• 26 تموز 2020
  • ثقافيات

 

بقلم : الشيخ مازن اهرام

 

تقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيده عليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعل هذا العيد بشير خير وبركة على الأمة الإسلامية وأن يجعله نذير وبال وحسرة على أعداء هذه الأمة

العيد هو أشبه بمحطة استراحة في رحلة الحياة، أو واحة في صحراء الحياة؛ ولذلك كانت الأمم تخترع المناسبات المختلفة من قديم لتحتفل فيها وتفرح وتمرح، وهذا أمر وجده الإسلام ثم أقره، فعيد الفطر وعيد الأضحى عيدا الإسلام، وقد ربط الله تعالى الأعياد في الإسلام بالفرائض الكبرى وبالعبادات الشعائرية العظمى، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، وربط عيد الأضحى بفريضة الحج

وقد ارتبطت أعياد المسلمين بمعنيين كبيرين:

 المعنى الرباني: ،  فالمعنى الرباني وهو أن لا ينسى الإنسان ربه في العيد، فليس العيد انطلاقاً وراء الشهوات بل العيد يبدأ بالتكبير وبصلاة العيد والتقرب إلى الله عز وجل، فالعيد لا يعني التحرر من العبادات والطاعات، افعل ما أشاء،

المعنى الإنساني:

أما المعنى الإنساني للعيد فيتمثل في الفرح والمرح واللعب والغناء ولبس الجديد، وأن يتواصل المسلم مع غيره

وهناك ظاهرة نجدها في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم للأسف، وهي اقتصار الفرح والطرب على الصغار فقط، رغم مشروعية الفرح والطرب للصغار والكبار، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أسوة ففي أحد الأعياد أذن للحبشة أن يرقصوا ويلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، وكان يشجعهم ويقول: "دونكم يا بني أرفدة" وسمح لزوجته عائشة أن تتسلق على كتفيه من الوراء وكان بيت النبي يطل على المسجد، وجعلها تنظر إلى هؤلاء الحبشة حتى هي شبعت وملت فقال لها "حسبك؟" قالت له: "حسبي"،  فالرسول كان يشجعهم على هذا لأنه يعلم أن هؤلاء القوم يهوون اللعب

الرسول القدوة:

وأيضاً دخل سيدنا أبو بكر على عائشة رضي الله عنها في عيد من الأعياد وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف بغناء من أغاني العرب من أيام الجاهلية، فانتهرهما سيدنا أبو بكر وقال "أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكان صلى الله عليه وسلم متكئاً ومغطى بثوب، فظن أبو بكر أن الرسول كان نائماً، وأن عائشة فعلت هذا دون إذن من الرسول، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا، حتى يعلم اليهود أن في ديننا فسحة وإني بعثت بحنيفية سمحة"، فالإسلام ليس بدين تزمت ولا دين تضييق، بل هو دين الفطرة وفطرة الإنسان، إنه يحب اللهو واللعب وخاصة في هذه المناسبات

تعليم الأبناء مبدأ التسامح لنزرع  المحبة  والفرح  في أطفالنا

يمكن الأهل استغلال مناسبة العيد لتعليم الأبناء مبدأ التسامح. فإذا كان أحد الأبناء قد تشاجر مع أحد أصدقائه وخاصمه، يمكن الأم أن تساعده في إعادة أواصر الصداقة بينهما

كأن تتحدث إليه عن معنى العيد وكيف أنه مناسبة ننسى فيها أحقادنا وشجاراتنا ونفتح صفحة جديدة مع من تخاصمنا معهم ونسامحهم إذا سبّبوا لنا الأذى، أو نطلب منهم السماح إذا كنا نحن من تسبب بأذيتهم ثم تسأله عما إذا كان قد تخاصم مع أحد أصدقائه، وتشجعه على مبادرة الاتصال به وتهنئته بالعيد، ودعوته إلى المنزل والاعتذار منه إذا كان قد أساء إليه، أو يقول له إنه سامحه إذا كان صديقه هو من أخطأ في حقه. ويمكن الأم أن تتصل بوالدة هذا الصديق وتطلب منها القيام بالأمر نفسه مع طفلها قبل أن يحصل الاتصال بينهما

وفي المقابل نجد في العبادات كثيراً من الناس يذهبون إلى صلاة العيد وحدهم دون صغارهم، ويذهب الرجال ولا تذهب النساء، فهذه السنة أماتها المسلمون للأسف مع أن النبي عليه الصلاة والسلام شرع العيد ليكون مهرجاناً للأمة كلها للكبار وللصغار وللرجال وللنساء، حتى قالت أم عطية: أُمِرنا أن نُخرِج العواتق ـ يعني الأباكر المخبئات ـ في العيد يشهدن الخير ويحضرن الخطبة ويشهدن هذا المهرجان الجامع، فالإسلام جعل صلاة العيد في المصلى ولم يجعلها في المسجد؛ حتى يجتمع أهل الحي الواحد أو أهل البلد الواحد إن أمكن في مصلى واحد يهنئ بعضهم بعضاً ويصافح بعضهم بعضاً

عرَّف العيد بأنّه: كُلّ يومٍ يكون فيه اجتماع، وقِيل إنّه من العادة؛ لأنّ الناس اعتادته، وقال الأزهري إنّ العيد عند العرب يُطلَق على كُلّ شيء يتكرّر؛ سواء بالفرح، أو الحزن، وقال ابن الأعرابيّ إنّه ما يعود في كُلّ عام بفرحٍ جديد، وقال الإمام النوويّ إنّ العيد سُمِّي عيداً؛ لأنّه يعود ويتكرّر، أو لأنّ الفرح يعود فيه، وهو من باب التفاؤل لِمَن يعود عليه العِيد؛ لأنّ العرب كانت تُسمّي القوافل عندما تخرج بالتفاؤل؛ ليتفاءلوا برجوعها سالمة، وقِيل لأنّ الله -تعالى- يعود على عباده في ذلك اليوم من كُلّ عام بكثرة الإحسان عليهم. أمّا تسميته بالأضحى فهي نسبة إلى الأُضحية؛ إذ إنّ الناس تبدأ بذَبْح الأضاحي في هذا اليوم ويُسمّى أيضاً بيوم النَّحر؛ لأنّ الهَدي والأضاحي تُنحَر فيه.]

الأضحية تُعرَّف الأُضحية في اللغة بأنّها: ما يُنحَر في عيد الأضحى، أمّا تعريفها في الاصطلاح الشرعيّ، فهو لا يخرج عن التعريف اللغويّ؛ إذ إنّها تعني: ما يُذبَح؛ تقرُّباً لله -تعالى- في أيّام الأضحى بشروطٍ مخصوصة، وقد جاءت مشروعيّتها في القُرآن الكريم، والسُنّة النبويّة؛ فقال الله -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، وورد في السُنّة النبويّة الكثير من الأحاديث التي تحثّ على الأُضحية وتُبيّن فضلها، وتُحذّر من تَركها، ومن ذلك فِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا)،]

وتتمثّل الحكمة من مشروعيّة الأضحية في ما يأتي: شُكر الله -تعالى- على نِعَمه، ومنها نعمة الحياة. إحياء سُنّة نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- لَمّا أمره الله -تعالى- بذَبْح ابنه، واستجابتهما -عليهما السلام- لأمر الله، ففداه الله -تعالى- بكبش عظيم، وكان ذلك في يوم الأضحى، فيتذكّر المسلم صبرهما، وتقديمهما طاعة الله -تعالى- ومَحبّته على مَحبّة النفس، والولد. توسعة المسلم على نفسه، وأهل بيته، وإكرامه لجيرانه، وضيوفه، والتصدُّق منها للفقراء، وفي ذلك نوعٌ من إظهار الفرح الذي أمر به الإسلام في يوم العيد، والتحدُّث بنِعمة الله -تعالى-؛ قال -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). تصديقٌ لله -تعالى- بما أخبر به في كتابه من أنّه خلق الأنعام؛ لينتفعَ الناس بها؛ بذَبحها، والأكل منها. تقرُّب للمسلم من الله -تعالى-؛ بصِلة رَحِمه، وإهدائهم بعضاً منها.

معنى الأمل

المعنى الأول : رجاء عفو الله ومغفرته للإنسان، فالإنسان دوماً في حال رجاء لله تعالى أنه عز وجل يغفر له ما يحصل منه من أخطاء وذنوب، وهو في الحقيقة بين الخوف منه ورجائه تعالى. وبهذه الموازنة بين الخوف والرجاء ينشط الإنسان للعمل والطاعة ولا يصيبه اليأس أو القنوط إذا أخطأ أو وقع في معصية، لأنه يعرف أنه إذا تاب توبة صحيحة مقبولة، وأدى حقوق الخلق عليه فإن الله يغفر له ويرحمه

المعنى الثاني :بمعنى انتظار الفرج وكشف البلاء، وزوال المصيبة والمشكلة التي يعاني منها الإنسان، وتوقع حصول الأفضل.

لا معنى للحياة من دون أمل، ولا قيمة لها دون وجود التفاؤل؛ فالحياة مليئة بالعقبات والمشاكل والصعوبات، فإذا فُقد الأمل لا نستطيع أن نكمل طريقنا بسلام، وهنا أجمل خاطرة عن الحياة والأمل :

علّمتني الحياة أن أجعل قلبي مدينة بيوتها المحبّة وطرقها التسامح والعفو، وأن أعطي ولا أنتظر الرد على العطاء، وأن أصدق مع نفسي قبل أن أطلب من أحد أن يفهمني، وعلّمتني أن لا أندم على شيء، وأن أجعل الأمل مصباحاً يرافقني في كلّ مكان

في زمانٍ الغربة الذي يعيشه الناس، تأتي البشارات من الله تعالى ومن رسولِه الأمين صلى  الله عليه وسلم للمؤمنين بقرب الفرج، وزوال الكرب، وعز الإسلام وأهلِه.  في هذه الحياة الدنيا التي فيها من صنوف الملذات والشهوات المحرمة ما يملأ قلوب المؤمنين خوفا ووجلا من الاقتراب منها، تأتي البشارة من الله تعالى لهؤلاء المؤمنين بأنَّ لهم في الجنة من النعيم المقيم ما يسعدون به ولا يشقون أبدًا. فلتصبروا أيها المؤمنون الصادقون؛ فإن وعد الله آت ولو بعد حين، والعاقبة للمتقين، والغلبة لجند الله الصادقين، والنعيم في الجنة للمتقين، نسأل الله أن يشملنا برحمته أجمعين.

وكأن لسان حال آل بيت المقدس  يقول:

يا راحـــلين إلـى مـــنـى بقيـادي ****** هيجتموا يـــــوم الرحيـل فـؤادي

سرتم وسـتــار دليلكم يا وحشتـي ***** الشوق أقلقني وصــــوت الحـادي

أحرمتموا جفني المـــنام ببعدكـم ****** يا ســـــاكنين المنحنـى والـوادي

فــإذا وصــلتم سالمـــــين فبلغوا ****** مني الســـــلام إلى النبي الهادي

ويلوح لي ما بين زمـزم والصفـا ****** عند المـــقام سمعت صوت منادي

ويقول لي يا نائما جـــد السـرى ****** عــرفـات تجلي كــل قلب صـادي

مـن نال من عرفات نظرة ساعة ****** نال الســــرور ونال كـــل مــراد

تالله مـا أحلى المبيت على منـى****** في ليـــل عــــيد أبــــرك الأعيـاد

ضحوا ضحاياهم وســال دماؤها ****** وأنا المتيم قـــد نحــــرت فـؤادي

لبسوا ثياب البيض شارات الرضا ****** وأنا مـن أجلهم لبسـت سـوادي

يا رب أنت وصــلتهم وقطعتني ****** فبحقـــهـم يـا رب حـــــل قيـادي

بالله يا زوار قـــــــبر محــــمـــد ****** مــــن كان منـــكم رائحا أو غادي

يبلغ إلى المخـــــتار ألـــف تحية ****** مــــــن عاشـــــق مـــتفتت الأكباد

قـــــولوا له عبـد الرحيــــم متيـم ****** ومـــــــــفـارق الأحـبـاب والأولاد

صـــلى عليك الله يا علـــم الهـدى******* ما ســــار ركب أو ترنـم حـادي