• 11 تموز 2020
  • من اسطنبول

 

 إسطنبول – أخبار البلد – كتب فراس الراعي - لا يوجد متحف في إسطنبول اسمه آيا صوفيا بعد الآن، يوجد مسجد اسمه آيا صوفيا. بعد قرار مجلس الدولة، نُقلت إدارة آيا صوفيا من وزارة الثقافة و السياحة إلى رئاسة الشؤون الدينية بتوقيع من الرئيس آردوغان.

نعم، 86 سنة مضت وعاد آيا صوفيا مسجداً مرة أخرى. منذ يوم أمس، أصبح لدى الأتراك عيد وطني جديد، وكسب الأتراك المسلمين نقطة على حساب العلمانيين الذين عارضوا قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
ومن يتابع وسائل إعلام المعارضة التركية البارحة واليوم يلاحظ حالة هستيريا واستنكار من سياسيي ومثقفي المعارضة الذين صرحوا وكتبوا ضد قرار المحكمة الذي يُلغي قراراً وقعه أتاتورك قبل 86 عاماً بخصوص تحويل أيا صوفيا من مسجد إلى مُتحف.
ويرى البعض منهم أن معارضة روسيا واليونان وفرنسا والولايات المتحدة للقرار سيعيد تركيا إلى الوراء وحيدة معزولة مرة أخرى تواجه العالم مما يزيد العداء لتركيا بسبب قرارات ستضرُّ بالأتراك بحسب وجهة نظرهم.

على المقلب الآخر نقلت وسائل الإعلام الموالية للحكومة الحدث على أنه نصر كبير واستعادة للهوية الأصلية لآيا صوفيا كمسجد، فهم يرون أن قرار المحكمة هو عمل بطولي تحقق في 10 يوليو/ تموز2020 يشبه البطولة التي قام بها الشعب في 15 يوليو /تموز 2016 ، وكتبت الصحف التركية أن التاريخ سيذكر الرئيس آردوغان الذي افتتح آيا صوفيا كرجل دولة جدير بذلك.

وبهذه المناسبة يمكنني أن أتوقف في هذا المقال  عند 3 شخصيات كان لهم أثراً كبيراً في تثبيت إرادة الأتراك ليبقوا محافظين على إيمانهم ودينهم.
الأول هو رئيس الوزراء الأسبق "عدنان مندريس"  الذي أعاد الأذان في خمسينيات القرن الماضي إلى شكله الأصلي بعد أن كان باللغة التركية.

والثاني هو الرئيس التركي الأسبق "تورغوت أوزال"، الذي أقرّ المادة 163 من الدستور التي تُعرّف العلمانية وتحدد نطاقها بحيث لا تكون سبباً في قمع واضطهاد المسلمين والاعتداء على محرماتهم.

والثالث هو الرئيس "رجب طيب أردوغان" في عام 2010 ، الذي طرح استفتاءً شعبياً حول إلغاء  قانون منع الحجاب، بل ورفع قضايا جنائية ضد الشخصيات التي ارتكبت جرائماً ضد المحجبات.

يمكننا أن نقول اليوم إن آيا صوفيا ليس مسجداً وحسب بل هو رمز فتح للأتراك، لماذا؟
لأن المسلمون في تركيا يرون  مسجد أيا صوفيا رمزاً لمرحلة إنسانية ساد فيها العدل والتسامح مع فتح محمد الثاني للقسطنطينية.

وفي الحقيقة معظم الأتراك لا يرون أنه يجب أن يكون هناك مسجداً آخر بجوار مسجد السلطان أحمد، كما أنهم ليسوا مسرورين من انخفاض عائدات السياحة التي تأتي من زيارة آيا صوفيا سنوياً (زار آيا صوفيا في عام 2019 ما يزيد على 3,700,000 ثلاثة ملايين وسبعمئة ألف سائحٍ وهو يعتبر ثاني أهم معلم سياحي في تركيا بعد قصر توب كابي)، ولكن المسألة بالنسبة للأتراك لمن لا يعلم هي استعادة ما أُزيل من تاريخهم وإيمانهم وثقافتهم وكرامتهم الوطنية وكرامة دولتهم.

مؤخراً قرأنا الكثير من المطالبات بأن ينظر المسلمون الأتراك إلى الأديان والثقافات الأخرى بتسامح، ولكن لماذا أصرّ الأتراك على أن آيا صوفيا يجب أن تعود مسجداً؟

لأننا لو عدنا بالتاريخ فقط إلى ثلاثة عقود مضت لرأينا أن المسلم الذي يطيل لحيته في تركيا يُستهزأ به، والمحجبات مُنعن من دخول الجامعات والدوائر الحكومية، وكان يمارس بحقهن الكثير من التضييق والاضطهاد، بالإضافة إلى أن الكثير من الأفلام والمسرحيات والكتابات في الصحف كانت تتناول موضوع "الآخرة" عند المسلمين بالسخرية والإساءة...الخ
ضمن هذا الجو الذي عاشه الأتراك يرى المسلمون آيا صوفيا هو استحقاق وقضية كبرى ورمزاً لحريتهم، لذلك هي في منظورهم اليوم أبعد من مسجد.