• 28 حزيران 2020
  • ثقافيات

 

عمّان –  أخبار البلد - ناقش عدد من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين العرب كتاب المفكر العربي اللبناني د. جورج قُرم "الفكر والسياسة في العالم العربي : السياقات السياسية والإشكاليات من القرن التاسع عشر حتى القرن الواحد والعشرين"، في لقاء عبر الاتصال المرئي استضافه منتدى الفكر العربي ،وحاضرت فيه د. فدوى نصيرات أستاذة التاريخ الحديث في جامعة فيلادلفيا التي قدمت دراسة لخصت محاور الكتاب وأضاءت جوانب من أبرز القضايا التي عالجها، بمشاركة مؤلفه د. قُرم، وشارك في مداخلات هذا اللقاء الذي أداره الأمين العام للمنتدى والوزير الأسبق د.محمد أبوحمور كل من: سميرة بن رجب الكاتبة والمفكرة ووزير الإعلام – سابقاً – ومبعوث خاص للديوان الملكي من البحرين، والإعلامي المعروف سامي كليب من لبنان، والمفكر د. إبراهيم بدران مستشار العلاقات الدولية في جامعة فيلادلفيا بالأردن وعضو المنتدى ، والمؤرخ د. علي محافظة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية وعضو المنتدى.

وأشارت د. فدوى نصيرات في محاضرتها إلى أن مؤلف الكتاب د. قُرم ينتمي إلى جيل المفكرين النقديين الموسوعيين، الذين يناقشون المشكلات الثقافية والسياسية والاجتماعية ضمن منظور منهجي متعدد المنابع، يستقي من المعرفة الحديثة ويقرأ التراث بعمق ورصانة، ويسبر العلاقات المصيرية بين الكتلتين الثقافيتين الكبيرتين: الشرق والغرب ضمن مسافة نقدية تتيح تأمل الواقع والوقائع بروية وعمق .

وأضافت د. نصيرات أن هدف الكتاب يتلخص في ضرورة إعطاء القارىء العربي وغير العربي نظرة شاملة عن غنى الفكر العربي المعاصر وخصوبة أطروحاته، كما يُطلع الجمهور الواسع على الوقائع الفكرية للعالم العربي في ارتباطها بالسياق الاجتماعي والاقتصادي الحي، ويطرح القضايا الرئيسة في سياق حضاري معقد يسيطر عليه التمزق، والعنف والإرهاب، والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والعلمي، مع محاولة المؤلف د. قُرم الإجابة عن الأسئلة التي يمكن طرحها بشأن العلاقة بين الفكر السياسي العربي والفشل في التكيف مع حقائق العولمة الاقتصادية وعصر الاكتشافات العلمية والتقنية.

وعرضت د. نصيرات لفصول الكتاب بشكل مفصل ضمن معطيات تنوع الثقافة العربية وحركيتها، مما يدعو المؤلف إلى المناداة بوجوب التمييز بين المنجزات العظيمة للحضارة الإسلامية التي كان للعرب دور رئيسي فيها وبين الثقافة العربية التي كانت موجودة قبل الإسلام. وكذلك التمييز بين الفكر الديني والفكر السياسي العربي، ذلك أن هناك التباسات فكرية يعانيها الفكر العربي المعاصر نتيجة الانكفاء على الهوية الدينية على حساب الهوية الثقافية، مما شكل حجر عثرة في تطور المجتمعات .

ويشتمل كتاب د. قُرم على دراسة للنهضة العربية ما بين 1850-1950، ونظريات وأحزاب القومية العربية 1940-1980 والأشكال الأخرى للقومية العربية، والفكر العربي في مواجهة الإخفاقات السياسية والعسكرية منذ عام 1961، وأنواع القوميات الإسلامية كفكر مناهض للقومية العربية، وغير ذلك من فصول التي تنتهي بنتيجة يقررها المؤلف ومفادها ذبول العلوم الإنسانية والاجتماعية العربية في ميادين الفكر العربي، مما جعل الأجيال الحالية من المثقفين تعاني تجزئة المعارف والتخصصات الصارمة في العلوم الإنسانية، وبالتالي الفقر النسبي للإنتاج العربي في هذه العلوم وضعف ميزانيات البحث، والتطبيق المحلي لمنهجيات علم الاجتماع الغربي، في حين أن الجامعات الأجنبية والمراكز البحثية الكبرى في الغرب وفروعها في المنطقة العربي تمتلك إمكانيات مالية كبرى، الأمر الذي يكون فيه البحث معداً لتلبية احتياجات الأجندات السياسية والاقتصادية الغربية، وليس حل المشكلات الداخلية للبلدان العربية

وقال الأمين العام للمنتدى د.محمد أبوحمور في كلمته التقديمية : إن منتدى الفكر العربي منذ تأسيسه من قبل رئيسه وراعيه سمو الأمير الحسن بن طلال ونخبة من المفكرين العرب في مطلع الثمانينيات، معني بإعادة تشكيل الرؤية العربية المشتركة إزاء مجتمعاتنا في الوطن العربي وقدرتها على دخول العصر الحديث، والتفاعل مع التطورات العالمية، ولا سيما في ما يتعلق بالحقوق والعدالة، والمشاركة والديمقراطية والتعددية، وحق تقرير المصير، والحفاظ على ثروات الأمّة وضمان مستقبل أجيالها .

وأضاف د. أبوحمور أن تلاقي الجهود الفكرية والحوار بين أهل الفكر والرأي من شأنه أن يعود بالخير على صالح الأمّة وأبنائها في حياة عنوانها الكرامة؛ كرامة العقل والتفكير، وكرامة العيش، وكرامة الإنسان ككل والمجتمع دون تميز، وعلى أسس النزاهة والكفاءة، وفي إطار من الارتباط بواقع المجتمعات الإنسانية والالتزام بالقضايا المصيرية، ما يكسب الفكر سماته من الأصالة والمعاصرة، والقدرة على التحول إلى ثقافة نهضوية جديدة .

ودعا مؤلف الكتاب د. جورج قرم في تعقيبه إلى الحذر من الوقوع في فكرة "الجوهرانية" بمعنى عدم تغير الشعوب والثقافات بسبب وجود صفات أبدية أو أزلية لها، مما يقتل فكرة تطورها وفق سنن الحياة، وقال : إن فكرة "الجوهرانية" مستوردة من الفكر الغربي الألماني وانتقلت إلى روسيا في مرحلة معينة، فهي ليست إنتاجاً عربياً، وبالتالي من المهم تأكيد قضية الاستقلال الفكري الفلسفي بحيث لا يظل هذا الفكر جامداً وأسيراً لتراث قديم، ولا يقع من جهة أخرى في عبودية أفكار الغرب، وفي إشكالية الأصالة والحداثة التي وقع فيها بعض مفكري الغرب أيضاً .

وأشار د. قُرم إلى أن الإنشطار في الكتلة العربية جاء بعد اختلال التوازن بين البيئات المتنوعة اجتماعياً، على إثر مرحلة ظهور النفط والأجندات الغربية في التعامل مع الثروات العربية، مؤكداً ضرورة الإجابة عن السؤال المتعلق بأي الإمكانات يمكننا إدراك العالم، هل بإمكانات الثقافة العربية أم الاستشراق الآتي من الغرب . وفي هذا الصدد دعا للإلتفات إلى أعمال مفكرين عرب كُثر أغنوا الفكر العربي والعالمي بالرؤى والأفكار المستنيرة .

وشدد د. قُرم على أنه لا يمكن تدمير الشخصية العربية كما تريد الدوائر الصهيونية وهذا ما يجب على هذه الدوائر أن تفهمه، لكن في الوقت نفسه فإن وجود النخبة الواعية هو ضرورة نحو التغيير في منهجيات التفكير ومزيد من الوعي لمسارات العالم .

 ومن جهتها دعت الكاتبة والمفكرة سميرة رجب إلى دور فاعل للفكر العربي في إيجاد الحلول لخلاص العرب من أوضاع التردي بسبب الخلافات والهيمنة الخارجية وتعدياتها على السيادة العربية، وقالت : ألم يحن الوقت لمشروع النهضة العربية أن يوضع وتكون هناك من السبل المناسبة ما يمكِّن من امتلاك مقومات هذا المشروع، وفي مقدمتها الإرادة المستقلة عن أي هيمنة.

كما دعت الكاتبة رجب إلى تجديد الفكر العربي الذي لا يزال يترنح تحت سياط سايكس – بيكو من جهة، والماضوية من جهة أخرى، حتى بات العقل العربي مشلولاً وفاقداً القدرة على دفع الأمّة إلى دور تاريخي يضع العرب على قائمة الحضارة الإنسانية، التي تتجاوز اليوم مرحلة الصناعة إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي بامتياز، مشيرة إلى أهمية امتلاك دور في التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشكل أساس الصراع الحالي والمستقبلي في النظام الدولي الجديد القادم، والذي سيستمر حتى نهاية القرن أو حتى ظهور تحولات كونية جديدة تدعو إلى التغيير .

ودعا الإعلامي سامي كليب إلى التخلص من مشكلة التقليل من شأن الذات، واعتبار الآخر غربياً كان أم شرقياً أفضل منا؛ مشيراً إلى أن الفكر العربي لديه عقول سبقت مفكري الغرب في التنبه إلى موضوع صراع الحضارات وتآلف الحضارات من أمثال المفكر المغربي المهدي المنجرة الذي كان أسبق في معالجة مثل هذه المواضيع من هنتنغتون وفوكوياما. وقال: إن التطور التكنولوجي الآن هو المستقبل، والتخلف في دخول العالم السيبراني سيسبب الأذى في المراحل اللاحقة، ومطلوب من الفكر أن يبحث في هذه الجوانب لأن المستوردات أصبحت تحدد دورنا المأمول على الصعيد العالمي.

وأشار الإعلامي كليب إلى دور المفكرين المسيحيين العرب في التنوير الفكري، داعياً إلى مواجهة أفكار الصهيونية المتجددة في الغرب بردود علمية وفكرية، وكذلك دعا إلى منظومة فكرية عربية للإصلاحات في البلدان العربية، والاهتمام بدور الشباب العربي في الغرب الذي يتحمل مسؤوليته في نشر الثقافة العربية باللغات الأجنبية إذ لم تعد اللغة العربية الحامل الوحيد لهذه الثقافة.

وقال المفكر د. إبراهيم بدران: إذا استمر الاعتماد الاقتصادي التكنولوجي العربي على الآخر، واستمر الاعتماد التمويلي واستيراد السلع على الآخر أيضاً، فكيف يمكن للفكر والعقل أن يتغير هكذا في إطار تجريدي؟ موضحاً أن الأفكار والرؤى لا يمكن أن تتغير إذا بقيت البنى الاقتصادية وبالتالي البنى الاجتماعية على حالها، ومثال ذلك أن مدلولات الثروة النفطية أوجدت حالة جديدة في المجتمعات التي امتلكتها .

واختتم المؤرخ د. علي محافظة بمداخلة قال فيها: إن كتاب د. قُرم في معالجته للفكر والسياسة وتطور الفكر العربي يجيب على الكثير من الأسئلة المطروحة حالياً على الصعد الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، مضيفاً أن هذا الكتاب من بين الأفضل في الكتب التي صدرت خلال العشر سنوات الأخيرة، وجدير بالقراءة لما يشتمل عليه من دراسة علمية نقدية تشمل أيضاً الفكر الغربي الذي حاول أن يشوّه الفكر العربي السياسي وحتى الفكر العربي الديني، داعياً إلى مناقشة مباحث الكتاب من قبل المثقفين العرب في ندوات متعددة