• 20 تشرين أول 2018
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية

 

رغم صعوبة المحن التي تمر بها القدس وقسوة الظروف التي يعيشها اهلها منذ عقود ابتداء من حرب عام 1948 ومرورا بحرب عام 1967 وحتى شهر كانون اول من عام 2017 عندما اتخذ الرئيس الأميركي ترامب قرارا سياسيا يتمثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في شهر ايار من عام 2018، ومعايشة اهل القدس لتبعات هذا الاعتراف واستحياء الشعوب العربية والاسلامية من اظهار الغضب الحقيقي امام هذه الهيمنة والغطرسة الامريكية، تُركت القدس كما وترك اهلها في تحديد المصير. 

 بحيث يلاحظ المتتبع لشؤون القدس واهلها منذ قديم الزمان، أنه سيقع فريسة الحيرة لإختيار عنوان يليق بها وباهلها، ولا اغالي ولا اكتب من باب العصبية للقدس التي شرفني الله عزوجل بالتواجد فيها من خلال سلالة مترابطة منذ قرون عديدة مرابطا محتسبا صابرا عابدا وعاشقا لها، إنما في القدس رونق الحاضر الممزوج بعبق التاريخ الاصيل لبقعة جغرافية ميّزها الله تعالى على باقي جغرافيا العالم، بأنها كانت وصلَة اللقاء بين الانبياء مع خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم عندما أُسري به، كما وكانت سببا في وصول محمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى عندما عُرج به للسموات العلى وخرّ راكعا ساجدا بين يدي ربه.

إذا القدس التي وقعت فريسة حروب عديدة منذ الازل، تمتاز بخاصية محددة لا تجدها في عواصم العالم باستثناء بلد الحرمين الشرفين،  فقدسيتها وبركة المكوث فيها عنوان جديد يحتاج لشرح مستفيض من الناحيتين الواقعية والروحانية.

وبعيدا عن الشعارات وما قيل في القدس واهلها، لابد من وقفة جادة لحماية القدس واهلها من تغول المؤامرة الكونية، ولا نجد الحماية إلا من خلال المرابطين الصامدين من أهلها، هذه المؤامرة تهدف لتغيير المعالم والتاريخ تحت مسمى التهويد، فقد سبق الحديث في المسألة مطولا وقُتلت بحثا وقُدمت الاوراق والتقارير والابحاث، كما وعُقدت ورشات عمل ومؤتمرات وكُتب في سجلاتها ميزانيات خيالية لدعم القدس واهلها، ولكن للأسف في اغلبها حبر على ورق، فجف الحبر وعتِقت الاوراق بل تلِفت واصبحت من الزمن الماضي، وقد تبقى آثارها عين على أثر.

لكن اعتقد أن ما سيمييز هذا المقال، هو أنني لن استجدي أحد ولن اطلب من صديق أو قريب في العروبة أو الاسلام  لدعم القدس أو أهلها، لأنه لا طائل من الرجاء والاستجداء لشعوب انهكتها الحروب الداخلية والتكالب على السلطة، بل سأوجه ندائي لأهلي في القدس لدعم انفسهم بأنفسهم في زمن عز فيه الرجال إلا في القدس، فما زال اهلها من الرجال ونساؤها امهات هؤلاء الرجال اللاتي علّمن ابناؤهن الانتماء للقدس بمعناها الحقيقى.... علّمن ابناءهن الرجال كيف يتم الوقوف فى خندق القدس وحمايتها، بالانحياز لها حتى لو كان هناك اختلاف في الفكر أو الانتماء السياسي أو العقائدي، فقد سطر أهل القدس اسطورة الصمود رجالا ونساء مسلمين ومسيحيين في صدِ العدوان الغاشم على المسجد الاقصى عندا قرر المحتل وضع البوابات اللإكترونية على مداخل المسجد في شهر تموز من عام 2017، فكان التصدي لهذا المخطط بأجساد اهل القدس فقط، وبمظاهرات سلمية على ابواب المسجد، سببا في تراجع المحتل عن تنفيذ سياسته، رغم محاولة بعض المتآمرين المتنفذين ممن يدعون انهم حماة للقدس التسليم بأمر الواقع، إلا أن التاريخ كتب على صفحاته الذهبية أن للقدس رجال من ابنائها في الوقت الذي عز فيه الرجال من الامتين العربية والاسلامية وكثير من حكامهما. 

إن دعوتي لأهل القدس هو التسلح بسلاح العلم، ونزع الحقوق من المحتل من خلال سياساته وتشريعاته المطبقة بأمر الواقع، ومواجهته بالطرق القانونية لنيل الحقوق مقابل الضرائب المفروضة بقوة قانون المحتل، فالضرائب التي يجنيها المحتل من اهل القدس لا تساوي ثلث الخدمات المقدمة للقدس وأهلها، الامر الذي يتعين مقارعته بقوانينه المفروضة علينا، والزامه بدفع ما هو مُستحق، وتشكيل لجان قانونية متينة شريفة تعمل على إعادة الحق ولو بقدرمعقول وإن لم نتمكن الوصول لدرجة الكمال، إلا أن المطالبة بالحق وارجاعه يعد عملا وطنيا بامتياز، وهو طريق لم يتم سلوكه بصورة صحيحة وسليمة من قبل مما يجب أن يتم الآن، كما وادعو اهلي في القدس بعدم التسرع والهرولة في طلب التجنس، لأن المكيدة اكبر من مميزات التجنس، سيما وأن هذا التجنس هو جزء من التهويد، بحيث مع مرور الزمن ستذوب الهوية العربية الفلسطينية والاسلامية، تحت مسمى التهويد، فضلا على الوازع الديني والوطني اللذين يمنعان أداء القسم على كتاب الله تحت العلم الاسرائيلي بأن الولاء للدولة المحتلة. حيث هناك فرق شاسع بين العيش بكرامة وانضباط في القدس وبين تقديم الولاء بكل الجوانب للمحتل.

والله من وراء القصد....