروض حتى التي هي محل خلاف من زوايا مختلفة. فالوصول إلى الحقيقة يقتضي الكثير من التحليل والدرس. وبعكس ذلك فسيتوالى الإصرار على الحق المفترض ثم الغيظ ثم الكره ثم اليد المضمومة كقبضة شديدة.

يجب ألا ننسى اذن أن اليد التي تظهر كقبضة لا تعلم المصافحة ولا تتقنها.

  • كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غل