• 3 كانون أول 2019
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د محمد هاشم غوشة

 

اليوم وبعد اثنين وثلاثين عامًا من تأليفي لأول كتاب لي عن القدس، عدتُ إلى الكويت مسقط رأسي، برحلةٍ فكريةٍ تخللتها زيارة لمكتبة الروضة العامة، حيث أول مكتبة عامة نهلتُ من نفائسها مصادر كتابي الأول القدس (الشامخة عبر التاريخ). كنتُ حينها في الخامسة عشر من عمري، فاحتضنت هذه المكتبة بكتبها القديمة أبرز المراجع العلمية في بداية مشواري مع القدس. 

لم يتغير المبنى، ولم تتبدل ابتسامة القائمين عليه، بقيت الكتبُ في مكانها، وتوقف التاريخ في سنة ١٩٨٧م. ما زلتُ أتذكر كيف كنت أتنقل إلى هذه المكتبة مشيًا على الأقدام من بيتي البعيد هناك كي أبحثُ فيها عن ضالتي. 

اليوم، وبعد إثنين وثلاثين سنة، عدتُ إلى حيث بدأت، عدتُ إلى زمن الطيّبين. كانت قناعتي راسخة بأنّ شيئًا لم يتغير في هذا المكان عدا الزمن. أمسكتُ مجدّدًا بأول كتابين استعرتهما في حياتي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، وأحسن التقاسيم بمعرفة الأقاليم. تذكرتُ كيف كان قيّم هذه المكتبة يساعدني لمّا عرف بأنني أُعدُّ كتابًا عن القدس، وتذكرتُ بأنني قدّمتُ لهذا المكان الجميل كتابي هديةً بعد طباعته في صيف عام ١٩٨٩م، ثم أحضر لي قيّم المكتبة الكتابَ ذاته عند زيارتي لها اليوم. 

والله، لم تترك هذه الزيارة للكويت أثرًا أرضيًا أو نبضًا عاديًا في وجداني، فقد أرجعت ذاكرتي لزمن الطيّبين وحفرت في فؤادي حالة عشقٍ أبديةٍ لترابها الناعم، ونسيم هواء بحرها العليل، حيث ولدتُ قبل سبع وأربعين سنة.

 سأبقى أحنُّ لذلك الزمن الجميل، سأبقى أحنُّ لرائحة أمي وأبي في بنايتنا هناك، وستبقى هذه الذكرى تتنقلُ معي كعصفورٍ دوريٍ ما دمتُ حيًّا. تحية من القلب لمكتبة الروضة العامة في الكويت. وتحية لكل من عاشَ زمن الطيّبين