• 16 آب 2017
  • أقلام مقدسية

بقلم : بسام البدارين

وفر الموضوع الذي طرحناه الأسبوع الماضي في مثل هذا المقال عن «انقلاب إسرائيلي كبير على الأردن» أرضية لتفاعلات ونقاشات حيوية، وفي بعض الزوايا الحرجة والتحليلية التي تحاول فهم وتتبع ما يجري على صعيد العلاقة الرسمية بين إسرائيل وشريك السلام الأردني.
تبرع عديدون من الخبراء والسياسيين بتقديم المزيد من المعلومات والمعطيات وحتى التحليلات والشروحات لمثل هذا الملف الساخن الذي أزعم أنه يشغل ذهن صانع القرار الاردني ومؤسسات عمان أكثر من أي موضوع آخر مرحليا ليس بسبب تأزم العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب بعد جريمة السفارة الشهيرة فقط.
ولكن لأن المنطقة برمتها بصدد تحالفات واصطفافات نوعية جديدة حمالة أوجه ومفتوحة على كل الاحتمالات.
وأيضا وقد يكون الأهم بسبب أن الجانب الإسرائيلي لايزال يماطل ويرد بخطوات يمينية متطرفة في المحاور التي تزعج الأردن، أو تثير حساسيته بل تصل حتى لا نبالغ أحيانا إلى القناعة بتشكل بوادر مؤامرة إسرائيلية داخلية تنقلب على عملية السلام والاردن والسلطة الفلسطينية معا.
ثمة دليل لا يمكن إسقاطه من الحسبان برز مساء الأحد الماضي حينما سمح جيش الاحتلال مجددا لقطعان من المستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الاقصى ردا فيما يبدو على خلية الأزمة التي شكلتها عمان مع رام الله، بالتوازي مع إعلان وظيفة واحدة لها، وهي التصدي لمشروع الاحتلال في المسجد الأقصى.
عندما يتعلق الأمر بتفسير وتحليل الزاوية الحرجة جدا التي تمر بها العلاقات الأردنية الإسرائيلية حاليا لا بد من محاولة فهم ذلك السيل الجارف من التحليلات الاستخبارية الإسرائيلية التي تجد مكانا لها في صحافة إسرائيل، وتحاول إنتاج الانطباع بأن الأردن يوشك على الانهيار، أو بأن مستقبله لم يعد مضمونا.
مثل هذه السيناريوهات التي تحفل بها صحافة إسرائيل الموجهة، وتحديدا تلك التي يستحكم فيها اليمين المتطرف، لا يمكن قراءتها خارج سياق السعي الاستخباري المنظم لإحراج الأردن وإزعاجه، والأخطر الإيحاء ولو من باب الانطباع بأن الدولة الأردنية بصدد تحديات كبيرة رغم أن هذه العملية التي أصبح من السذاجة تجاهلها تمارس نمطا من الإسقاط السياسي التمثيلي، لأن إسرائيل هي الطرف المسترخي الآن في أزمة وجودية في مواجهة أردن ثابت ومستقر، ولا مجال رغم الصعوبات للقول بعكس ذلك.
تل أبيب المتطرفة هي التي تجلس في عمق أزمة وجود الآن، وهي التي تحاول تصدير أزمتها إلى الجوار بصورة أضرت بعملية السلام واستقرار المنطقة، ودفعت الخبراء حتى لطرح أسئلة من وزن ماهية الجوار الذي يريده الإسرائيليون بصورة محددة؟.
نصدق مخضرما من حجم طاهر المصري عندما يقول بأن إسرائيل في وضعها الذهني الموتور حاليا بدأت تخطط فعلا لتصدير أزمة الإنسان والسكان، ومجمل الملف الفلسطيني إلى الجوار الذي لم يعد شريكا ولا صديقا في الواقع العملي.
نثق بالمؤسسات الأردنية التي تعتبر خبيرة استثنائية بالتفكير الإسرائيلي، لكن لا نثق كثيرا بوجود نخبة يغيب عنها لأسباب ليست مثارا للنقاش الآن مفكرون ومثقفون من طبقة رجال الدولة، يستطيعون مناجزة إسرائيل والرد عليها، وفي بعض الأحيان ملاعبتها بالطريقة التي تفهمها عبر الاستثمار المنتج في مكانة الجغرافيا ودور الأردن الإقليمي والدوري.
أحد الخبراء يفسر جوهر ما يجري في إسرائيل عبر الأساس التالي: غادرها بالهجرة النهائية نحو مليون شخص من اليهود العلمانيين الذين كانوا دوما يشكلون الطبقة الوسطى في المجتمع الإسرائيلي، ويضيفون تلك النكهة اليسارية الواقعية على اتجاهات الإسرائيليين.
هذه الحصة الديمغرافية تشارك اليوم في الاستطلاعات الإلكترونية والهاتفية لكنها لا تشارك في التصويت والاقتراع، الأمر الذي دفع المتدينين ورموز التفكير الصهيوني تحديدا إلى ملء الفراغ.
نتج عن ذلك ببساطة تفاضل عددي وقوي لتيارات اليمين المتدينة التي تؤمن بالاستيطان في عمق مؤسسات القرار الإسرائيلي.
العدد تفاضليا لمصلحة اليمين الديني المتطرف في مؤسستي الأمن، والجيش وإحدى الدراسات تقول بأن عدد المتطرفين فيما يسمى بجيش الدفاع الإسرائيلي وصل إلى نحو 32 في المئة.
يبدو أن اليمين المتطرف دينيا حقق تفاضلا عدديا في أجهزة الأمن أيضا حتى وضع الآن مؤسسة أمنية كبيرة مثل الشاباك في جيبه، فيما بقيت مؤسسة الموساد ممثلة لما يسمى بعلم الاستخبارات الخلايا المهنية التي لا تؤمن بالدين كمحرك للعمل الاستخباري حتى وهي تستثمره لإرهاب الدولة المنظم.
إزاء وقائع ومعطيات من هذا النوع فقط يمكن فهم الرهان الرسمي الأردني الذي أخفق وفشل مؤخرا على ما يسمى بالمؤسسات العميقة داخل الكيان، فإسرائيل بالمحصلة تغيرت وتبدلت ولم تعد تلك التي يمكن أن تكون معنية بالأردن ومصالحه، لا بل أصبحت مؤسساتها المحكومة باليمين الديني قابلة للخصوم والتآمر على الأردنيين دولة وشعبا في إطار تلك الأساطير الممجوجة التي تلبي قبعة التطرف الديني.
كل المعطيات تقول بهذا التحول الدراماتيكي، وكل الوقائع تكرس القناعة بأن إسرائيل أعادت ترسيم نفسها كخصم للشعب الأردني يؤمن بالتوسع شرقا، ولا يحفل بترسيم الحدود، ولا باتفاقية وادي عربة، ولا حتى بما سيحصل في الضفة والقطاع.
هذا واقع إسرائيل اليوم… وهو واقع يدفعنا لتكرار السؤال باسم الأردنيين: ماذا نحن فاعلون؟

 

عن القدس العربي