• 11 حزيران 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : فيكتور حداد

 

اثارت قضية فندقي البترا والامبيريال بباب الخليل في القدس العتيقة، الشارع المقدسي والفلسطيني بشكل خاص، والشارع المسيحي الأرثوذكسي في الوطن العربي بشكل عام. فهذه القضية تعود الى عهد البطريرك السابق ايرينيوس، الذي جرى تجريده من منصبه بعد ثورة ارثوذكسية عامي ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ تشارك بها رهبان البطريركية اليونان والعرب مع ابناء الرعية الارثوذكسية رفضاً للصفقة التي اعتبروها تهديداً للوجود المسيحي في القدس.

البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث، والذي خلف ايرينيوس الاول، أعلن رفضه لصفقة باب الخليل والصفقات الاخرى التي جرت في عهود سابقة، وبنى برنامجه الانتخابي فيما يخص العقارات على أسس عدم التعامل مع المستوطنين، واستعادة ما يمكن استعادته من الأملاك التي تم تسريبها. ولتنفيذ برنامجه الخاص بالعقارات، شكّل البطريرك ثيوفيلوس الثالث تحالفاً صلباً داخل البطريركية الارثوذكسية منحه الوقاية من اية مؤامرات قد تحاك داخلياً ضده نتيجة موقفه الذي أتى بالتنسيق مع قوى وطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الاردنية الهاشمية في ظل غضب اسرائيلي رسمي جلي.

وتدعم المملكة الاردنية الهاشمية و منظمة التحرير الفلسطينية توجهات البطريرك ثيوفيلوس، كما انها تطلع على كل شاردة وواردة فيما يخص ملف العقارازت من خلال طواقم فنية من اصحاب الخبرات القانونية، وسبق ان أصدرت الجهتان بيانات داعمة للبطريرك ثيوفيلوس في ما يخص ملف العقارات بشكل عام وعقارات باب الخليل بشكل خاص.

كل ما ذكر يشكل قاعدة قوية لكي يقوم البطريرك ثيوفيلوس بمحاولة إلغاء أي من الصفقات التي جرى من خلالها تسريب عقارات في أماكن مختلفة، وفعلاً نجح البطريرك ثيوفيلوس بإلغاء عدد من الصفقات، إما من خلال إعادة شرائها من المستوطنين كما فعل في منطقة الشيخ جرّاح بالقدس بالتعاون مع رجل اعمال فلسطيني مقدسي، أو من خلال نقد إجراءات البيع كما حدث حين استعاد مئات الدونمات في المنطقة الغربية للقدس على طريق يافا، أو من خلال إبطال إجراءات الاستيلاء كما حدث حين استرد البطريرك ثيوفيلوس الثالث مئات الدونمات ذات الموقع الاستراتيجي بالقرب من منطقة مار الياس الفاصلة بين القدس وبيت لحم من أيدي السلطات الاسرائيلية.

لكن قضية باب الخليل تختلف كثيراً، فقضية باب الخليل يتوقف عليها ملفات مالية مازالت حيّة الى يومنا هذا بالرغم من مرور ١٤ عاماً واكثر على الصفقة. فجمعية عطيريت كوهانيم، الطرف الاسرائيلي في الصفقة، تطالب البطريرك المعزول ايرينيوس: إما بإرجاع كافة المبالغ التي تم دفعها في الصفقة، أو المساهمة في هزيمة البطريرك ثيوفيلوس وتحالفه المكوّن من جميع رؤساء الكنائس ومعظم القيادات الوطنية الارثوذكسية. المعزول ايرينيوس لا يستطيع إرجاع الأموال للجمعية الاستيطانية لانه قام بصرف جزء كبير منها على حاشيته ومحاميين الفلسطينيين والاسرائيليين خلال عملية عزله التي استمرت لأشهر، لذا ما كان لإيرينيوس الاول سوى استكمال مشوار تسريبه لعقارات باب الخليل والتي يقف البطريرك ثيوفيلوس عقبة اما استكمالها.

ومن خلال فريق مشترك قائم بين فريق ايرينيوس القانوني وجمعية عطيريت كوهانيم، تم إطلاق حرب إعلامية وجماهيرية لتشويه صورة البطريرك ثيوفيلوس منذ اليوم الاول لاستلامه منصبه بهدف إضعافه وإلهاء الرعية الارثوذكسية عن ما هو هام، وخلط الأوراق امام المجتمع الفلسطيني والأردني الذي بطبعة يُصدّق الرواية السلبية السهلة بدل الحقيقة الإيجابية المُعقدة.

وهكذا عمل ايرينيوس الاول والمستوطنون على إضعاف البطريرك ثيوفيلوس الثالث امام الرأي العام الفلسطيني والأردني، مستخدمين في غالبية الأحيان وسائل إعلام او صحفيين اسرائيليين متواطئين لنشر اشاعات يدعمها فريق عمل ايرينيوس اما من خلال مقابلات متفق على محتواها مسبقاً، أو من خلال عقد اجتماعات مع نشطاء فلسطينيين ومشاركتهم وثائق منقوصة أحياناً ومزوّرة احيانا تؤكدها المصادر الإعلامية الاسرائيلية المذكورة.

وهكذا نجحت حملات الخداع، لتصل نائب رئيس حركة فتح السيد محمود العالول الذي تم خداعه لحضور مؤتمر في بيت لحم وضعت اجندته جمعية استيطانية، ومررها شخوص ارثوذكسيون مخدوعين و/او موظفين لخدمة ايرينيوس الاول. فقام العالول وقتها، وبحكم العاطفة، إطلاق تصريحات تتعارض مع الموقف المدروس لمنظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الاردنية الهاشمية. والأكثر من ذلك، نجح المستوطنون في حذف أنظار عديد من الأشخاص ذوي النظرة السطحية عن حقيقة ان عقارات باب الخليل تم تسريبها في عهد ايرينيوس، وان مجرد عرقلة تسليمها للمستوطنين لمدة ١٤ عام هو امر لم يستطيع اأي فلسطيني إنجازه في أي من عمليات التسريب التي حصلت في القدس. السؤال المتبقي، وبعد كشف دور المستوطنين في تشكيل الرأي العام الفلسطيني والأردني، هل سيعي الشارع العربي ما ارتكبه ويتعظ للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، ام سيستمر بنهجه السطحي الذي جعل منه اداة بيد المستوطنين؟

جفرا نيوز