• 23 أيلول 2020
  • ثقافيات

 بقلم : تحسين يقين

 

تقول الأسطورة أن طعم النباتات ورائحتها بل وملمسها لم يكن كما هو عليه عندما التقى الإنسان بالأرض؛ فالتفاح كان حامضا، وحين استشعر وجود القاطف ازداد حلاوة، تماما كالبشر مع الحب، ألم يقل نزار قباني"

"قولي أحبك كي تزيد وسامتي

فبغير حبكٍ لا أكون جميلاً

قولي أحبك كي تصير أصابعي

وتصبح جبهتي قنديلاً"

وكم كان جميلا صوته الذي ازداد جمالا بكلمات نزار.

كم هي الأرض واسعة حتى ولو ضاقت، فهل تضيق السماء يا صاح، والسماء هي أحلامنا المشروعة بممارسة الحياة، التي تحلو بنا، لأننا نحبها.

يغيب المغترب، فيحقق كل أحلامه، وحين تسأله نفسك بإيش؟ يقول: كاسة شاي بميريمية، بزعتمانة، بنعنع؛ فأي سرّ في رائحة الأرض:

محمود العاشق قال: "رَائِحَةُ الخُبْزِ فِي الفجْرِ"، وجعلها من ما يعطي الحياة قيمة، وما يعطي الأرض استحقاق الحياة، في قصيدته المشهورة: علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ.

فتى وصفت أثر طعام جدتي لأمي وخالتي: ما زال طعمها في فمي، فدهشتا؛ فهل حلا الزاد في فمي لأنني أحببته؟ الجواب عن علاقة الأرض بالإنسان أكثر صعوبة، فنحن نتحدث مع الشجر فعلا، بل نشعر معه، ونتضامن معه حين يكون مثقلا بالثمر ونقطفه أو بعضه؛ لذلك تكرر الحاجة نعمة كما والدتي رحمها الله، ارتحن الشجرات"، والحاجة نعمة هي من تنادي كل عام على شجرات الزيتون في موسم القطاف، التي توسطها بقسوة لا مثيل لها "جدارا" من الشفرات الماضية، وليس مجرك أشياك.

-       اقرأ تاريخ الحضارات..اقرأ عن حضارتنا الكنعانية!

-       ...........

كان الاهتمام والاحترام والتقديس القديم هو للأرض، للنبات، ومن يهتم بالزراعة فعلا، ويظل على تماس مع الأرض، يظل أكثر جمالا، وأملا، والأقرب الى السلام، وهو يتأمل الفصول، وطقس الأرض والمناخ، لذلك طوّر أهل الأرض الأصليون العلوم، بما فيه من علم الفلك، للاستدلال والانتفاع ببما يحقق نجاح المواسم، بدءا بموسم الورد واللوز، وانتهاء بالزيتون..

وبقينا هكذا، حتى تعرضنا لغزاة انطبق عليهم قول الشاعر المتنبي:

كـلـمـا أنـبـت الـزمان قناة  ركـّب الـمـرء فى القناة سنانا

-       وهكذا، استمرت الروايات هنا يا ولدي، حتى وصلنا نحن!

-       لكنهم.................!

-       لا تطل اللوم يا بني فإن أردت فقط كن الزارع.

عماد الحياة والاقتصاد الزراعة، فالصناعة تبنى عليها، والتجارة، هذا هو الحال، حتى لو تطور الاقتصاد وتشعب، وأعتقد أن أمامنا هدف سام مفيد واقتصادي أيضا، وهو استثمار كل بقعة أرض لتصير خضراء، وتطعمنا، في ظل تطوير دائم للصناعة والتجارة، حتى لا تلتفت يمنة أو يسرة، إلا والأخضر سيّد المكان، "ما استطعنا ذلك"، وأما الأرض الشرقية، فنزرعها حبوبا.

وخلالها وبعدها، لنكن ما نكون ونختار المهن كما نريد، والمهم ألا تغترب الأرض، حتى يظل كل شيء جميلا وأجمل.

-       أراك تبعد؟

-       أراني أقترب!

بناء مستقبل، هو الهم، لا معنى للوم، دع ذلك، وتأمل: هل كانوا يستمعون حينما قلنا؟ ستقول لا، إذن نزرع..

"كيف الصحة؟" أليس هو السؤال الأكثر على ألسنة البشر؟

 الصحتان الجسدية والنفسية إذن هما شرط وجودنا الإبداعي، وهما متكاملان، ويتحققان على الأرض؛ فإعادة الاعتبار لها تعني الكثير.

لو أعدنا قراءة التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر، من منظور التراب والزراعة، سنجد بسهولة ما نصبه الاحتلال حتى قبل أن يصير دولة، وما وقعنا به، وما زلنا نقع فيه، عبر تصحر الأراضي الزراعية، وتحويل المزارعين وأبنائهم وأحفادهم إلى عمال بروليتاريا في المصانع والورش والمستوطنات قبل عام 1967 وبعدها. لذلك، فإننا فرحنا جدا للعناقيد الزراعية في شمال الضفة الغربية التي أسست لها حكومة د. محمد اشتية، وطمحنا للمزيد، وهو بناء وتراكم رائع على ما تم إنجازه في عهد حكومة د. سلام فياض من تعمير في الأراضي المصنفة ج، فالطريق إذن مفتوح لمن يقرأ "ويتبّع"، ويعرف بعمق معنى البقاء، والذي هو بقاء شعب جميل ورائع وطيب ومحب للحياة والسلام، لا اللهاث وراء الكيانات المفرغة من الهواء والماء والسرور والصحة.

العامل الذاتي هو ما يجب فعلا فحصه:

-       ترى ما هي الإمكانيات: الأرض والبشر؟

-       هل من معيقات؟ وكيف نتغلب بحكمة وعقلانية؟

-       والحنان والاحترام والتعاون..لا يمكن أن يتوفر في مكان إلا ويكون النجاح حليفه.

وهنا، في ظل هذا الوعي والحكمة، سيصير أن نوظف علاقاتنا مع كل من "يرد السلام" علينا، ولعلنا الأكثر فهما وتفهما لما يكون، ولأن طريقنا طويل، فلعلنا إذن نتخفف من الكثير من الانفعال والنزق والخطابة.

لن يجبرنا أحد على ما لا نريد؛ والأرض تعرف أيادينا، فلم الغضب والخوف!

حين نصحو مبكرين، نكتشف كل يوم أن السماء لا حدود لها، فما معنى ذلك!

فكيف نقبل بأي ضيق؟

ترى هل سألنا أنفسنا كيف وصلنا قرطاج؟ ألم يكن ذلك بالتجارة التي بنيت على ما تنتجه البلاد! ولماذا صار طائر الفينيق شعارنا؟ أليس لأننا نحيا من جديد؟ وهل قرار الحياة قادم من أحد غيرنا نحن؟

فلنفكر خارج الصندوق قليلا!

ترى ما هي حاجاتنا الفعلية خصوصا ونحن نعيش تحت احتلال شرس قاس يسطو على أحلام الأطفال وشجرات الزيتون يجرحها بل يخلعها؟

إذان الهدف هو البقاء الإبداعي، بل والانبعاث من جديد، فمعنى ذلك، أن لدى طائر الفينيق السرّ؛ إذ كيف بعد الاحتراق يولد من جديد؟ الجواب هناك عند شجر الزيتون الذي يصرّ على البقاء بعد الحريق.

لنا ما نصنعه ونبدع فيه، فلا ننشغل طويلا فيما لا نفع فيه، ولنلتفت لأنفسنا: ما حك جلدك مثل ظفرك.

ماذا بقي؟

أن نتأمل ونعمل..وهما الضمان، وإن مدت أياد تسلم علينا، نسلم عليها، "واللي في القلب في القلب"..

هدف سام أن نتآلف مع التراب والصخور والشمس..