• 21 آيار 2018
  • أقلام مقدسية

  

                                                    

 

بقلم : عزيز العصا

 

كرم  الله سبحانه وتعالى نبيّه صلى الله عليه وسلّم بمعجزة الإسراء والمعراج، مصداقًا لقوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" (الإسراء: 1). ففي هذه الآية تزدحم الكرامات والتكريمات، التي لا يتّسع المجال لذكرها، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى أنها حملت تسمية "المسجد الأقصى" الذي لم يكن معروفًا بها قبلئذ. 

لا أعتقد أن فلسطين على وجه العموم، والقدس على وجه الخصوص، والمسجد الأقصى المبارك على وجه خصوص الخصوص، مرّت، مذ تلك الآية الكريمة عبر التاريخ الممتد لعمق حوالى خمسة عشر قرنًا من الزمن، بظروف أسوأ مما هي عليه هذه الأيام. وقد تأتي لحظة "أكثر مأساوية" نترحّم فيها على واقعنا المأساوي. 

قد يقول قائل: إن الصليبيين هم من أوغل الجرح في جسد المسجد الأقصى المبارك؛ باحتلاله وتحويله إلى كنائس ومرابط الخيول. وهنا، لا بد من التوقف "معمّقًا" أمام واقعنا المعيش، الذي تدور أحداثه حول ما هو أسوأ من الاحتلال والتحويل الصليبي بكثير، فالصهيونيّة السياسية المدعومة من "المسيحيّة الصهيونيّة"، تسعى إلى اقتلاع المبنى والمعنى؛ بالعمل الجاد والفاعل نحو تدمير المسجد-المبنى والحضارة والتاريخ، ومن ثم محوه من الذاكرة بإقامة "الهيكل المزعوم". وهذا هو جوهر خطاب الرئيس الأمريكي ترمب، الذي تطق بمصطلح "الحرم الشريف"، عند نقل سفارته من تل أبيب وتثبيتها على أراضي بلدة صور باهر التي تم احتلالها إبّان النكسة في العام 1967م. بما يعني أن خطوتهم القادمة هي محوه من التاريخ والجغرافيا ومن الذاكرة.

لذلك، نكون في هذه الأيام أمام مفصل تاريخي، يتطلب من كل منا الوقوف أمام مسؤولياته. ونظرًا لأن الوسائل الممكنة والمتاحة محصورة في الحضور الجماهيري، الذي يمنح المكان هويته الحقيقية، فإنه من الأهمية بمكان إعادة تنظيم هذا الحضور، على مدار الساعة، بما يحفظ للمكان قدسيته، وحمايته من مخاطر التهويد التي تتهدده على مدار الساعة، ومن كل الجهات. ولنا فيما جرى في تموز من العام الماضي (2017م) عبرة ودرسًا في الدور الجماهيري المتلاحم القادر على فعل الكثير في حماية المسجد الأقصى المبارك، وإعاقة، بل تعطيل، "بلدوزر" التهويد الذي يزحف، بشكل أو بآخر.

ونحن في أجواء شهر رمضان الفضيل، فلا بد من توظيف الاندفاع الجماهيري نحو القدس بشكل عام، والمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص، واستثماره في رفع مستوى الثقافة والمعرفة حول المسجد الأقصى المبارك من حيث المكان والمكانة. وهنا، لا بد من التذكير بما يجب القيام به، على مستوى الفرد والجماعة، من سلوكيات تليق بحرمة المكان وحرمة الزمان –المتمثل بهذا الشهر الفضيل-، منها:

أولًا: التضامن والتعاضد في استخدام الحقوق:     

نظرًا لأن الاحتلال يسمح لأعداد من الفلسطينيين بالدخول إلى القدس، لا سيما في الجمع الرمضانية، فإنه من الطبيعيّ أن يتضاعف الحضور في المسجد الأقصى، فيزداد الازدحام؛ بسبب ازدياد كثافة الحضور. وهنا، نناشد الباعة وأصحاب البسطات عدم تضييق الطرقات، ما يسبب أذى حقيقيًا للمصلّين ويزيد من معاناتهم في هذه الأيام الحارة، ويضاعف الزمن اللازم لوصولهم إلى أماكن الانطلاق إلى بيوتهم، في رحلة عناء أخرى تنتظرهم. 

وفي ذات السياق، نتوجه إلى سكان البلدة القديمة من القدس، برجاء الإفساح لإخوانهم القادمين من أرجاء الوطن الفلسطيني، تجنب الحركة أثناء ذروة تدافع المصلّين، سواء عند القدوم أو عند المغادرة، ويمكنهم استغلال الوقت الواقع بعد دخول صلاة العشاء بربع ساعة ولغاية قبيل خروج المصلين من صلاة التراويح. ونذكر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لا ضرر ولا ضرار"، كما يقول صلى الله عليه وسلم في حديث حسن: "من يؤذى المسلمين في طرقهم فقد وجبت لعنتهم".

ثانيًا: المحافظة على حرمة المكان وحق المصلّي في العبادة:     

فهناك ظاهرة الثرثرة بين الأصدقاء داخل المسجد، وأثناء الصلاة و/أو خطبة الجمعة، كما أن هناك من يترك هاتفه مفتوحًا لحد تلقي المكالمات والرد من داخل المسجد بما يشوّش على المصلين، كما أنه يحرم صاحب هذا السلوك من ثواب صلاة الجمعة أو الجماعة. أضف إلى ذلك اختراق الصفوف وقطع صلاة المصلين، لأي سبب كان، فعلى من لم تكن عنده نية إكمال ركعات التراويح، أن لا ينغمس في الصفوف الأولى ثم ينسحب ويؤذي المصلّين ويضايقهم. كما أن هناك كثيرًا من المصلين حين سجوده يجافي ويباعد بين مرفقيه وصدره، وهو بذلك يضيّق على من بجانبه ويؤذيه وفي الحديث "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة" صححه الألباني.

ثالثًا: سلوكيات تخالف آداب المسجد:     

نكتفي في هذا الباب بالإشارة إلى أن هناك من الصائمين من يملأ بطنه عند إفطاره، فيشحن 100% أو أكثر، ويأتي للصلاة وفيها يتجشأ وينفث الروائح الكريهة حوله بشكل "كروي!" ويؤذي المصلين بجانبه. ونقول لهؤلاء: ألا فخففوا، وما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه.

رابعًا: ضرورة المحافظة على حرمة المكان.. وعدم المساس بمهابته:     

نتوجه في هذا المقام للكبار وللصغار من القادمين إلى المسجد الأقصى المبارك، بأن هذا المكان يتمتع بعبق التاريخ ومهابة العقيدة الإسلامية السمحة، وهو مكان للعبادة والاعتكاف والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. الأمر الذي يتطلب من كل من يتحرك عليه السلوك بما يليق بقدسيته؛ فلا يجوز التعامل مع ساحاته وباحاته ومساطبه على أنها مجرّد ملاعب، كأي ملاعب أخرى؛ يمكننا اللعب عليها والصراخ وتبادل الشتائم كما يفعل "أولاد الحارة". كما لا يجوز التعامل مع ساحاته الخضراء، كأنها متنزّهات عاديّة، يمكن فيها ممارسة ما يحلو لنا من سلوكيات.

هنا، لا بد من التذكير بأن الاحتلال يسعى إلى أن يجعل من الفراغات السطحية –الحجرية والخضراء- مجرد متنزهات وملاعب للصغار والكبار، فهل نعين الاحتلال على ذلك؟ أم نبث للعالم أجمع رسالة مفادها أن أرض أقصانا المبارك ليست كأي أرض وحجارته ليست كأي حجارة، وساحاته ليست كأي ساحات. وإنما هي، في مجموعها، مكان مقدّس بكل المعايير والمقاييس. 

قبل أن نغادر، نتوجه إلى خطباء المسجد الأقصى المبارك، مطالبين بأن يوجهوا المقيمين في المسجد الأقصى المبارك، مصلّين و/أو معتكفين، الذين يغترفون حقوقهم بالصلاة والعبادة، بأن لا يتهاونوا بما يجب عليهم في أي سلوك أو تصرف، مهما صغر أو كبر. فمن منا –ولا نزكي على الله أحد- بإيمان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي كان إذا قدم إلى المسجد الأقصى صلى وقال: هيا بنا، عجلوا الرحيل علنا نذنب ذنباَ في المسجد". وأنه على الجميع أن يكونوا في حالة يقظة وانتباه للإحاطة بالمكان وحمايته وعدم التهاون في أي شأن من شؤونه.