• 5 تشرين أول 2018
  • ثقافيات

 

 

القدس- أخبار البلد -  ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب "قضيّة في المدينة المقدّسة" للشّابّ المقدسيّ اسحاق الطويل الصادر هذا العام عن داري الرّعاة في رام الله وجسور في عمّان، ويقع الكتاب الذي صمّم غلافه الأوّل رامي القبّج في مئة واربعين صفحة من الحجم المتوسّط. 

وقال جميل السلحوت  الكاتب المعروف : واضح أنّ كاتبنا الشّابّ معجب بأدب المغامرات والأدب البوليسي، كما يتضّح من خلال هذا العمل أنّ الكاتب يمتلك خيالا خصبا لا حدود له.

وفي البداية فإنّني أتساءل حول عدم تصنيف الكاتب والنّاشر لهذا الكتاب، فمن قرأه سيجد نفسه أمام رواية اعتمدت السّرد الحكائيّ الذي لا ينقصه التّشويق.

وقد جاء في الرّواية ثلاث حكايات عن جرائم وخرافات خياليّة، قام بحلّ ألغازها المحقّق الشّابّ الموهوب "آدم"، الذي لم يتركه الكاتب ليتحرّك في الرواية بحرّيّته المطلقة، بل كان يوحي للقارئ من خلال السّرد بأنّ "آدم" هذا سيستطيع حلّ اللغز، وهذا ليس في صالح النّص.

وقد احتوى هذا النّص على مئات الأخطاء اللغويّة، كما أنّه الضّعف في صياغة بعض الجمل واضح بشكل جليّ، وتكرار بعض الكلمات مثل "قد" بطريقة تضعف الجملة وتنفّر القارئ.

لم تخلُ الرّواية من الوعظ والارشاد، خصوصا في صفحاتها الأخيرة. وكان بإمكان الكاتب أن يستغني عن الفقرة الأخيرة في الرّواية، والتي هي عبارة عن تفسير لما أراده في النّصّ المباشر، مع أنّه واضح خلال اللغة البسيطة جدّا، وهذا أيضا ليس في صالح النّص.الرواية تصلح لليافعين.

 وقال المشارك في ندوة اليوم السابع ”سامي قرّة“::ولادة الرواية البوليسية في الأدب الفلسطيني

مقدمة: كتابة الرواية البوليسية في الأدب العربي عامة وفي الأدب الفلسطيني خاصة مغامرة يُستحق القيام بها، فالأدب العربي يكاد يخلو من الروايات البوليسية، ولذلك أية محاولة لإدخال مثل هذا النوع من الأدب وتعميمه ضمن الثقافة العربية جديرة بالترحيب. يتطرق الروائي المغربي شعيب حليفي إلى وضع الرواية البوليسية في الوطن العربي في مقالة له نُشرت في مجلة فصول الصادرة في كانون الثاني 2010 ويقول: "أن إنتاج الرواية البوليسية في الوطن العربي متعثر وشبه منعدم، الأمر الذي لم يسمح بتبلور رواية بوليسية عربية بالمواصفات المعروفة". وفي هذا السياق تشكل رواية قضية في المدينة المقدسة للمؤلف اسحاق الطويل الصادرة عام 2018 عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور للنشر والتوزيع خطوة أولى متواضعة نحو وضع اللبنات الأساسية للرواية البوليسية في الأدب العربي الفلسطيني. وفي حين نجد أن السواد الأعظم من المؤلفين الفلسطينيين الروائيين منهم والشعراء منهمكون في معالجة قضايا وطنية وسياسية واجتماعية في كتاباتهم، نجد أن المؤلف اسحاق الطويل يتخذ منحًى روائيا جديدا ويقدّم للقارئ رواية بوليسية جديدة قوامها الإثارة والتشويق، إذ يبقى القارئ في حالة شغف واشتياق لاستكمال أحداث الرواية بأكملها عند قراءتها.  

الرواية البوليسية: الرواية البوليسية هي قصة غامضة تنطوي على ارتكاب للجريمة واكتشاف الجاني، وفيها تكون عادة الشخصية الرئيسية هي محقق خاص يقوم بحل ألغاز الجريمة عن طريق الملاحظة والتفكير المنطقي وبناء الاستنتاجات. وعادة تتكوّن الرواية البوليسية من خمسة عناصر رئيسية يمكن إيجازها فيما يلي: (1) الجريمة التي تبدو في البداية صعبة الاكتشاف؛ (2) المشتبه به الذي تشير الأدلة الظرفية إلى ارتكابه الجريمة؛ (3) عمل الشرطة وتخبطها في التعامل مع الحدث؛ (4) تدخل المحقق الخاص الذي يتمتع بقوة ملاحظة وذكاء حاد؛ (5) وأخيرًا النهاية غير المتوقعة التي يكشف فيها المحقق هوية الجاني. وهنا يمكن الإشادة بالمؤلف إسحاق الطويل؛ لأنه في كافة القصص الأربعة التي يقدمها لنا في روايته نجد أنه يلتزم بهذه العناصر الخمسة مما يضفي على القصص وحدة الحبكة، أي أن هناك في كل قصة مجموعة من الأحداث ترتبط فيما بينها بعلاقة سببية ولها بداية ووسط ونهاية. ولا يوجد فيها أي حدث أو أي شخصية أو حبكة فرعية لا تدفع الحدث الرئيسي نحو نهايته. فلنأخذ على سبيل المثال قصة "جريمة الغرفة المغلقة" ونحاول معا التعرّف على العناصر الخمسة المذكورة.

الجريمة التي تحدث في هذه القصة هي جريمة قتل. يُخبرنا الراوي إيهاب أنه عندما دخل هو وآدم ومدير الجامعة ريجسكي الغرفة التي صدر منها صرخة مدوية وجدوا "جثة مدرس التربية الرياضية المدرب ديمتري ذي (29) عاما مصابا بطلق ناري في الرأس، وجثة شابة تدعى لودميلا ذات (25) عاما وكان يخرج من فمها زبد أبيض يدل على التسمم" (ص 26). أمّا المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة فهم المدير ريجسكي، ومدرسّة الميكانيكا ليليا، ومُدرسّة اللغة الروسية سارة، ومعلم التاريخ ألكسندر وعامل النظافة سنيجكي. هؤلاء جميعهم كانوا في المبنى الغربي للجامعة حيث أرتكبت الجريمة بين الساعة الخامسة والسادسة. فالأدلة الظرفية تشير إلى أن واحدا منهم أو أكثر قد ارتكب الجريمة، وهذا ما دعا آدم لاستدعائهم؛ لأنه أراد أن يسمع منهم لماذا توجهوا إلى القسم الغربي بذلك التوقيت؟ يحاول فريق التحقيق من الشرطة برئاسة غربشتوف حلّ القضية، لكنه يتخبط ويفشل؛ لأنه لا يحاول الكشف عن تفاصيل القضية، إنما يبني استنتاجاته على ما يُدلي به آدم وعلى الإفادات التي يجمعها ونتائج التحقيق الأولي. فهو يقفز إلى النتائج ويقول بتسرع: "تبدو أنها أسهل الجرائم التي واجهتها وهي منتهية على ما أظن. حيث أن كلاهما قد قتل الآخر" (ص 26). إلا أن آدم يبيّن أن المحقق غربتشوف على خطأ، وبذكائه وفطنته يتلو على غربتشوف مجريات الحدث، ويكتشف عدة أمور غامضة تؤدي به إلى اكتشاف الجاني، كما نرى أن آدم يعاين مسرح الجريمة جيدا؛ كي يكتشف أثارا تمكنه من حل لغز حدوث الجريمة، فيرى ما لا يراه غربتشوف من آثار تقييد أحدثه سلك بلاستيكي على يد الفتاة لودميلا، كما يرى أن هنالك تناقضا بين موقع وجود الجثث في آخر الغرفة والنافذة المسكورة في مقدمة الغرفة، إذ "لم يكن هناك وقت كثير بين صوت تكسر الزجاج وصوت الصرخة التي سمعناها  ودخولنا إلى الغرفة" (ص 28). أخيرا يتمكن آدم من التعرف على هوية الجاني بعد سلسلة من الأسئلة يطرحها على المشتبه بهم، والتي يتلاعب بها بهم بطريقة درامية شيقة تؤدي بسارة إلى الاعتراف بأنها هي من قتلت المدرب ديمتري والشابة لودميلا.

إسحاق الطويل وآرثر كونان دويل: بالطبع لا مجال هنا للمقارنة بين كاتب مبتدئ يحاول شق طريقه في عالم الرواية البوليسية مثل الأستاذ إسحاق الطويل، وبين كاتب يعتبر ديناصورا عالميا في مجال كتابة الرواية البوليسية مثل الكاتب الأسكتلندي آرثر كونان دويل. لكن لا بد هنا من إثارة بعض النقاط التي تشير إلى تأثر المؤلف إسحاق الطويل بالكاتب آرثر كونان دويل.

وكما يقول الأستاذ جميل السلحوت في مقالته  بعنوان "قضية إسحاق القرار وحتى الشعب نفسه وهي الغدر والكذب والخيانة؛ لأن هذه الصفات ستؤدي في نهاية المطاف إلى الهلاك..

وكتبت سوسن عابدين الحشيم:

يبدو أنّ الكاتب متأثر بالأدب الانجليزي وبقصص تشارلوك هولمز للكاتب الانجليزي ارثر كونان دويل، فالكاتب اخترع شخصية المحقق المقدسي آدم وبراعته في اكتشاف المجرمين والألغاز لقضايا كثيرة، ممّا جعله مشهورا كأفضل محقق، كما شخصية تشارلوك هولمز. استخدم الكاتب أسلوب السرد الواقعي والمنطق في تحليله للأمور واستخدام الافتراضات الواقعية بعيدا عن الخيال . قسم الكاتب الرواية الى أربع قضايا، اثنتين كان المكان فيهما أوكرانيا حيث يدرس أبطال الرواية آدم وإيهاب. كانت القضية الأولى جريمة قتل لفتاة وحبيبها في مبنى سكن الجامعة وسميت بجريمة الغرفة المغلقة، يتدخل البطل آدم ويكتشف القتلة فيذيع صيته في أوكرانيا ويستخدمه الضابط في عمله، ويصبح محققا مشهورا، وتم استخدامه في القبض على مجرم مشهور وبتدخل من الانتربول، وقد لقب بالعبقري لفطنته وذكائه في بيع الأسلحة وتهربه من الشرطة، وعدم تمكنهم من الإمساك به. والقضية الثالثة  هي قضية تشرنوبل وحل لغز البيت المسكون، واكتشافه القبو بين البيتين حيث كان الأخ يخفي إخوته اثر الحروق والتشويه على وجوههم بعد احتراق المفاعل النووي في تشرنوبل.. كانت آخر قضية هي في القدس وحل لغز الصناديق واحتوائها على غاز مخدر، كان الأب قبل وفاته قد أوصى أبناءه بفتح الصندوق، وذلك ليعلمهم درسا بالأخوة والاخلاص والوفاء ... نجح الكاتب في وصف الشخصيات وسرد الوقائع، وذكر التفاصيل والحبكة في حل الألغاز من قبل شخصية هولمز القرن الواحد والعشرين كما لقبه في الرواية. زمن الرواية هو في التسعينات القرن العشرين، يروي قصصا وقضايا بوليسية، يساعد البطل صديقه إيهاب كما شخصية هولمز في أواخر القرن الماضي ومساعده الدكتور واتسون. عنصر التشويق كان واضحا في الرواية، حيث تسلسل الكاتب بالأحداث، ممّا يشجع القارئ لمعرفة نهاية القصة وحل اللغز الذي كان يفاجئنا به الكاتب، ولكن الرواية كانت تشمل عدة قضايا ولم تأخذ كل قصة حقها، فكل قصة تبدأ وسرعان ما يوصلنا الكاتب إلى النهاية دون ترك المجال للقارئ للتفكير والتحليل. ربما تناسب فئة الشباب هذه الأيام فنحن في عصر التكنولوجيا والسرعة الفائقة في تحليل كل الامور.