• 29 آب 2016
  • ثقافيات

 

 

  القدس- اخبار البلد- كتب كمال القاضي  مقالة ابحثية فنية ذات قيمة عالية لمتابعي المسرح العربي وخاصة في المنطقة  في صحيفة " القدس العربي "  نقتبس منها . 

حفل حقل الدراسات الأدبية في الجامعات بعدد من الأبحاث الأكاديمية حول «المسرح العبري المعاصر»، وكان من بين هذه الدراسات «تاريخ المسرح العبري في فلسطين» من عام 1914 إلى عام 1956.. رسالة دكتوراه مقدمة من الدكتور عبد الوهاب وهب الله في كلية الآداب جامعة القاهرة 1984 و«المسرح السياسي في إسرائيل» عند حانوخ ليفين في جامعة عين شمس 1991 وهي رسالة ماجستير للباحث يحيي محمد عبد الله الذي نحن بصدد الحديث عن رسالته للدكتوراه حول «صورة المرأة في النص المسرحي الإسرائيلي من 1960 : 1990» .

وسوف نعود إليها بعد استعراض عناوين أهم الدراسات التي تناولت الأدب الإسرائيلي في المسرح العبري وهي تزيد على سبعة أبحاث لعل أهمها بالإضافة إلى ما أشرنا إليه رسالة الماجستير المقدمة من الباحث منصور عبد الوهاب عن «الوطن والاستيطان» و«الكيبوتس» و «نصوص الحرب والسلام من سنة 1948 : 1993» و«المسرح العبري عند يوسف بريوسف» دراسة في الشكل والمضمون وأخيراً «صورة المرأة في النص المسرحي الإسرائيلي» وهو واحد من الأبحاث المهمة ليس لأن المرأة الإسرائيلية تمثل نصف المجتمع فحسب طبقاً للإحصاءات الإسرائيلية الرسمية ولكن كونها عنصراً فاعلاً داخل المجتمع الإسرائيلي، وظلت لفترة طويلة مجرد صورة شائهة وغير دقيقة أقرب ما تكون إلى «الأسطورة» وهو أمر يستحق استجلاء صحته من عدمها، كما أكد الباحث يحيي محمد عبد الله إسماعيل الذي اختار الفترة من بداية الستينيات وحتى مشارف التسعينيات للوقوف على الصورة الموضوعية للمرأة الإسرائيلية في «المسرح العبري» لأسباب تعود إلى أن بداية الستينيات تمثل الانطلاقة الحقيقية للكتابة المسرحية العبرية وظهور أجيال جديدة من الكُتاب المسرحيين الإسرائيليين المتحررين من الأيديولوجيات الصهيونية «المغرضة» والتي وقع في فخاخها من سبقهم من الكُتاب.

غير أن هذه الحقبة من بداية الستينيات وحتى بداية التسعينيات قد شهدت منعطفات تاريخية مهمة منها أكبر حربين مؤثرتين في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وهما حربا «1967 و 1973»، بالإضافة إلى حرب لبنان 1982 وتوقيع معاهدة «كامب ديفيد» عام 1979 والانتفاضة الفلسطينية عام 87 وكلها أحداث تفاعل معها الأدب المسرحي العبري المعاصر وعبر عنها.

كما أن هذه الفترة بالتحديد شهدت اختلاط الإسرائيليين بالفلسطينيين بحكم الاحتلال، الأمر الذي انعكس جلياً في الكتابات المسرحية العبرية التي تعالج النظرة إلى العربي. وفي خضم هذه الأحداث كان الأدب المجند يصور المرأة الإسرائيلية قبل بداية هذه الفترة على أنها مثال للتضحية والبطولة في كثير من الأحيان، لكن الأدب المعاصر أعاد تقييمها، بشكل أكثر واقعية فكانت صوراً لنماذج تعبر فقط عن همومها وقضاياها بحيث تغيرت صورتها البطولية الفدائية المبالغ فيها، ما أكد أن المرأة لم تحتل مكاناً بارزاً في القضايا السياسية ولم تتم الإشارة إلى دورها في هذا الصدد عند تناولها في كتابات إفرايم كيشون، في بعض نصوص العامية المسرحية أو حتى في فترة ما قبل حركة «الهسكالاه- التنوير» مروراً بالكتابات المسرحية العبرية قبل قيام دولة إسرائيل وبعد قيامها.

وتنقسم المرأة في المجتمع الإسرائيلي طبقاً لما ورد في الرسالة وصورته النصوص المسرحية إلى شريحتين: شريحة تمثلها المرأة «المتدينة» وأخرى تمثلها المرأة «العلمانية». ويعاني المجتمع الأنثوي من انقسام حاد تمتد جذوره إلى تاريخ بعيد نتيجة «الهوة» العميقة بين التيارين. وقد أخذ الإشكال «العلماني» يتصاعد في الأعمال المسرحية العبرية مع بداية الثمانينيات مشكلاً تياراً قوياً يواجه بحسم التيار الديني وينظر بحذر إلى نفوذه، في حين غابت عن الساحة الرؤية المسرحية الأخرى التي تعرض لهذا الإشكال «الديني -السياسي» من وجهة نظر مغايرة أو بمنظور أصولي.

وعلى الرغم من ندرة الصور المسرحية للمرأة المتدينة في النصوص العبرية إلا أن الدراسة تناولتها بالتحليل موضحة أن أنماط التدين لدى المرأة الإسرائيلية تتجاوز الشكل والإطار إلى الموقف والمضمون، وذلك من خلال خمسة نماذج لكتاب مختلفين: «ليلة في مايو» من تأليف ط ب يهو شواع، «إلى أين يقودنا الوضع الراهن» من تأليف يهو شواع سوبول و»عقدة آيار» ليوناتان جيفن و «العم بيرتس مقلعاً» من تأليف يعقوب شبتاي و»يوسليه الهلامي» للمؤلف دان هوروفيتس.

وقد جاءت أنماط المرأة المتدينة في النصوص العبرية المسرحية متعددة ومتباينة، منها من يؤمن إيماناً راسخاً بحرفية النصوص في العهد القديم خاصة ما يتعلق منها «بالأرض و «الوعود» و «الحدود التوراتية»، ومنها من يختلط لديه الإيمان بحرفية النصوص الدينية مع «الأيديولوجية الصهيونية» الموجهة سلفاً ومع الحشد التربوي من قبل المؤسستين العسكرية والتعليمية في إسرائيل نحو التغرير بالإسرائيليين أنفسهم.

ومن هذه الأنماط أيضاً كما ذكر الباحث يحي عبد الله من تتخذ من الدين مطية لتحقيق مآرب شخصية دون أن تكون امرأة دينية في أعماقها بالمفهوم السائد، ومنها أيضاً من هي دينية وسطحية تؤدي واجباتها وطقوسها العقائدية فحسب، أما فيما يتعلق بالمرأة العلمانية فإنها تأخذ صوراً شتى .. فمن بينها المرأة المتحررة النافرة من القيم الدينية اليهودية وهو نمط تمت معالجته من خلال أربعة أعمال مسرحية هي «دورة الكحول» من تأليف يوسف موندي و«أواه ياجولييت» من تأليف إفرايم كيشون و»تجار المطاط» من تأليف حانوخ ليفين و»عقدة آيار» من تأليف يوناتان جيفن.

كشفت الرسالة من ناحية أخرى عن صورة وطبيعة المرأة «الإشكنازية» و «السفاردية» وأشارت إلى الجذور السحيقة التي تفصل ما بين هاتين الطائفتين وكيف حاولت الصهيونية إعلاء شأن النموذج الغربي «الإشكنازي» على حساب أبناء الطائفة «السفاردية» والوضع المتميز الذي ينعم به أبناء هذه الطائفة في إسرائيل. ثم عرض الباحث للعداء المتأصل بين الطائفتين وانعكاساته على المجتمع الإسرائيلي من خلال عمل مسرحي عبري هو «واضح كل الوضوح» للكاتب الإسرائيلي إفرايم كيشون، وقد خصص الباحث الفصل الثالث لموقف المرأة الإسرائيلية من «الآخر» العربي وفيه سلط الضوء على المبدأ العنصري اليهودي القائم على أسس دينية بارزة، حيث يقسم العالم إلى قسمين أحدهما يهودي، والثاني «أغيار» أو «جوبيم» وهو تقسيم يتضح فيه التمايز والاستعلاء.

أما قضية احتلال الأراضي العربية فهي قضية عالقة بحقول «ألغام» وتمس موروثا عقائدياً توراتياً وآخر تاريخياً يتصل بالأرض والحق المزعوم لليهود فيه