• 12 آيار 2018
  • ثقافيات

 

  القدس- أخبار البلد ـ كتب الكاتب ابراهيم حوهر مقالة  جميلة ، تمكن فيها من وصف حال القدس هذه الايام ، فهي كما هي تعاني وتعاني ، ونحن يسرنا في ” أخبار البلد“ نقوم بنشر كاملة المقالة كما نشرها الكاتب ابراهيم جوهر على صفحته في الفيسبوك : 

اذهب أنت وقدسك وقاتلا... واكتبا... واندبا

فإنا لكم غير سامعين!!! 

"الأبعاد الثقافية والاجتماعية والتاريخية في يوميات القدس"

عنوان الندوة التي سأشارك فيها مساء يوم الخميس 12 أيار على هامش فعاليات معرض الكتاب "فلسطين تقرأ".

أصدقائي في وزارة الثقافة لم يحددوا المقصود بـ"يوميات القدس" وكأنهم قالوا: اذهب أنت وقدسك وحدّدا!

وهكذا وجدت نفسي أسائل نفسي:

هل مصطلح "يوميات القدس" يقصد به ما كتبته على مدار أربعة أعوام بدءا من شباط 2012م.

أم ما كتبه "محمود شقير" في "مديح لمرايا البلاد"؟ وظل آخر للمدينة؟ أم تراه يهتم بمشروعه غير المكتمل عن جمال المدينة الخفي: شبابيكها وأزقتها وذكرياته معها بناسها وأسواقها وأحلامها؟

أم ترى المقصود ما تلتقطه عدسة "عيسى القواسمي" المواظبة يوميا عن الناس والجنود والسور والدكاكين والتجار ولاعبي النرد الذين أغلقوا أبواب محلاتهم وراحوا ينتظرون على هيئة لاعبي نرد؟

أم ما تؤرشفه ريشة "شهاب القواسمي" لأقواس المدينة وقلاعها وأبوابها ومآذنها؟

أو ما يفعله "سامي الجندي" من متابعة لحركة حراس المدينة، وما يلتقطه من نهفات ناسها وصبرهم؟

أو ما تكتبه أقلام هنا وهناك؟ وما كتبته "نسب أديب حسين" عن أسرار القدس التي أودعتها الكاتبة؟ أم ما يكتبه الفنان حسام أبو عيشة؟

هل تدخل "خيمة الصليب الأحمر" في يوميات القدس؟

وصلاة الجمعة في المسجد الأقصى؟ والاقتحامات المبرمجة يوميا لتفرض أمرا واقعا وتدرّب العين والأذن قبل القلب على قبول الواقع الجديد بعد التقسيم الزماني؟

هل الكعك المقدسي والحمص ومسرح الحكواتي ومركز يبوس الثقافي وحوش الفن ومركز ادوارد سعيد من يوميات القدس؟

أيّ "يوميات" يمكن أن أستعرضها في هذا اللقاء؟

في كتابي الصادر عن وزارة الثقافة "يوميات مقدسية" اخترت عنوانا رئيسا هو: "اقحوانة الروح" ويبدو أن مصمم الغلاف لم يجد العنوان ذا معنى فغيبه ودحره إلى الصفحة الداخلية الأولى.

"اقحوانة الروح": هي القدس – بجمالها وشكلها ولطفها وبراءتها. تتوسطها قبة صفراء وتحيطها أوراق بيضاء يلهو بها أطفال العالم باحثين عن الحقيقة متسائلين: نعم؟ لا؟ يحصل؟ لا يحصل؟....

في هذه اليوميات الممتدة على شهرين فقط يجد القارئ القدس بعين أخرى: يراها ويسمعها ويحزن لحزنها ويكفكف دمعها.

يجد تاريخا سياسيا وشخصيا وذكريات وذاكرة، ويجد حالا جديدا في المدينة.

إن في توثيق يوميات القدس أدبيا توثيقا لواقع المدينة الحزين وروحها.

فبالكتابة اليومية عن القدس ولها تحضر المدينة حضورا آخر مغايرا للواقع: حضورا فنيا ينقل جمالها الخفي الذي تراه عين المبدع في الوقت الذي تمرّ عنه العيون العادية مرورا عاديا روتينيا.

الكتابة عن القدس كتابة تعيد إليها روحها وتعيدها إلى أبنائها وتنقل لهم أسرارها وتدفعهم لعشقها أكثر.

من هنا فإن للكتابة عنها غاية أخرى هي تعزيز الانتماء، علاوة على استحضارها الدائم على طبق الحياة اليومية.

ولأن القدس مدينة مجبولة بالدم والثقافة والحضارة والتاريخ والأديان فلا بد إلا وأن تظهر هذه الأبعاد في اليوميات المقدسية ظهورا لافتا بحكم المكان وذاكرته وإيحاءاته.

هكذا مرّ الشاعر تميم البرغوثي في التجربة حين كتب قصيدة "القدس" وقبله محمود درويش، وكل من كتب للمدينة وعنها شعرا أو نثرا أو نصّا مسرحيا.

يوميات القدس الحقيقية بعيدا عن ما تنقله أقلام الأدباء هي يوميات حزينة. حزينة بما في الكلمة من دلالة حقيقية ومجازية:

الهجمة الاستيطانية متواصلة بعناد وتخطيط وتمويل،

والاقتحامات الدائمة يوميا لساحات المسجد الأقصى،

والتضييق على زوّار المدينة وأبنائها وتخويفهم لمنعهم من التواجد في الساحات وعلى البوابات وفي الطرقات ليغيب وجه المدينة القومي.

ومدارس تغيّب هوية التلميذ.

وفي أحياء المدينة المحيطة ينشط مراقبو البلدية وهم يتابعون حركة البناء ويصدرون أوامر الهدم والمخالفات المالية الباهظة.

وفي مسارح المدينة وفنادقها يمنع تنظيم أي احتفال أو مهرجان أو مؤتمر صحفي يكشف وجه الاحتلال.

الخناق يضيق حول رقبة المدينة،

والحال يقول: اذهب أنت وقدسك وقاتلا... واكتبا... واندبا

فإنا لكم غير سامعين!!!

--