• 22 كانون الثاني 2018
  • ثقافيات

 

 

بقلم : وليد سالم

 

نشطت على مدى سنوات في القترة الاخيرة في مشروع عن الحرية الأكاديمية في جامعاتنا.

كان الدرس الاول الذي تعلمته من هذا المشروع أن لمؤسسات التعليم دور هام في التربية على الحرية بديلا للخنوع الاذعان. وفِي هذا الإطار ربما يجدر الإشارة إلى ما كتبه العالم التربوي العالمي باولو فريري حول التعليم البنكي( التعليم بالتلقين والزجر والتخويف، وخلق نظام الطاعة)، مقابل التعليم النقدي الذي يعتمد الحوار الحر في التداول والتفاعل بين الأفكار. التعليم الاول هو تعليم يبني العبودية ونظام الاذعان. أما التعليم الثاني فيربي على الحرية بما هي تحرر من القيود أولا، ومسؤولية تجاه ذاتها ثانيا، أي بحمايتها وصونها لي ولغيري في الآن ذاته.

في هذا الإطار ترد عدة أسئلة أطرحها للتداول والحوار حول جامعاتنا:

- هل يوجد حوار في جامعاتنا بين كافة مكونات العملية التعليمية؟. هل يصح للمحاضر مثلا أن يناقش العميد بصورة مفتوحة وبدون قيود وبدون انتقاء للكلمات " المناسبة"؟.  والاهم: هل يوجد جدال معرفي، وتطوير لمدارس فكرية ونظريات وآراء مختلفة يجري بينها سجال علمي محتدم يطور المعرفة؟.

-هل يحق للطالب والطالبة أن يقدما آراءهما وقناعاتهما؟ . أم أن عليهما الالتزام "بثقافة الصمت" كما أسماها باولو فريري والتي يترتب عنها أن أصمت ولا أصرح بقناعاتي بسبب الخوف من السخرية أو التسخيف أو الزجر أو القمع والتعرض للعقوبة؟.

في المقابل، لماذا نسمع بإستمرار سيما من الطلبة بأن عليهم أن يقولوا ويكتبوا وفق ما تم تعليمهم إياه؟ وليس وفق ما تمليه عليهم قناعاتهم؟.

- هل تقوم العلاقات بين الإدارات في جامعاتنا وبين العاملين فيها على أساس حرية التعبير، أم على أسس أخرى بيروقراطية مثل إحترام المقامات وإستخدام لغة التعبير " المقبولة" التي لا تزعج من هو أعلى؟ هل

يحدد لك مسبقا ماذا تقول ؟وكيف تقوله؟ . هل يطلب منك أن تصمت؟. وهل عندما تشكو تجد ردا، أم تقابل بالصمت والاهمال؟، وهكذا.

- لماذا تنتشر بين الطلبة أساليب مقاومة غير مباشرة وملتوية، مثل الغش في الامتحانات وفِي أوراق البحث، والطلبات المستمرة بدراسة ما هو أقل، والشكوى المستمرة من العبء الدراسي الكبير؟. كيف ننظر لهذه السلوكيات؟. هل هي سلوكيات " أصيلة" لدى طلبتنا، أم أن علينا أن نعيد التفكير بها بصورة مختلفة على أنها مقاومة ولو بصورة ملتوية ( وهذه عادة هي مقاومة الطرف الأضعف) لقمعنا وتلقيننا في الأسرة والمدرسة، وفِي الجامعة؟، هذا كله اضافة لواقع الاحتلال وتأثيراته ، وهي تأثيرات لم تنجح الأسرة والمدرسة والجامعة في تجاوز والحد من آثارها.

- لماذا يهبط المستوى الأكاديمي لطلبتنا؟. لماذا إنعدام التأهيل الجيد حتى في اللغة العربية؟ ولماذا الأمية شبه المطلقة في اللغة الانجليزية لديهم؟. ألا تعكس هذه المظاهر مشكلة في نوعية التعليم الذي نقدمه في مدارسنا وجامعاتنا؟.

تدخل هذه الأسئلة ضمن نطاق أوسع له علاقة بحرية الحرم الجامعي، وهي حرية ذات وجهين: الأول منهما ذو علاقة بعدم تدخل أطراف خارجية في فرض إرادتها على ما يجري في الحرم الجامعي ( كسلطات الاحتلال مثلا)، كما لها علاقة بأنماط العلاقات داخل الحرم الجامعي ذاته. مثلا: هل تتاح حرية الرأي والتعبير للجميع أم لا وبأي مقدار؟، هل هنالك انتخابات دورية لنقابات العاملين ومجالس الطلبة؟. هل هنالك مشاركة للمرأة في مؤسسات الجامعة على مختلف المستويات؟. هل العلاقات بين الأحزاب داخل الجامعة تقوم على حرية النقاش أم على محاولة السيطرة والتنفذ؟. هل الجامعات مؤسسات لتعزيز إنتاج المعرفة والمساهمة في تطويرها على المستوى العالمي، أم أنها مجرد " غرف تدريس وتلقين"؟ .وما هو دور الطلبة وليس فقط الأساتذة في إنتاج المعرفة وكيف ننمي ذلك؟

 

قرأت الْيَوْمَ في جريدة القدس مقالة للعالم العربي الدكتور " سليمان عبد المنعم" بعنوان " لماذا يبدع العرب خارج أوطانهم؟" وهو ما أعاد للذهن كل الأسئلة أعلاه ( وغيرها مما لم أورده بعد)، والتي عملت عليها في المشروع المذكور أعلاه لمدة توازي العشر سنوات. وكلي أمل أن تثير هذه الأسئلة بداية حالة حوار حول هذ الموضوع بتنا نفتقد إليها كمجتمع فلسطيني، وذلك على طريق تطوير جامعاتنا كمؤسسات لإنتاج المعرفة، ومن الحري التذكير هنا أن إنتاج المعرفة غير ممكن بدون حرية، وإلا إستمر هروب كفاءاتنا إلى الخارج لتبدع لغيرنا بدلا من أن تبدع منا ومن بين ظهرانينا من أجل خير البشرية جمعاء.