• 4 كانون أول 2019
  • ثقافيات

 

بقلم: تحسين يقين

 

كون المسألة الفلسطينية التي تكاد تتم قرنها الأول من أكثر المسائل التي تناولها القول والوصف والتصوير، وكونها الاكثر حضوراً في الصحف اليومية كخبر يومي في مختلف بلاد العالم  فإن ذلك يفسر استخدام نبيل عناني الفنان التشكيلي الفلسطيني المعروف للكثير من قصاصات الصحف بما فيها من كلام وصور في تقنية وخامة "الكولاج" في لوحته الشهيرة "يسقط الاحتلال" التي أراد من خلالها ابراز معاناة الشعب الفلسطيني الطويلة وما سيلزم ذلك انسانيا وومنطقيا  من وضع حد لها، فقد آن الأوان ومنذ زمن، بل منذ كان أن يرحل الاحتلال .. ويسقط بعيداً عنا.. كورقة جافة تذروها الرياح...

لم يسم عناني لوحته بيسقط الاحتلال، لكن عبارة "يسقط الاحتلال" باللغة العربية تقدمت أسفل اللوحة من الامام باللغة العربية أفقياً وتحتها باللغة العبرية ترجمة لها، في حين أثبت الفنان رأسياً العبارة نفسها باللغة الاتجليزية ...لتشكل معا لكمة فنية للاحتلال.

قصد الفنان عناني من وراء أسلوب الكتابة بهذا التشكيل المعروف في الطوابع البريدية بشكل خاص، هو الطموح الى جعل اللوحة بمثابة طابع فلسطيني يسعى الى نشره في العالم وأظنه سيكون سعيداً ومطمئناً أن رسالته كفنان فلسطيني ستصل اذا استخدمتها دولة كطابع بريدي انتصاراً للحق الفلسطيني في التحرر والاستقلال وإنهاء الاحتلال غير الشرعي، وثمة تشابه بين رسالة الفنان عناني و الرسالة العادية التي يثبت على مغلفها الطابع البريدي.

إنها شعار قصير بمنطق فني بسيط ، حيث يسهل الفهم والتعرف على هوية اللوحة وقضيتها، بقصد المناداة على العالم أجمع بأروع طريقة حضاريا لإسقاط الاحتلال.

 يبدو رسم الفلسطيني بنصفه الأعلى أقرب الى الصبر، والصمود، والحزن والعتاب والغضب، مشاعر كثيرة يمكن ان يستلهمها مشاهد اللوحة لهذا الفلسطيني  الذي لم نر وجهه غير صفحة من قصاصات الصحف. لقد احتلت قصاصات الصحف وجهه وجسده، وحتى خلفية الصورة ايضاً، أصبح الفلسطيني صورة نمطية، لذلك ليس غريباً أن يصور و يرسم بالكلمات والصور، فهذا هو حال فلسطين كلمات وصور في وسائل الإعلام.

لقد ملّ الفلسطيني الكلمات والصور حتى تلك التي تتحدث عنه إيجابياً، مل هذا الثقل الذي يدل على استمرار وجود الاحتلال الثقيل.

لم تغط الكلمات قصاصات الجرائد، وجه الفلسطيني ذي الكوفية والعقال العربي(يرتدي ذلك الرئيس عرفات أشهر شخصية فلسطينية وعالمية) فحسب بل أحيط الوجه بكلمات متقاطعة، لقد ظهرت الكوفية المحيطة بالرأس على شكل عدد من المربعات التي تحتوي على ما  يعرف في الصحف والمجلات بالكلمات المتقاطعة التي يتعب الشخص في البحث عن حروف الكلمات التي تتقاطع أفقيا ورأسياً معاً... ويحاول اكتشاف العمودي من الافقي وبالعكس، وقد لايكتشف إنها حلول وحلول بديلة. بالإضافة إلى مربعات الكلمة الضائعة!

فهل حل قضية فلسطين والبدائل المختلفة لهذا الحل بعيدة عن هذا الشكل الرمزي؟ إن في ذلك لسخرية وعبث واحتجاج على الاحتلال والنظام الدولي والأسرة الدولية ... وعلى قرارات الأمم المتحدة حول فلسطين، تلك القرارات الكثيرة بأوراقها الكثيرة ... 

ورغم أن الشكل في لوحة عناني (يسقط الاحتلال) يتفق مع الوثائق الفلسطينية ومنها الطوابع والعملات التي ظهرت في زمن الانتداب البريطاني" على فلسطين الذي كان بداية فعلية للاحتلال الذي نعاني منه الآن وما زلنا، الا أن الفنان نبيل العناني لم يستخدم قصاصات قديمة تتناول فلسطين من الصحف القديمة التي كانت تواكب الاحتلال البريطاني لفلسطين، والذي أثقل على فلسطين وأنهكها أيضا... ومهد لقتلها. وقد أملنا أن نرى منها، كون الفلسطيني يعاني من كل الاحتلالات التي تناوبت عليه. ويبدو اأن عناني كان مهموماً بالاحتلال الأخير، أبشع احتلال وأسوأه، دفعه لذلك الأحداث الأخيرة في انتفاضه الاقصى، حيث جرائم الاحتلال الطويلة الوقحة اللاإنسانية.

لذلك سيرى المشاهد اللوحة وسيقرؤها بدءاً بعبارات يسقط الاحتلال وسيتأمل، ملامح الجسد العلوي، الرأسي خصوصا…ثم سيبدأ بقراءة متأنية لما اختاره نبيل عناني من قصاصات الصحف وللمتذوق لهذا اللون الفني، سيحاول ربط المكتوب بالمكان من الجسد.

قصاصة عن الكلمة الضائعة عند العين هل لهذه دلالات؟ قصاصة فيها عنوان المؤتمر البرلماني العربي كمدخل عنوان، والعنوان عن إنقاذ القدس قرب الفم، جاءت كشكل ثلاث خطوط متوازية هل لهذه دلالات؟ مثل أغلق فمك؟

قصاصات المجازر: مخيم جنين، شهداء الخبز، اسنشهاد كبار السن، مجزرة رفح، وقصاصات الحصار والاغتيالات لها خلفية حمراء خفيفة اللون فيما كان عنوان "شهداء الخبز" بالأحمر لانه هكذا ظهر في الصحف كدلالات دموية ...، فهذه القصاصات الحمراء تفضح و تصور الدم الفلسطيني المسفوك ظلماً من قبل الاحتلال الذي يجب أن يسقط.

 

الأشخاص في الصور يدلون على فلسطين ويصورون حالها هذا متظاهر يصرخ دلالة الاحتجاج والتحدي، مسن يمشي شارد العينين رجل يبكي ربما على أنقاض بيته المهدوم أو بسبب استشهاد ابنه، البيوت المهدمة وصعوبة المواصلات في ظل الحصار (استخدام الحيوانات)

 يعلو الرأس بقعة خضراء وهي النجمة الثمانية للوجو صحيفة الأيام الفلسطينية، في حين  جاءت خلفية اللوحة مزيجاً من القصاصات والرمل المترب البني المصفر الذي له علاقة بالأرض والمكان وترك هامشاً صغيراً مستطيلاً أزرق كنافذة توحي بالأمل وسط كل هذا السواد والدم. 

فهل يُسقط نبيل عناني الاحتلال؟ هذا ما يطمح إليه الفن والحق والجمال ولنسقط جميعاً الاحتلال كل بأسلوبه، وليس أمام الاحتلال إلا طريق واحدة السقوط بلغته أو بلغتنا أو باللغة العالمية وبكل اللغات، فلنطبع هذه اللوحة ولنوزعها في الداخل في المظاهرات والاعتصامات وفي الخارج في مسيرات التضامن فمن يبادر إلى ذلك؟

يسقط الاحتلال لنبيل عناني إسهام عظيم  للفنان الفلسطيني في تنمية فعل الشعب باتجاه تعميق إسقاط الاحتلال، ولوحة سيقبل عليها الناس لأنها تعبر عنهم ،وعن هدفهم بالخلاص من الاحتلال.