• 17 تشرين أول 2017
  • ثقافيات

 

 

  

«لندن- اخبار البلد- نشرت صحيفة ” القدس العربي“ مقالة  لسمير نصيف عن كتاب جديد حول وعد بلفور المشؤوم السياسية البريطانية المنحازه لاسرائيل حتى يومنا هدا 

 بمناسبة  مرور مئة عام على صدور «وعد بلفور» الذي وعدت منخلاله الحكومةالبريطانية «المنظمة  الصهيونية البريطانية» بالسماح ليهود العالم بإنشاء دولة على الأرض الفلسطينية، سيصدر العديد من الكتب والمقالات المتباينة الموقف، ذلك حسب الهوية السياسية لكاتبيها. وفي ظل السياق نفسه، صدر مؤخراً للصحافي البريطاني في «الغارديان» ديفيد كرونن مؤلف بعنوان: «ظل بلفور» يؤكد عبر دراسة تاريخية معمقة ودقيقة أن هذا الموقف البريطاني المتواطئ مع إسرائيل استمر منذ العقود الماضية، ولم يتوقف حتى الآن. وبالتالي، فمن المعيب ــ في رأيه ــ أن تفكر الحكومة البريطانية الحالية في إقامة احتفال في بريطانيا بهذه المناسبة في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، نظراً للمعاناة الكبيرة وللقتل والتطهير العرقي الذي تعرّض ويتعرض له الشعب الفلسطيني بسبب مواقف بريطانيا وإسرائيل، منذ مطلع القرن الماضي وحتى الساعة.

الصديقة الكبرى لإسرائيل

يلخص كرونن حال الحكومات البريطانية المتعاقبة، عمالية أو محافظة خلال العشرين سنة الأخيرة في الفصل الأخير من كتابه، والمعنون بـ «أكبر صديقة لإسرائيل»، من حيث التواطؤ مع تجاوزات إسرائيل للشرائع الدولية وقيام هذه الحكومات بتسليح إسرائيل بأخطر أنواع الأسلحة، في وقت تقوم فيه القيادة الإسرائيلية بقتل المدنيين والأطفال وتنتهك حقوق الإنسان بوحشية بالغة في غزة وجنوب لبنان وأماكن أخرى، وتشجع على حالة عدم الاستقرار والفوضى السياسية في المنطقة برمتها. ويذكر كرونن «في حزيران/ يونيو 2016 تبجح ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية السابق ــ زعيم حزب المحافظين آنذاك ــ أن بريطانيا هي أكبر صديقة لإسرائيل». أما وزير الخارجية الحالي «بوريس جونسون» فرغم أنه انتقد في كتاب له صدر منذ عامين بعنوان «عامل تشرتشل» وثيقة «وعد بلفور» واعتبرها غير متماسكة ومتناقضة، فإنه وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكتبه في لندن مطلع عام 2017 أشار بفخر إلى طاولة قال جونسون إن «وعد بلفور» تمت كتابته عليها، وكأن الأمر إنجاز كبير لحكومة بريطانيا! أما «تيريزا ماي»، رئيسة الحكومة الحالية، فبالاضافة إلى إعادتها «مايكل غوف» ــ أحد كبار مؤيدي إسرائيل والمدافعين عنها بين سياسيّ بريطانيا ــ إلى حكومتها مؤخرا، فانها ربطت سياسة حكومتها في الشرق الأوسط وفلسطين بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تنقصه الخبرة في هذا المجال، وبالتالي ما زالت سياسته غير واضحة. وهذا على عكس ما فعلته سابقا «مارغريت ثاتشر» ووزير الخارجية «دوغلاس هيرد»، خلال وجود رؤساء أمريكيين تنقصهم الخبرة على رأس السلطة الامريكية، بحيث كانا ينصحان رونالد ريغان ومن تبعه إزاء بعض المواقف، وكانت الإدارة الأمريكية تستمع إلى هذه النصائح في كثير من الأحيان وتنفذها. ومن مواقف تيريزا ماي الدالة أنها انتقدت وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في أواخر عام 2016 لأنه صرح بأن حكومة نتنياهو هي من أكثر الحكومات يمينية (تشدداً) في تاريخ إسرائيل، لأن نتنياهو يستمر في سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. كما ان ماي حاولت توسيع مجال تعريف مفهوم العداء للسامية، حسب المؤلف، بما يجعل كل مفكر ينتقد إسرائيل وسياساتها متهما بممارسة هذا العداء. وقد انعكس هذا الأمر سلبا على حملة سلمية قامت بها جهات منددة بسياسات إسرائيل عبر مقاطعة البضائع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية (BDS). كما دفعت إلى إحراج زعيم حزب العمال جيريمي كوربن، المؤيد للقضية الفلسطينية طوال حياته السياسية إلى إصدار قوانين في داخل حزبه تسعى إلى كم ّ افواه القادة العماليين المؤيدين للقضية الفلسطينية، ما أدى إلى طرد رئيس بلدية لندن السابق كين ليفنغستون من الحزب. وهذا الامر، حسب كرونن، يعرّض للخطر حرية الرأي في بريطانيا لدى مختلف فئات الشعب.

المؤامرة

في مقدمة الكتاب، يؤكد المؤلف على أن «وعد بلفور»، الذي قدمه وزير الخارجية البريطاني آرثور جيمس بلفور في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917 إلى الأرستقراطي اليهودي والتر روتشيلر، ووعدت بريطانيا فيه بتأييد ودعم إنشاء وطن قومي لليهودي في أرض فلسطين الذي كان الهدف الرئيسي للمنظمة الصهيونية البريطانية بقيادة حاييم وايزمان «نُصت كلماته بشكل مُضلل وخادع» وأن خطورته لم تكمن فقط في طريقة وضعه، ولكن في الخطوات اللاحقة التي تبعت ذلك. فبدلاً من أن تكون الدولة التي يسعى إلى إنشائها مكاناً يُرحّب فيه بجميع السكان، تحولت إلى ساحة للتنكيل بالشعب الفلسطيني ولتهجيره بالقوة، ما أدى إلى تهجير ثلاثة أرباع المليون فلسطيني في عام 1948، أي عام إنشاء إسرائيل على يدي العصابات الصهيونية، التي كانت تحصل بوسائل ملتوية على التمويل والتسليح من قبل بعض المسؤولين في سلطة الاستعمار البريطاني في فلسطين في تلك الحقبة. ومن سمات الكتاب أن المؤلف يَذكُر هؤلاء المسؤولين البريطانيين آنذاك بالأسماء، وما قام كل منهم به من تجاوزات، في وقت كانت تدّعي فيه السلطة البريطانية أنها وقفت موقفا غير منحاز لأي جهة. كما يصف كيفية تهريب الأسلحة إلى العصابات الصهيونية بمساعدة هؤلاء المسؤولين البريطانيين. وفي الفصول اللاحقة يشبّه كرونن ما جرى آنذاك بصفقات الأسلحة التي عقدتها الحكومات البريطانية المتتالية سرا وخلسة مع إسرائيل، في فترة حكم حزب العمال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بقيادة هارولد ويلسون، ووزير خارجيته ودفاعه دينيس هيلي، وبعدهما في فترة مارغريت ثاتشر. ويخصص فصلا خاصا (الفصل الثامن) لمن يسميه المتواطئ الأكبر و«الملازم الوفي» لإسرائيل رئيس الوزراء العمالي توني بلير، الذي قاد بريطانيا من عام 1977 إلى 2007 واشرك بريطانيا إشراكاً مباشراً في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وفي تأييد حرب إسرائيل ضد لبنان عام 2006، وأصبح بعد ذلك مبعوثا «للجنة الرباعية» التي كانت تسيّر دفتها أمريكا في الشرق الأوسط، والتي سعت (حسب المؤلف) إلى تحويل السلطة الفلسطينية إلى شرطة تنفذ المطالب الأمنية لإسرائيل. وقد لعب بلير، حسب كرونن، دوراً رئيسيا في هذا السعي، قبل خروجه من منصبه في الرباعية عام 2016 وتحوله إلى مستشار لقادة دول غنية بالنفط، حيث جمع ثروة كبيرة.

التفوق العسكري لإسرائيل

ويقول المؤلف إنه منذ خمسين عاما وفرت بريطانيا الدبابات والأسلحة المتطورة التي اعتمدت عليها إسرائيل في حرب 1967 (حرب الأيام الستة)، أما اليوم فتتعاون بريطانيا وإسرائيل في إنتاج الأسلحة المتطورة جداً والطائرات من دون طيار، التي تقصف حيث تشاء ومَنْ تشاء من خصوم إسرائيل، بالإضافة إلى تطوير سلاح الطيران الحربي الحديث بالتعاون معها. ويؤكد كرونن تواجد مصانع أسلحة وقطع تبديل وغيار متطورة في بريطانيا تابعة لشركات إسرائيلية لصناعة الأسلحة وتكنولوجيا الحروب، ولكنها تستخدم أسماء مستعارة أو تعمل تحت مظلة شركات بريطانية وأمريكية للتسلح وتصدير الأسلحة. وهنا أيضا يذكر الكاتب أسماء هذه الشركات والمواد التي تصنعها وأماكن وجودها في بريطانيا والدول التي تصدّر معداتها وموادها إليها. ويأتي الفصل الخامس من الكتاب وعنوانه تسليح إسرائيل بين عامي 1953 و1956، فيتطرق إلى الضغوط التي مارسها رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، للحصول على الأسلحة المتطورة جداً، ومنها المواد لصناعة الأسلحة النووية من بريطانيا وفرنسا، وكيف خدَعَت بريطانيا الجهات العالمية المتخصصة بمنع الانتشار، ووفرت هذه المواد لإسرائيل عن طريق تحويل صفقة لها مع النرويج وصلت لاحقا إلى إسرائيل، تضم كميات من المياه الباردة المطلوبة للصناعة النووية التسليحية. كما يذكر أزمة حرب السويس عام 1956 وكيف حاولت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل تجاوز معارضة أمريكا بقيادة رئيسها دوايت آيزنهاور وشنت غزوا لمصر اضطرت للتراجع عنه بضغوط من آيزنهاور. أما الفصل السادس بعنوان «تسليح إسرائيل (1957 ـ 1979)» فيشمل تزويد إسرائيل بالغواصات الحربية، أيضا بطريقة غير مباشرة، إذ كانت ألمانيا السبّاقة في هذه الصناعة في ما ساهمت بريطانيا بوصولها إلى إسرائيل بطرق ملتوية.

بريطانيا كيسنجر

وفي الفصل السابع يتحدث عن دور هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، في التعاون مع بريطانيا والحلفاء الآخرين، لتهميش «منظمة التحرير الفلسطينية». ففي الصفحة (113) من الكتاب يشير المؤلف إلى أن الحكومة البريطانية تحولت إلى تابعة شبه كاملة لسياسة كيسنجر في الشرق الأوسط، واصبح كيسنجر يملي على بريطانيا السياسات المطلوب اتباعها في التعامل مع «منظمة التحرير الفلسطينية» ويفرض عدم التفاوض المباشر معها، إذا لم تنفّذ شروطه وشروط إسرائيل التي تؤدي في النهاية إلى تخلي المنظمة عن مقاومة الاحتلال. وكانت أمريكا في تلك الفترة تقدم البلايين من الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل.

المغضوب عليهم

وصارت الحملات تُشن ضد كل سياسي بريطاني يدلي بمواقف متعاطفة مع الفلسطينيين، حتى لو تعاطفت مواقفه في الوقت نفسه مع إسرائيل. ومنذ تلك الحقبة، تخلى السياسيون البريطانيون ورؤساء الحكومات (في معظمهم) في بريطانيا عن التحدث عن إسرائيل كدولة تمارس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين. كما وجهت حملات ضد قادة المجموعة الأوروبية «السوق الأوروبية المشتركة) الذين طالبوا بإنصاف الفلسطينيين، ووُصفوا بالمتخاذلين.

نخب الجريمة

ووصلت الحالة المزرية إلى ما هي عليه الآن في بريطانيا، حسب كرونن، فبدلاً من تجنب (على الأقل) موضوع «وعد بلفور» المخجل والمعيب، ودور بريطانيا في إنشاء وتطوير وتسليح دولة مارست وتمارس العنصرية والتطهير العـــــرقي ضد الشعب الفلسطيني، نجدُ قادة بريطانيا يدعون للاحتفال بوعد بلفور ويفتخرون بهذه الجريمة الكبرى التي ارتكبوها بدلاً من اعترافهم بها والمساهمة في تحقيق حلٍ عادل لضحاياها.