• 9 أيلول 2019
  • إقتصاد وحياة

 

القدس – أخبار البلد – وصلت الى غرفة تحرير "أخبار البلد" العديد من التساؤلات حول البنوك الإسلامية وغير الإسلامية في موضوع القروض،، هذا الموضوع كتب عنه المخرج الفلسطيني عبد الرحمن ظاهر مقالة تعبر بالضبط كما يجرى في تلك البنوك  وتعطى تلميحا لكل من سإلنا عن الفرق بين البنوك العاملة في فلسطين ، ففي هذه المرحلة يكفنا نشر ما كتبه عبد الرحمن ، واليكم ما كتبه :

موضوع شغل بالي طوال شهر 

القروض من البنوك الاستثمارية "ما يُسمى القرض الربوي" و القروض من البنوك الاسلامية "ما يسمى المرابحة"

بدأت عملية البحث الدقيق من منطلقين اثنين، الاول ، فاسألوا أهل الذكر ان كُنتُم لا تعلمون، والثاني ، استفتِ قلبك ولو أفتوك.

كنت أفكر "وأنا أستطيع ذلك بسهولة" أن آخذ قرضاً لمشروع معين بالشراكة مع بعض الأصدقاء، ولكن قبل أن أقرر قبولي لفكرة الاقتراض من بنك استثماري أو إسلامي، منحت نفسي فرصة الاستماع لعروض كليهما.

البنوك الاستثمارية كانت تمتاز عروضها بالتسهيلات و الإغراءات الغريبة، عروضٌ تجعلك تشعر نفسك غبياً ان لم تسارع و تهرول لقبولها والاستفادة من تلك الفرص، نسب فائدة متناقصة وقليلة ، سنوات كثيرة، تسهيلات، لا تعقيدات في موضوع الضمانات، فقط ما علي سوى أن أقول موافق، وأجد في حقيبتي ١٠٠ الف دينار خلال أيام.

أما البنوك الإسلامية، فكانت تغريك بأنها "حلال" وأنك في أمان أمام الله، وأنك بعيد تماماً عن الربا، ولكن في مقابل ذلك الضمان بحِلّ تلك القروض وصك البراءة من جهنم، يتوجب عليك دفع نسبة "مرابحة" أكبر تزداد مع ازدياد سنوات السداد وتحتسب على كل سنة، فَلَو أردت تمويلاً لمشروع بقيمة ٢٠٠ الف دينار تسددها على عشرين سنة بنسبة مرابحة ٥٪؜ لكل سنة، سوف تدفع ٢٠٠ الف دينار أضافية للبنك غير المئتين، أي ٤٠٠ الف دينار بالمجمل، ضعف المبلغ تماما، في مقابل انك ممكن أن تدفع ٧٠ الف دينار فائدة لبنك استثماري فوق المئتين فقط.

قبل أن أسأل أهل الذكر، اعتمدت على عقلي، واستفيت قلبي، وفي اثناء رحلة البحث عن الحقيقة اكتشفت شيئاً مضحكاً، كل بنك استثماري أو ربوي إن صح التعبير يمتلك بنكاً آخر اسلامياً، موظف البنك الاستثماري يقنعك بأن موضوع الربا موضوع غبي لا أساس له من الصحة، وموظف البنك الإسلامي يقنعك بأن تبقى في دائرة الحلال وتقترض منه، وكلاهما يعملان عند رجل ما يمتلك كلا البنكين، ولو ذهبت له شخصياً لتسأله قرضاً، لقال لك : تريد قرضاً حراماً أم تريد قرضاً حلالاً إسلامياً؟ فان أجبته أريده حراماً لقال لك اذهب من هذا الباب الأيمن، وان أجبته أريده حلالاً، لقال لك اذهب من الباب الأيسر وادفع فائدة أكثر، وكلا البابين له ، يوصلانك الى نفس الخزنة التي تعطيك قرضاً وتسدده لها أضعافاً مضاعفة.

هذه أول دلالة أشعرتني بعدم الارتياح، لا بد من دلائل أخرى.

سألت أصدقاء مقربين لي كانوا قد "تورطوا" في قروض من كلا البنكين، أجمعوا أنهم ذاقوا الويلات وتوقفت حياتهم عن التطور، وتراكمت على معظمهم ديون كثيرة وتراكمت قروض أخرى من بنوك أخرى و حتى الآن لم يتخلصوا من آثار القروض القاتلة، أحدهم قال لي، صرت أقبل العمل في أمور محرمة حتى أستطيع أن أعيش، فالقروض أكلتني وتوقف الزمن بي ولا تقدم على الإطلاق، وكان قرضه من بنك استثماري ثم اقترض من اسلامي والنتيجة واحدة وفق قوله، وآخر أخذ قرضاً ليبني بيتاً له بقيمة البيت كاملاً وقال لي : تعال عندي زيارة لترى أين ذهب القرض، كله دفن في الأرض ولم أبنِ شيئاً فوق الأرض، وتوقفت هنا، لا أزال أسكن بالإيجار وأدفع أقساطاً شهرية لبيتي الذي لم يرَ النور وسينتهي السداد بعد ١٢ عاماً.

هذه دلالة خطيرة أخرى جعلتني أفكر أكثر في هذا الأمر.

انتقلت لمرحلة "فاسألوا أهل الذكر إن كُنتُم لا تعلمون" وسألت شيخاً، فأفتى بحرمة القروض من البنوك الربوية قطعاً، وأجاز وأحل القروض من البنوك الإسلامية، ثم اكتشفت أنه مقترض من بنك إسلامي قرضاً لشراء سيارة، فلم آخذ بفتواه خشية أن تكون متأثرة بوضع شخصي يتعلق به، سألت آخر فأجاز الإسلامي وحرم الاستثماري الا بشروط أو ضرورة، لم أقتنع.

تابعت محاضرات كبار العلماء، ولقاءات تلفزيونية، فاستوقفتني مقابلة مع عالم كبير في مصر، قال أن التعامل مع البنوك بكل أشكاله حلال، وبرر كل شكل على حدة، ولا مجال هنا لشرح تبريراته التي تابعتها في ٤٤ دقيقة تلفزيونية، شيء ما كان يمنعني من الاستسلام لتلك الفتوى المغرية، حتى ما قاله لي بعض الأصدقاء : "ضعها في رقبة المفتي ولا تعقد الأمور" لم تقنعني، فلي عقل عظيم شرفني الخالق به كي استعمله و ابحث عن الحقيقة من خلاله، وبكل الأحوال علمت أن ذلك العالم المصري رفع يديه على فراش الموت وقال أمام من حضر موته : اللهم اغفر لي وأنا بريء من فتاوي المصارف، ثم مات.

استمعت لمحاضرة للشيخ راتب النابلسي، كانت حول هذا الموضوع بكل تفاصيله، وخلُص حديثه المفصل إلى أن الإسلام يدعو الى تربية المال من العمل، وان شراء الزمن بالأموال محرمٌ سواء أخذت المال نقداً وقمت بسداده مقسطاً مع فائدة مجدولة على قدر السنوات، أو أخذته نقداً وقمت بسداده نقداً بعد زمن وأضفت عليه فائدة مالية، كلاهما رباً واضح لا نقاش في حرمته، ارتحت كثيراً لسماع ذلك التحليل المنطقي من هذا الشيخ الجليل، لكن بقيت في حيرة من أمري.

فتحت القرآن الكريم ووقعت عيني على آيات الربا من سورة البقرة، فانتفض بدني عندما قرأت "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ  (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"

مع أنني أحفظ تلك الآيات عن ظهر قلب، إلا أنني أحسست أني أقرأها لأول مرة، استوقفتني "يمحق الله الربا و يربي الصدقات" واستوقفتني "فان لم تنتهوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" ، حينها فقط قررت أن أتوقف عن التفكير في هذا الموضوع كلياً.

عاهدت نفسي ألا أقترض من بنك استثماري أو اسلامي، فكلاهما بالنسبة لي يمنحان قروضاً غير بريئة و غير إسلامية، وعاهدت نفسي أن أعمل في التجارة فقط، بما امتلكه من مال، دون أن أكتب شيكًا لأي شخص، وعاهدت نفسي أن أنصح كل من أحبهم وأمنعهم من الوقوع في هذه الحفرة.

مجرد قناعة شخصية وصلت لها بعيداً عن الفتاوى المختلفة، مع احترامي لكل أصدقائي الذين يعملون في تلك البنوك