• 18 شباط 2017
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د. خالد الشقران

 

يزداد القلق والترقب في منطقة الشرق الاوسط نتيجة لتعقيد القضايا الرئيسة وتداخلها بشكل لا يمكن معه النظر الى اي من هذه القضايا وأبعادها بمعزل عن القضايا الاخرى، خاصة في ظل معطيات وتفاعلات على الارض لا تلوح في افقها اية تحولات رئيسة يمكن في ضوئها خلق الامل بوجود انفراج قريب في اي من المعضلات الرئيسة التي تعاني منها المنطقة منذ امد بعيد. 

ففي الوقت الذي تتطلع فيه شعوب الشرق الاوسط الى اي بصيص امل يمكن ان يقود الى التخفيف من حدة الاوضاع الملتهبة في الاقليم بشكل عام، تظهر اشكاليات جديدة تسهم بشكل او بآخر في زيادة مظاهر التأزيم وربما  اشكالا مختلفة من مشاهد العنف والاقتتال ما بين امم وشعوب وطوائف المنطقة.

بيد ان اهم القضايا المرشحة لاشعال فتيل التازيم تكمن في قضية نقل السفارة الامريكية الى القدس الشرقية بما يترتب عليها من تبعات في حال اقدمت الادارة الامريكية على تنفيذ وعودها بهذا الشأن.

فقضية القدس بدلالاتها التاريخية والدينية والسياسية وبقيمتها الرمزية تعد من المسائل المعقدة بابعادها وتشعباتها الفكرية والحركية، وعليه فإن اي حركة او قرار او فعل احادي الاتجاه من شانه المساس بمصير ومسقبل المدينة المقدسة سيكون له جملة من الاثار والتد اعيات التي يمكن ان تؤثر سلبا على مجمل المشهد العام والتفاعلات السياسية وحتى العسكرية في منطقة الشرق الاوسط برمتها 

ان تنفيذ قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس الشرقية يشكل بالدرجة الاولى مخالفة لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها قرار مجلس الامن رقم 242 والقاضي «بانسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من الاراضي التي احتلها عام 1967»، ولان هذا القرار يشكل منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي العربية والدولية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، فإن عملية النقل في حال تمت قد تمثل نسفاً لكل الجهود المبذولة عبر تاريخ الصراع العرب الاسرائيلي للتوصل لصيغة سلام تكون مقبولة لجميع الاطراف.

وفي ذات السياق تعد عملية النقل بمثابة قتل لكل آمال الشعب الفلسطيني بالحصول على حقوقه التاريخية في استرداد اراضيه المحتلة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما انه يمس بحق العودة المقرر للاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية مع ما يتبع ذلك من آثار سلبية قد تترتب على شعور الشعب الفلسطيني بفقدان الامل بوجود حل عادل لقضيته التاريخية.

على ان النقطة الاكثر اهمية في هذا المجال تتمثل في توجيه ضربة مؤلمة لمعسكر الاعتدال العربي والاسلامي خاصة وان معظم الدول العربية والاسلامية التي تنضوي تحت خانة دول الاعتدال تساند الجهود الدولية وتبذل كل ما بوسعها للمساعدة في دفع جميع الاطراف المعنية بالصراع العربي الاسرائيلي للتوصل الى حل عادل للقضية الفلسطينية، ملثما انها شريك رئيس في محاربة التطرف الآخذ بالتنامي ما بين الشباب في منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص وفي مختلف مناطق العامل بشكل عام، وهو ما سيعطي انطباعا لدى عامة الجماهير في المنطقة بأن الدول العظمى وعلى راسها الولايات المتحدة تكيل بمكيالين وغير مهتمة لحقوق الامم والشعوب الاخرى لا يهمها بالدرجة الاولى الا مصالحها المباشرة وحماية اسرائيل وانها لا تكترث لما يمكن ان يترتب على قراراتها من تأثيرات سلبية على حلفائها من الدول العربية والاسلامية .

ولعل الخطورة الاكبر في فكرة نقل السفارة تكمن في نسف كل ما تبذله دول المنطقة من جهود في سبيل مكافحة الجماعات المتطرفة والفكر التكفيري، حيث سيشكل كل ذلك عنصر جذب لتجنيد اتباع جدد لهذه الجماعات انطلاقات من تسويق فكرة فشل جهود دول الاعتدال في مواجهة تعنت اسرائيل وحلفائها وعدم قدرة هذه الدول على انصاف الشعب الفلسطيني واعادة حقوقه، ولا سبيل لتحقيق ذلك سوى تقوية هذه الجماعات من خلال انضمام مزيد من الشباب لها ودعمها حتى تتمكن من محاربة اسرائيل وحلفائها وتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر الى النهر.

وفي هذا الاطار يمكن القول انه وفي ظل لهيب الحروب والصراعات التي تعاني منها المنطقة فان جميع الاطراف بما في ذلك الولايات المتحدة مدعوون للتفكير بعقلانية واجراء حسابات دقيقة لاي قرار يمكن ان يتخذ بخصوص القدس لان المنطقة اصلا غير مستقرة وان اي عمل استفزازي من قبل الولايات المتحدة او اسرائيل يمكن ان يؤدي الى زيادة تمكين الجماعات المتطرفة وتقويتها بدلا من تجفيف منابعها وقد يؤدي ايضا الى انفلات عقال هذه الجماعات لتحدث فوضى في المنطقة برمتها مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة قد تطال الجميع دون استثناء.

عن الراي الاردنية