• 15 تشرين الثاني 2020
  • ثقافيات

 

عمّان – أخبار البلد - عقد منتدى الفكر العربي الأسبوع الماضي  لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، تحدَّث فيه الكاتب والطبيب الاستشاري د. زياد محمد الزعبي حول تجربته في كتابة السردية التاريخية الاجتماعية "من حوران إلى حيفا"، التي تتناول تطور العلاقات والتواصل الاجتماعي بين الأردن وفلسطين في فترة مبكرة من القرن الماضي شهدت أحداثاً مصيرية في فلسطين، وشارك بالمداخلات والتعليقات في اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: د. عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس الأعيان سابقاً، والسفير السابق د. يوسف الحسن من الإمارات، و المؤرخ والأكاديمي د. جوني منصور من فلسطين، و أستاذ الأدب الحديث في الجامعة الأردنية د. سمير قطامي، والكاتب الصحفي الأردني الأستاذ عوض الملاحمة.

وأشار د. الزعبي إلى ملامح روايته المتعلقة بسرد وقائع رحلة والده من قريته حوران للعمل في حيفا، والانخراط في المجتمع الجديد بالمدينة، وعصاميته في بناء نفسه بعد أن حُرم من التعليم بسبب قسوة ظروف العيش في الريف، والأحداث التي انتهت إلى نكبة 1948، ومن ثم عودته إلى الأردن . كما تناول في حديثه تجربته في كتابة هذه الوقائع وصياغتها بالشكل الروائي، وتوثيق الوقائع لدواعي السرد التاريخي الدقيق مستعيناً بالمراجع والموسوعات والمقابلات الشخصية، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني.

أوضح د .زياد محمد الزعبي أن عمله يقوم على سرد تجربة حياة أبيه في الانتقال من قريته في حوران شمال الأردن إلى مدينة حيفا في فلسطين في عمر الثانية عشرة، احتجاجاً على حرمانه من العلم والتعلم، ومن ثم عودته مجبراً إلى قريته بسبب النكبة الفلسطينية عام 1948. وكان قد عمل في بدايات انتقاله إلى الساحل الفلسطيني في أعمال بسيطة، ثم أصبح تاجراً وتعمقت علاقته مع مجتمع مدينة حيفا التي كانت تواجه بدايات الصدام مع الاستعمار والتغلغل الصهيوني.

وأشار د. الزعبي إلى أن الركيزة الأساسية لعمله الأدبي هو مخزون الذكريات التي كان يقصّها عليه والده وأقاربه وأصدقاؤه في خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى بحثه في حياة مجتمع القرية الحورانية ومدينة حيفا، وعادات وتقاليد كل منها عبر العديد من الكتب والموسوعات التي أرّخت للأمكنة والطبائع والموروثات، وغيرها من الوثائق مثل كواشين الأراضي، وبطاقات الهوية، وصور الصحف المنشورة في ذلك الوقت؛ مشيراً إلى أنه استخدم اللغة المحكية في شرق النهر وغربه في الحوارات ضمن عملة كتعبير حقيقي عن الأحداث والمشاعر، وكذلك استخدم الأهازيج والأمثال الشعبية التي لم يعد إلا القليل يذكرونها اليوم.

وقال د. الزعبي إنه ركّز أيضاً في بحثه على الصراع العربي الصهيوني، وأبرز الكفاح ضد الصهيونية والاستعمار الأجنبي. وتحدث عن مشاركة الأردنيين في المجموعات التي تم تشكيلها للدفاع عن حيفا، ومنها مجموعة الشهيد محمد الحنيطي الذي تطوع للقتال ضد الصهاينة في فلسطين واستشهد على أرضها.

وقال الأمين العام للمنتدى د. محمد أبو حمّور في كلمته التقديمية : إن هذا العمل الأدبي يتوجه إلى القارئ العادي، كما يخاطب المثقف، ويصوّر طرق تفكير الناس ونظرتهم إلى الأحداث العامة وتفاعلهم معها، ولا سيما تجاه الأحداث في فلسطين؛ بمعنى أن الوعي الوطني والقومي والسياسي كان جزءاً من التطور الاجتماعي للأردن وفلسطين بحكم تلك الأحداث وما انتهت إليه.

وأضاف د. أبو حمّور أن مزج التاريخ بالأدب أنتج ما يشبه شهادات من تاريخ الناس أو ما يسمى التاريخ غير الرسمي، والذي يعرّف الأجيال الجديدة بتاريخ مجتمعهم، وعمق العلاقة بين الأردن وفلسطين، بل وفهم ما حدث في الماضي وكيف وصلنا إلى الحاضر .

وأشار د. عبد الرؤوف الروابدة، رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان الأسبق، إلى امتداد العشائر على كامل رقعة بلاد الشام كما بينته الرواية، مما يدل على وحدة تاريخها، إضافة إلى حركة العشائر بين مختلف البلاد العربية دون الاعتراف بسايكس بيكو.

كما أشار د. الروابدة إلى أن هذه السردية تفصّل دور الشعب الأردني من سكّان الريف والمدينة في الحركة النضالية على أية أرض عربية دون الاهتمام بالثمن الذي يدفعونه. كما أوضّحت الالتزام الفطري عند كل أردني بالقضية الفلسطينية، ويبرز ذلك من خلال دفاع بطل القصة عن مدينة حيفا، مما يعني أن علاقة الأردني بفلسطين علاقة أبدية تجلّت بوضوح في هذا العمل الذي أحيا صورة النضال ضد صعوبات الحياة وأعداء الحياة، وأبقى الأمل قائماً في أذهاننا.

وقال السفير الإماراتي السابق د. يوسف الحسن : إن رواية "من حوران إلى حيفا" ليست مجرد قصة رحّال انتقل من مكان لآخر، بل هي سيرة جيل ووطن ممتد وأحوال معيشية واجتماعية واقتصادية وسياسية، تعبر وتوثق أحداثاً مفصلية عاشتها المنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين. وقد استعادها الراوي وقدّمها بمعاناة وشقاء ناسها وأحلامهم وكفاحهم وغربتهم وعاداتهم اليومية، من خلال ما نسميه باللغة الوسطى وهي التعبير الذي يفهمه عامة الناس، وهكذا تميّز النص بالحيوية، خاصة في وصفه لحكايات معيشية لا متوهَّمة، بجوّها العام السائد في تلك الأزمنة وما فيها من مواقف درامية وتفاعلات اجتماعية وتفاصيل.

وأوضح المؤرخ والأكاديمي ابن فلسطين ومدينة حيفا د. جوني منصور من جانبه أن هذا العمل الروائي السردي هو تثبيت لحقيقة الأحداث التاريخية التي وقعت في مرحلة زمنية معينة، ونقلها للجيل الحالي ليتعرّف عليها. وقال : إنّ هذا التوثيق والانكشاف يشكّل بقاءً للقضية الفلسطينية، على الرغم من محاولات الاحتلال محوها وإقصائها وإنكار وجود الشعب الفلسطيني وحضارته وثقافته، وإن هذا يؤكد أنّ الشعب الفلسطيني حيٌّ وممتد في العمق يناضل من أجل حقوقه وقضيته.

وقال د. سمير قطامي، أستاذ الأدب الحديث في الجامعة الأردنية: إن الراوي عرض للقارئ المعاناة التي عاناها بطل الرواية خلال رحلته من شرق النهر لغربه، وقسوة حياته عند وصوله إلى مدينة حيفا، حتى فقَدَ كل شيء في النكبة. وكتب الراوي كل صغيرة وكبيرة في حيفا كما لو أنه من سكانها، تحدّث بهواجسهم وعواطفهم، فقدّم للقارئ سردية كلاسيكية تاريخية سياسية اجتماعية.

وأشار الكاتب الصحفي الأستاذ عوض الملاحمة إلى أن الرواية تسرد واقع عدد من الأشخاص من ضفتي النهر وتفاعلهم مع بعضهم البعض وسط مناخ قومي، وهكذا فإن معظم سيناريو وحوارات الرواية جاهزة لإنتاج مسلسل متميز في تاريخ الإنتاج الدرامي الأردني لو تبنّاها طرف معين، حيث أنها تتميز بكونها من صميم الواقع وليست من الخيال، على عكس الكثير من الأعمال الأدبية .