• 22 تموز 2020
  • نبض إيلياء

 

بقلم : خليل العسلي

 

  لم أتوقع منك هذا السؤال؟ كنت أتوقع ان تكتب عنا بإيجابية وان تدعم جهودنا في القدس، لا ان تسألنا هذا السؤال؟ هذه الملاحظة الحادة الجارحة والغاضبة الصادمة هي من صديق اعتبره مخلصا محبا للمدينة، ومن احد الخادمين لها مرضاة لله ، كما كان يقول دائما!!! ، وسبب ثورته العارمة كان لانني تجرأت وسألت سؤالا قد يوصف في مهنة الصحافة بانه ساذج يسأله صحفي قضي اكثر من ثلاثين عاما في العمل الصحفي .

 ولكن هذا السؤال رغم سذاجته وبساطته ، ولكن يبدو انه أصاب عصبا حساسا لدى الصديق الذي يبحث عن دور في القدس، ليس هو وحده بل عدد أخرى يعتقدون انه بامكانهم ان يحلقوا في سماء القدس وان يحملوا وسام القدس فوق صدورهم من اجل اهداف شخصية .

 لست غاضبا من هذا الصديق الصدوق الذي اخفاني من قائمة مشاركيه الخاصة حتى لا اعرف اخباره ولا احرجه في أي من النقاشات مع جماعته ، 

 لست غاضبا منه لان هذا الصديق ليس فريدا من نوعه، بل هو من عشرات الأسماء التي استغلت انتشار فيروس كورونا والذي انهك الجسد المقدسي ، فهذا الصديق ومن خلفه العديد ركضوا وصرخوا واعلنوا من اجل غاية في نفس يعقوب من خلال الظهور بمظهر الخبير الرحيم ،الحكيم ،العليم ،المنقذ ،الدعم ، المتبرع، القائد، المتخصص، الفهمان وسط العامة الجاهلة .

 فقط اقول للصديق وغيره من جماعات الازمات والراكضة وراء مكان تحت الشمس  : سامحكم الله ، فالقدس تستحق منا الإخلاص والصدق وعدم التظاهر بما ليس لدينا، فقط اعشقوا القدس كما تعشقوا انفسكم عندها سوف تعشقكم المدينة وتقف الى جانبكم .

 ما علينا

 المهم ، انه منذ بداية وباء كورونا ، هذا الضيف المرعب  الذي حمل معه الموت والخوف والعزلة والوحدة الى فلسطين عامة الى القدس بشكل خاص، في شهر مارس اذار الماضي وحتى عودته على شكل موجة ثانية اكثر قسوة واقوى دمارا في شهر حزيران يونيو شهدت المدينة المقدسة تحولت وتغيرات سيكون لها  الأثر الكبير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، وسيكون لها ابعاد على مكونات الشخصية المقدسية العربية الإسلامية لسنوات قادمة ، فهذه الجائحة كانت فرصة حقيقية لن تتكرر ( فلم تبقى من عمرالكثير ) لإعادة تقييم ماهية الحياة، وتعديل المسار ، واتخاذ القرارات الشخصية والجمعية للمستقبل في هذه المدينة ، فالحياة قد تغيرت رأسا على عقب كما قال العديد من الاشخاص ، والذي وصلوا الى قناعة أن  الأفضل العيش في صومعة بعيدا ان الحياة العامة في المدينة التي تسيطرعلى شارعها مجموعات ابعد ما يكون همها السلم الاهلي ، وزرع المحبة بين أطياف المجتمع المقدسي الذي بات واضحا انه منقسم على نفسه اكثر من أي وقت مضى .

 كما وصل البعض الاخر إلى قناعة  ان هذه الازمة العميقة التي يعيشها المجتمع المقدسي نتيجة الجائحة أثبت مرة أخرى أن القدس لوحدها تماما كما كانت في الماضي في أية مواجهة سواء كانت اقتصادية حياتية او اجتماعية او مواجهة الإجراءات الإسرائيلية التي لم تتوقف لدقيقة واحدة رغم الكورونا ، فإسرائيل لديها مخطط يجب تطبيقه بأسرع وقت طالما ان العرب في سبات عميق لن يفيقوا منه الا بعد ان يكتشفوا ان القدس هي رسم جميل على ورق ملون ، وهي مدينة افتراضية في قلب كل محب وعاشق ، يحملها في حله وترحاله ، ولكن على ارض الواقع هناك اورشليم وعلى  من يرغب العيش في هذا الواقع ان يقبله ويقبل معه التغيرات ،

 وكما قال ذلك المقدسي الذي امضى عقودا ستة من عمره في المدينة يحاول ان يجمع ما يستطيع من معلومات عن عروبة واسلامية وقدسية المدينة للأجيال القادمة : .. وليصمت كل الفلاسفة المنظرين الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين برعوا في استخدام المصطلحات والعبارات الرنانة الضخمة الثقيلة على الاذن والخفيفة في الهواء ، الملوثة له،  فكل الاحاديث عن القدس والدفاع عنها والحفاظ عنها، وكل المؤتمرات حول الدولة تحت الاحتلال والتحرر والكلام الذي يزيد من ثروة المتحدثين والمنظمين والمنظرين ولكنه لا ينقذ حجرا او منزلا  او حتى شاهد قبر من التهويد .

كما أظهرت هذه التجربة الكورونية  هشاشة العلاقات الاجتماعية في المجتمع فاصبح سماع ومشاهدة حوادث اطلاق النار حدثا يوميا عابرا وسقوط القتلى هنا وهناك امرا عاديا،  واصبح توزيع المخدرات في الاحياء يحدث في وضح النهار وبدون أي وازع أخلاقي ناهيك عن الوازع الديني الذي اختفى منذ زمن ، وبدون خشية من عقاب مجتمعي لمجتمع بات شعاره اللهم اسالك نفسي  .

 هذا الكلام اطلع عليه  احد أعمدة القدس  ومن حجارة سورها العثماني العظيم  كما اسميه فهو كلك  فقال معلقا: يا بني ان الدنيا لا تزال بخير، وهناك نفر مقدسي مخلص محب للمدينة وأهلها ومستعد ان يخدم بدون مقابل ، من اجل بقاء القدس سرحا حضاريا إنسانيا رغم الظروف التي تعصف بالمدينة وأهلها .  

 وقبل ان يحمل فنجان القهوة بطريقة انيقة تقليدية من على طاولته الاثرية في غرفة مقدسية الأثاث تمتزج فيها رائحة التاريخ بهواء هذه الأيام  قال لي : تفاءل فنحن بحاجة الى من يصدمنا بواقعنا الحزين المؤلم  ، ولكننا بحاجة أيضا الى من يرفع من معنوياتنا .... رغم عيوبنا الكثيرة  فالقدس امانة باعناقنا، ولهذا نراها جميلة رغم كل شيء

 هذا الحوار مع المقدسي الذي لا يرى الا النصف الإيجابي من المعادلة المقدسية المعقدة الصعبة، ذكرني بشخصية تعلمت منها وخصصت لها كتابا فهي تجسيد حقيقي لما بات يعرف بفضل هذه الشخصية بمصطلح " البرغماتية الأخلاقية "،  فهل عندنا من يحمل هذا الفكر في هذه المدينة المقدسية ؟

 وحماك الله يا قدس

 وللحديث بقية