• 6 آب 2019
  • ثقافيات

 

  القدس – أخبار البلد -  بعد ان قامت قوات الشرطة الإسرائيلية بإغلاق مركز يبوس  تنفيذh لقرار وزير الامن الداخلي الإسرائيلي،  وذلك  منعا لإقامة حفل تابين الدكتور صبحي غوشة، سارع الكاتب المقدسي عزام أبو السعود والذي ارتبط بعلاقات مع المرحوم صبحي غوشة  بنشر نص كلمته التي  كان المفترض أن يلقيها  في حفل تابين  المرحوم غوشة،  بنشر الكلمة كاملة في صفحته على الفيسبوك و يسعدنا في شبكة " أخبار  البلد" ان ننرها كاملة لما تحتويه عن معلومات قد تبدو غير معروفة بالنسبة للكثيرين وخاصة الجيل الجديد  من أهل القدس:

 

أيتها الأخوات... أيها الأخوة

 

جمعتني بالدكتور صبحي غوشة علاقة طويلة زمنيا، بدأت منذ كنت فتى صغيرا، حين بدأ اسمة يزداد ترددا في القدس، كطبيب للفقراء أولا وكمؤسس لرابطة خريجي الجامعة الأمريكية، ثم كمؤسس لجمعية المقاصد الخيرية، وكعضو يحصل على أعلى الأصوات في انتخابات مجلس بلدية القدس عام 1958، وبفارق كبير عن من يليه، وكنا نسمع أنه كان يشكل عنصر المعارضة لكثير من القضايا المطروحة أمام المجلس. وازداد اسمه ترددا أيضا مع تعدد المرات التي اعتقل بها من قبل السلطات الأردنية... كانت آمالنا في ذلك الوقت معلقة بجمال عبد الناصر، وبفكر عبد الناصر القومي الوحدوي،بتأميم قناة السويس، وبحرب عام 1956، بالسد العالي .. وبالوطنية ... ووجدت أن الدكتور صبحي غوشة يتكلم بنفس لغة عبد الناصر القومية والوطنية.. لذا أعجبت بالرجل دون أن أراه .. لكن ظروف صداقتي وزمالتي المدرسية بشقيقه منذر جعلتي أراه وأستمع اليه وأحبه!

وكم كانت دهشتنا حين ترشح صبحي غوشة لإنتخابات الأمانة عام 1962 وهو داخل السجن، وأن السلطات الأردنية أفرجت عنه قبل أيام قليلة من التصويت، فلم يتمكن من عمل دعاية انتخابية كافية كباقي المرشحين الذين ملأت صورهم جدران القدس .. لكنه فاز مرة أخرى وبأعلى الأصوات أيضا! وسمعت أنه قدم استقالته من المجلس بعد ذلك بسنوات ثلاث... وكنت حينها في الجامعة ولم أعرف السبب في استقالته، ولم أكن في القدس حين اعتقل وابعد من قبل الإسرائيليين.

عندما زارني الدكتور صبحي في مكتبي بالغرفة التجارية بباب الساهرة عام 1999 ، وكان قد تم تعييني عضوا بمجلس أمانة القدس ، كان أول أسئلتي له عن الخلافات داخل مجلس الأمانة في السنوات السبع التي قضاها عضوا فيها وقبل حلها من قبل السلطات الاسرائيلية وعن سبب استقالته؟

قال لي إن معظم الخلافات كانت ناتجة عن إصرار المجلس على تنفيذ قانون المجالس البلدية الذي وضعه خبير انجليزي اسمه كندال، وكان مستشارا للبلدية بعد ذلك، حيث حظر القانون بناء أبنية متعددة الطوابق، 3-4 طوابق بحد أقصى، وكانت مساحة البلدية في ذلك الوقت أقل من 4 كيلومتر مربع، وقد كان صبحي مع زيادة مساحة البلدية والبناء العمودي ليتسنى للمدينة أن تتوسع.. وكانت هناك محسوبيات ومصالح فردية واضحة فيها تجاوزات يتم تمريرها، وكان يعترض عليها.

وفي المجلس الثاني للأمانة تمت توسعة حدود البلدية لتشمل سلوان وراس العامود إلى الشرق، وشعفاط وأجزاء بسيطة من بيت حنينا إلى الشمال، وكان صبحي يرى بضرورة توسعتها أكثر لتشمل كل بيت حنينا وضاحية البريد وكذلك العيزرية وأبو ديس.. أما السبب المباشر للإستقالة فقد كان عندما قررت البلدية سحب مياه وادي القلط إلى القدس ، وأن الأمانة قررت شراء الماء من عائلة الحسيني، باعتبار أن النبع يقع في أراضيهم، بينما آمن هو بأن الماء هو هبة من الله وهو ملك للأمه ولا يجب دفع ثمن الماء لأي كان حتى لو وقع النبع في أرضهم! لذلك استقال من عضوية البلدية رغم اعتراض حركة القوميين العرب التي انتمى إليها على استقالته!

خلال خمسة عشر عاما زاملته في عضوية مجلس الأمانه بين اعوام 1999-2015، اتفقت واياه على أن نعمل ما استطعنا للقدس، لكن القرار السياسي كان عكس إرادتنا.. لأن العمل يتعارض مع ما اتفقوا عليه في اوسلو من تأجيل موضوع القدس للحل النهائي الذي لم يأت بعد، ولن يأت إلا بعد " خراب البصرة".. ورغم ذلك كان الدكتور صبحي يرفع معنوياتي عندما يرى الإحباط باد في عيناي .. يقول لي دوما تيأس ... هناك أمل ولن يصح إلا الصحيح!

رافقت الدكتور غوشة في أكثر من رحلة، لكن سفرنا إلى اليمن " حين كان اليمن سعيدا" قبل أكثر من عشر سنوات كان مميزا.. رأيت صبحي غوشة الإنسان .. الإنسان الذي رفض أن يذهب معنا في رحلة للتعرف على بعض معالم اليمن، وأصر على البقاء في الفندق إلى جوار زميلنا وأستاذنا طاهر النمري حين أصيب بوعكة صحية .. بقي معه يعالجه ويراقبه، وكان بإمكانه أن يعهد ذلك إلى طبيب الفندق .. لم يفعل وحين عدنا من رحلتنا وجدناه في غرفة الأستاذ طاهر يطمئننا بأن حالته تتحسن.... 

لدي الكثير لأحدثكم به عن هذا الرجل الشهم .. لن أطيل عليكم...  فقد غادرنا صبحي غوشه إلى العالم الآخر .. لن ننساه ... رحمه الله!