• 27 تموز 2020
  • ثقافيات

 

عمّان – أخبار البلد -  ناقش مجموعة من الدبلوماسيين السابقين والاقتصاديين والإعلاميين العرب في لقاء عبر الاتصال المرئي نظمه منتدى الفكر العربي، مستقبل الدور الأوروبي تجاه القضايا العربية الراهنة، وقدم السفير العراقي الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية د. غازي فيصل حسين محاضرة تناول فيها الكيفية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي ومؤسساته في صياغة سياسة خارجية وعلاقات تعاون اقتصادية وسياسية وأمنية مشتركة، وخاصة في ما يتعلق بالتعاون والشراكة مع جنوب البحر المتوسط والشرق الأوسط والخليج العربي؛ مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتمد وفقاً لذلك على منظومات جديدة لضمان التدفق النفطي والوصول إلى الأسواق في دول الجنوب النامية، ومواجهة احتمالات نتائج عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة .

أدار اللقاء وشارك فيه وزير المالية ووزير الصناعة والتجارة الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د.محمد أبو حمور، وشارك في المداخلات كل من: السفير الإماراتي سابقاً وعضو المنتدى د. يوسف الحسن، والمديرة التنفيذية لمؤسسة صوت النيل الإخبارية المصرية د. ابتسام مصطفى، ورئيسة تحرير مجلة "عرب أستراليا" في سيدني الكاتبة والإعلامية علا بياض، ومدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان وعضو المنتدى المهندس جواد الحمد، وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعضو المنتدى د.جمال الشلبي .

ومما طرحه المتداخلون تأكيد أهمية الدور الأردني في قيادة الحملة الدبلوماسية مع معظم الدول الأوروبية لمعارضة الخطة الإسرائيلية في ضم أراضي الضفة الغربية، واعتبر بعضهم أن الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية يعد أكثر تقدماً، وطالبوا بضرورة تعزيز دبلوماسية عربية متوافقة لمواجهة الرمال المتحركة في المنطقة، وكذلك بلورة منطلقات لكتلة عربية تعمل على تعزيز الشراكة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتفعيل هياكل للعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتأكيد أهمية إعادة قنوات الحوار العربي الأوروبي ودراسة نقاط القوة والضعف لدى الجانبين. كما أشار بعض آخر إلى ما حققه الاتحاد الأوروبي من نجاح في موضوع المواطنة الأوروبية، والاستفادة من ذلك في التفكير باستراتيجيات جديدة للعمل العربي المشترك .

قال السفير العراقي الأسبق وأستاذ العلاقات الدولية د.غازي فيصل حسين في محاضرته : إن وجود إسرائيل وما سببته من حروب في المنطقة دفعا بالأنظمة العربية إلى الإنفاق على التسلح قبل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، مما أثر في خفض معدلات التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية، وأدى بالمنطقة إلى بيئة من العلاقات المتوترة، ونجحت الدول الأوروبية في عام 1995 بعقد مؤتمر دولي صدر عنه "إعلان برشلونة"، الذي تضمن جوانب أساسية للشراكة الأورومتوسطية تشمل التعاون في المجالات السياسية والأمنية، والاقتصادية والمالية، والاجتماعية والثقافية

وأوضح د.حسين أنه رغم ذلك ما يزال الاقتصاد العربي يعاني الاضطرابات فهو يستورد 75% من احتياجاته الغذائية، والمديونية العربية اليوم تفوق 400 مليار دولار رغم فوائض عائدات النفط، وتؤكد الأرقام أن الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة الأوروبية يساوي 20 مرة الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة العربية، وأن معدل دخل الفرد الأوروبي يفوق 15 مرة معدل دخل الفرد العربي .

وأضاف د.حسين أن معظم المحللين الاستراتيجيين يرون في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط منطقة عدم استقرار اجتماعي واقتصادي، إضافة إلى وجود تيارات جماعية من الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن ازدياد حدّة الصراعات الدينية والثقافية التي أدت بدورها إلى تعدد المؤسسات السياسية والاقتصادية، وبالتالي تغيرت مفاهيم الأمن واختلفت الأخلاقيات والقوانين الدولية المتعارف عليها.

وأشار د.حسين إلى أن صلابة الموقفين الأردني والفلسطيني وحجم الاحتجاج العالمي أوقفا البدء في الخطة الإسرائيلية لضم المزيد من أراضي الضفة الغربية، وإن كانت الاحتمالات ما تزال قائمة إما بتأجيل هذه الخطة، أو الضم على مراحل، أو كلا الأمرين معاً لتفادي ردود الأفعال على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وركز د.حسين على أهمية دور الأردن في قيادة حملة دبلوماسية مع معظم الدول الأوروبية التي تعارض خطة الضم الإسرائيلية، وأهمية تحذيرات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين مما ستؤدي إليه السياسات الإسرائيلية وما يسمى صفقة القرن من صراع في المنطقة . وقال د. حسين: إن خطة إسرائيل لضم المزيد من أراضي الضفة الغربية جوبهت باعتراضات واحتجاجات من مئات النواب الأوروبيين، حيث وقع 1080 من البرلمانيين الأوروبيين في 25 دولة على رسالة تعارض الضم، وتنبه إلى مخاوف جدية من زعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يفرض مسؤولية أخلاقية على أوروبا في هذا الصدد في تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة والعالم .

ومن جهته دعا الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى د.محمد أبوحمور إلى استثمار الجانب الإيجابي في العلاقات العربية - الأوروبية وعلاقة الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة، في العمل على الوصول إلى الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، والاستفادة من المناخ الأوروبي المعارض لخطة الضم الإسرائيلية، ومساندة الدور الأردني في مزيد من الحشد والتأييد العالمي إلى جانب الحق الفلسطيني والحقوق العربية .

كما دعا د. أبوحمور إلى بلورة منطلقات لكتلة عربية تتعاون مع الاتحاد الأوروبي على تعزيز الشراكة التي تخدم مصالح الطرفين، والتعاون على إرساء الاستقرار والتنمية المستدامة الشاملة في المنطقة، ومعالجة القضايا المتعلقة باللاجئين والمهجرين من أماكن النزاعات، وتفعيل دور أوروبا في إحلال السلام، وبناء هياكل فاعلة في العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية .

وأكد السفير الإماراتي السابق وعضو المنتدى د. يوسف الحسن ضرورة إعادة قنوات الحوار العربي – الأوروبي الذي توقف بسبب تفضيل الاتحاد الأوروبي عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول العربية وليس مع كتلة عربية موحدة؛ داعياً إلى دراسة نقاط القوة والضعف لدى الجانبين، ودراسة حصيلة نتائج المشاريع المتوسطية على تنمية جنوب البحر المتوسط، في حين ما يزال يشهد هذا الجنوب استمرارية الفقر وقلة التنمية وفقدان التماسك .

وأشار د. الحسن إلى الأثر الناتج عما أصاب الموقف الأوروبي من انقسام جراء حروب البلقان، والدور الأميركي في عملية السلام، ودور اليمين المتشدد، وأزمة اليورو وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتساءل عن النهج الأوروبي في التعاطي مع المسألة الليبية، وإمكانات استخدام أوروبا قوتها التجارية لتجاوز الشجب والإدانة ازاء الخطة الإسرائيلية لضم الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت المديرة التنفيذية لمؤسسة صوت النيل الإخبارية في القاهرة د.ابتسام مصطفى حول ضرورة التفكير بعمل عربي مشترك يبنى على أسس علمية، ويعتمد آليات استراتيجية جديدة وواضحة لمعالجة الاختلالات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية وضمان الأمن القومي.

وقالت د. ابتسام : إن تكلفة المعالجات الفردية على مستوى القطر الواحد باهظة اقتصادياً، وهناك مسائل اقتصادية لم تعالج بالشكل المطلوب عربياً  كالعملة العربية الموحدة التي يجعل غيابها الدول العربية تتعامل في ما بينها بعملات صعبة، مما يعطي فرصة النمو للغرب على حساب هذه الدول، كما أن بقاء العالم العربي مستهلكاً للفكر الذي تحميه في الغرب حقوق الملكية الفكرية، ومستهلكاً للمنتجات الصناعية من خارجه يزيد من التبعية الاقتصادية . وأضافت أن الاتحاد الأوروبي حقق نجاحات في اعطاء المواطن الأوروبي الحقوق والواجبات نفسها في أي من دول الاتحاد .

وأوضحت رئيسة تحرير مجلة "عرب أستراليا" في سيدني علا بياض أن المعطيات الحالية لا تؤشر على دور أوروبي مستقبلي أكثر مما هو عليه اليوم تجاه الملف الفلسطيني أو السوري أو الليبي، رغم أن بعض الدول الأوروبية عضو في مجلس الأمن، وبعضها يعد ضمن القوى الاقتصادية، لكنها بحكم ثقافتها السياسية بعد الحرب العالمية الثانية لا تتجاوز ذلك الدور إلى استخدام القوة الصلبة مثلاً للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة؛ مشيرة إلى أن القرارات ذات الأهمية الكبرى داخل الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى إجماع وهذا لا يتوفر دوماً.

وقالت الإعلامية بياض إن التوقعات حول مستقبل موقف الاتحاد الأوروبي من الخطة الإسرائيلية لضم الأراضي ربما تصل إلى تجميد أنشطة سفراء إسرائيل في دول الاتحاد بحد أقصى .

وأشار مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان وعضو المنتدى المهندس جواد الحمد إلى الإشكالية الفكرية لدى النخب المفكرة والدبلوماسية العربية التي حمّلت نفسها مسؤولية مواجهة الإرهاب وباتت تتحدث عنه أكثر من الغرب نفسه، في الوقت الذي جاءت صناعة الإرهاب بأجندات خارجية وغريبة عن المجتمعات العربية التي لا تحتضن الإرهاب مطلقاً .

وقال الحمد: إن اعتبار إسرائيل في الكثير من الدوائر الغربية عامل استقرار في المنطقة أدى إلى نشوء حساسية في التعامل مع المنطقة العربية، تأثرت بها العلاقات الاقتصادية والاستثمارات في كثير من الأحيان، مما يتطلب مواجهة مشكلات هذه العلاقات من جهة، وأيضاً المشكلات المتعلقة بقضايانا في ظل عدم وجود سياسة خارجية متفق عليها أوروبياً .

وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الهاشمية عضو المنتدى د. جمال الشلبي أن أوروبا في اتحادها أرادت أن تنظر إلى المستقبل واعتمدت آليات التقارب والالتقاء مع الآخرين رغبة في التوازن، الذي لم  يوجد عربياً، فالأوضاع التي شهدتها المنطقة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وخاصة بعد احتلال الكويت وحرب الخليج ثم مؤتمر مدريد للسلام، جعلت أوروبا تتفاعل مع الأحداث بردود أفعال تمثلت في المبادرة بالشراكة المتوسطية