• 9 آب 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم:  فواز ابراهيم نزار عطية

 قاضي المحكمة العليا

 

من قبيل الامر الواقع في شهر أب من هذا العام، ستبدأ الحكاية لهذا الموسم مفعمة بالاحداث والتطورات التي ستزيد من الاعباء على كاهل اهل القدس، فمنذ عدة أيام مضت ومع بزوغ كل فجر حتى حلول عيد الاضحى المبارك ومع بدأ السنة الدراسية خلال الأيام القليلة القادمة، ستكون الاحداث متسلسلة ومتدحرجة حاملة معها سطورا من المعاناة للأُسر المقدسية بشكل يومي خلال الفترة المقبلة بين حدثين مهمين سيبرزا على الساحة كلاهما مرتبط بالازمة الاقتصادية، والاخيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشأن السياسي.

 حيث في تطور الاحداث ما بين إعلان المستوطنين يوم أمس وفي تحد سافر لأول مرة منذ عشرات السنين، يُعلن بعض المتعطشين من المستوطنين للدماء الفلسطينية عن نيتهم لاقتحام المسجد الاقصى يوم الاحد القادم 11\8\2019 وهو يوم عيد للمسلمين، وما بين اعلان الهيئة الاسلامية العليا في القدس لإغلاق المساجد في محيط القدس في صبيحة ذلك اليوم وعدم أداء صلاة العيد إلا بالمسجد الاقصى، هدفه ليكون اعداد المسلمين وحضورهم سيد الموقف وعنوان التحدي لقطعان المستوطنين.

يبدو أن القرار السياسي من الاحتلال قد اتُخِذَ، لتأسيس مرحلة جديدة من الصراع دون مواربة أو خفاء، بأن الصراع سيكون بلون جديدٍ تحت عنوان صراع ديني بامتياز، فليس من قبيل الصدفة التحضيرات السابقة والزيارات العلنية والسرية لعدد كبير من الدول العربية والمجاهرة بالتطبيع، وليس من قبيل الصدفة الشروع بانتاج فيلم سينمائي قيد التصوير تحت عنوان"جابر" يزعم فيه بالنص بأحقية اليهود في جنوب الاردن، احداث كثيرة لا حصر لها ولا يتسع المقام لذكرها من بدايات العام 2018 حتى اللحظة وجميعها ليست وليدة الصدفة.

نعم بيان الهيئة الاسلامية العليا لا يعد خروجا على النظام العام ولا يعد تحريضا، وإنما هو وسيلة سلمية تدعوا اهل القدس وكل من يستطيع شد الرحال للمسجد الاقصى بالتواجد فيه وأداء صلاة العيد وفق الشعائر الدينية ليكون يوم عِزٍ وثبات في الحفاظ على أولى القبلتين وثالث الحرمين، الامر الذي يقتضي من سلطات الاحتلال منع قطعان مستوطنيها من التحريض وكفهم عن اصدار بيانات تحريضية ودعوات لاقتحام المسجد الاقصى سواء في يوم عيد أو في الايام العادية، ووضع حد لهم بفرض النظام عليهم ومنعهم من تدنيس مقدساتنا ووأد الصراع الديني الذي يدعو له كبار خاخاماتهم، ولا يحسبن الاحتلال إن كانت ظروف بعض حكومات الدول العربية قد توافقت معهم سواء بالتطبيع السري أو العلني مقابل الحماية لأنظمتهم، بأن اهل القدس سيقفوا موقف المتفرج في ظل عربدة المستوطنين وما يتوفر لهم من حماية امنية من سلطات الاحتلال، بحيث يجب الا ينسى الاحتلال موقف اهل القدس وانتصارهم المبين بإرادتهم الشعبية السلمية قبل عامين تقريبا، عندما حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فرض البوابات الالكترونية على ابواب المسجد الاقصى، بحيث هب ابناء القدس مسيحين ومسلمين وبصدورهم العارية للدفاع عن مقدساتهم، لعل في ذلك ما يسترجع المحتل الذكرى ليتدارك خسارته مرة اخرى.

 

أما الحدث الثاني والذي سيكون كذلك سيد الموقف خلال ايام معدودات هو بدأ العام الدراسي في القدس، وبما أن المدارس فيها تقسم إلى مرجعيتين رئيسيتين فلسطينية وإسرائيلية: الأولى تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وتشكل ما نسبته حوالي 47% من قطاع التعليم، وتشمل مدارس الأوقاف العامة بنسبة 14%، والمدارس الأهلية والخاصة بنسبة 31%، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بنسبة 2%. أما المرجعية الثانية فتشرف عليها وزارة التربية والتعليم و بلدية القدس الإسرائيلية وتشكل ما نسبته 53% من مجمل قطاع التعليم في القدس.

وبالتالي في ظل الواقع المشار اليه، لا بد الوقوف على مسألتين: مسألة التسرب من المدارس، ومسألة تحريف المناهج، فالمسألة الأولى تتعلق بتسريب بعض الطلاب من المدارس وبنسب مختلفة من جيل 14 حتى 18 تفوق 18%، والمسألة الثانية تتعلق بالنهج الذي تفرضه بلدية الاحتلال بالقدس، فيدرس الطلبة الكتاب الفلسطيني المحرف الذي تعاد طباعته من قبل سلطة التعليم الإسرائيلية في مطابع البلدية، ويخضع للحذف والتشويه من قبل بلدية الاحتلال، ناهيك على الاكتظاظ وعدم ملائمة الكثير من الغرف الدارسية للبيئة التعليمية والصحية.

في الختام يتحمل الاهل مسؤولية المباشرة عن تسرب ابنائهم من المدارس لغياب الوعي والرقابة، كما وتتحمل ادارة كل مدرسة المسؤولية الاخلاقية بعدم متابعة الامر مع الاهل وتسخير عمال الخدمة الاجتماعية لدراسة كل حالة تسرب ووضع التوجيه اللازم للأهل والطالب، بالرغم  في بعض الاحيان العوز والفقر اساس تلك الآفة،  فيتعين على المجتمع المقدسي كل في موقعه اخذ زمام المبادرة واعادة نشر الوعي وثقافة التعليم للطلاب الذي يتسربون عن مدارسهم وتقديم لهم كل عون مستطاع بإعادة الحاقهم بمقاعد الدراسة أو توجيههم للإنتساب لمقاعد الدراسة المهنية ليكون عونا لنفسه واهله في المستقبل، ولا يتم ذلك دون دعم مباشر من الحكومة الفلسطينية التي عليها توفير كل دعم مستطاع لدعم الوجود العربي في القدس على اساس ان القدس بأهلها عنوان الصمود والتحدي.

أما بخصوص مدارس البلدية التابعة للاحتلال فعلى الحكومة الفلسطينية واجب آخر بوضع استراتيجية عملية ومهنية لمواجهة التخريب المتعمد في الكتاب المحرف الذي يقدم للطالب الفلسطيني من البلدية، لأن ذلك الامر أكبر من طاقة المجتمع المحلي المقدسي الذي يعاني صعوبتين، صعوبة الحياة في القدس وصعوبة تلقي الدعم من حكومته الفلسطينية.