• 30 كانون الثاني 2020
  • نبض إيلياء

 

 

  صفقة القرن وضعت المقدسي  امام  ثلاثة خيارات جميعها صعبة للغاية ، أولهما التوجه فورا الى مكتب الداخلية الاسرائيلية في حي واد الجوز وطلب  الجنسية الإسرائيلية ، هذا ان كانت تنطبق على المقدسي مواصفات المواطن الصالح ( في الماضي ليس بالبعيد كانت الجنسية تمنح لكل طالب وغير طالب في زيارة واحدة)، وحتى وإن انطبقت عليه مواصفات المواطن الصالح فعليه الإنتظار لآجل غير مسمى . فالداخلية في القدس لا علاقة لها بأية مؤسسة رسمية  ، ولها قوانينها الخاصة ، فهي تتعامل مع قوم تتمنى الداخلية والقائمين عليها ان لا يبقى منهم احد ولهذا فان هناك  من قال ان شعار الموظفين هناك وخاصة من أبناء جلدتنا تعقيد الحياة قدر الإمكان على كل مراجع مقدسي ، والتفنن في طلب الأشياء التعجيزية ،  وعدم الاخذ بأي أنواع الرحمة والشفقة على هؤلاء القوم القاطنين القدس منذ مئات السنين، هكذا هي التعليمات ولكن التطبيق يكون اكثر دقة من التعليمات هناك .

اما الخيار الثاني امام المقدسي ، هو اخذ الجنسية الفلسطينية والرحيل فورا عن القدس ، اذا ما أراد ان يكون  في هذا  المعسكر والذي لن يكون مرحبا كثيرا بهذا الخيار حتى لو فرض فرضا على بعض المقدسيين من قبل قوة الاحتلال .

 وتناسى الجميع من عرب وعجم شرق النهر وغربه ، أن المقدسي الأصيل لا يمكنه باي حال من الأحوال ان يجد نفسه خارج القدس ليوم واحد ، وهنا اذكر ما كان يكرره  صديقي الفنان "جمال اسعيد" عندما كان يقول انه عندما يغيب  عن القدس ليومين او ثلاثة ويعود الى بيته في البلدة القديمة يسمع حجارة القدس تعاتبه على غيابه ، تعاتبه طيلة الطريق الى منزله، فهو يشعر انه يفقد روحه وجسده  ويفقد الهواء ان ترك القدس لأيام ، فما بالك  التخلي عنه !!

وبقي امام المقدسي خيار ثالث هو ان يبقى على حاله مواطن رهن الإشارة ، جاهزا للترحيل، مستعدا للإجراءات التي يتفنن بها المحتل صاحب الكلمة الأولى في المدينة ، فهو فعلا وحده المحتل صاحب هذه الكلمة ، وكل من يقول عكس ذلك اما جاهل او متعاون او جبان،  فالمحتل يعد على المقدسي أنفاسه، بل وانه يحدد للمقدسي وغير المقدسي متى  يصلى في المسجد الأقصى أي الحرم الشريف، كما هو متعارف عليه في الشارع بالقدس ، ومتى يغلقه امامه ،

 هذ الخيار يعنى ان يعيش المقدسي بين النقاط وان يحاول الاستفادة من كل الثغرات المتاحة له من قبل المحتل  من  اجل البقاء .

 كما قال  احد الأصدقاء المبدعين في العيش بين النقاط والاستفادة من الثغرات من اجل البقاء  ان حياة المقدسي هي حياة من اجل البقاء ،  وليست حياة من اجل الرفاة او العيش الرغيد، هو في صراع يومي من اجل البقاء ، وكل ذنبه انه ولد أبا عن جدي في هذه المدينة التي هي جزء لا يتجزأ من هويته وشخصيته وارثه العائلي المقدسي الجمعي للمدينة ، حتى لو قرر هو او  جزء من عقله ان يرحل عن المدينة فإن جسده لن يسمح له بذلك ، وقدميه سوف تخونه، وروحه سوف تفضل ان تغادر جسده حتى قبل ان يقدم على هذه الخطوة .

 ما علينا

 المهم ، انه أمام هذه الخيارات الثلاثة الصعبة يعيش المقدسي هذه الأيام، وهو شاهد على خذلان ألآعراب لقبلتهم الأولى وبيعها بثمن تذكرة لتل ابيب ، وثمن كرسي سوف يأكل صاحبه ذلك يوم ويكون سببا في خنقه حتى الموت.

 هذه الخيارات التي يواجهها المقدسي ، هي بسبب ذعر امة الإسلام واختباءها في جحورها  خوفا من بطش وحش  هم سيدوه عليهم ، متناسين قدرة رب الإسلام، ورب العالم اجمع !

 هذه الخيارات فرضت علي المقدسي بعد ان وجد ان اخوانه انسلخوا عنه، وتمنوا ان لا يخرج من الجب الذي اوقعوه فيه، اخوانه الذين يصرخون باكين على القدس ولكن ايدهم ليست في جيوبهم من اجل القدس او تحمل سلاح  تحرير القدس ، بل في مكان اخر لا علاقة له بالمدينة المقدسة .

 عندما قرأ صديق عزيز اعتز برايه هذه الخيارات، قال : يا سيدي الخيارات جميعها صحيحه وواقعية وهي بالضبط ما يحدث على ارض الواقع ، ولكن نسيت خيارا رابعا وهو خيار الله أي ان يغبر الله  من حال الى حال، فهو على كل شيء قدير ..

 فأجبت الصديق العزيز:  وهل نسيت يا صديقي قوله الله تعالى : قل  اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ، وكيف  لنا ان نطلب من الله شيء ونحن اول من خذلانه  ، فأخلاقنا ليست الاخلاق التي دعا لها الله ، وحتى  اننا نعمل كل ما نهى الله ورسوله  عنه.

 عندها وجدت الصديق يغادر الغرفة بدون ان ينبس بكلمة  ولسان حاله يقول :

 حماك الله يا قدس   وحفظكم الله أيها المقدسيون

 وللحديث بقية

 

                                    خليل العسلي