• 9 شباط 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية

 

عندما كانت الوحدة العربية عنوان لجميع الشعوب العربية تبلورة فكرة مقاطعة اسرائيل والحركة الصهيونية عام 1945، ثم اصبح نهجا رسميا في العام 1951عندما صدر قرارا عن مجلس جامعة الدول العربية بإنشاء مكاتب اقليمية في الدول العربية لفرض حصار اقتصادي على اسرائيل، وعندما تقرر حظر دخول السلع الاسرائيلية ومنتجات المستوطنات من فلسطين للدول العربية عام 1945، كان الهدف يكمن في عدم تحقيق اهداف الحركة الصهيونية التوسعية من خلال بوابة الاقتصاد، كما وساهمت ثورة 1952 المصرية في منع التطبيع جبرا.

دخلت المنطقة العربية بعد هزيمة حرب عام 1967 إلى مرحلة انتقالية وهذه المرحلة اتسمت بالشعارات "لا للتطبيع لا للصلح لا للتفاوض لا اعتراف بإسرائيل...." واستمرت حالة الشعارات حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر واسرائيل، مما فتح الباب بين بعض الحكومات العربية واسرائيل سرا وخوفا للتطبيع تحت مسمى السلام البارد، الامر الذي أنشأ علاقات واتصالات بين بعض الافراد والمسؤولين من العرب والاسرائيلين اتسمت بالصداقة لكن بغرف مغلقة ولم تكن تحت مجهر الاعلام.

توالت الاحداث في لبنان وفلسطين خلال الاعوام 1975 حتى 1993 ما بين حروب ومجازر في لبنان وما بين انتفاضة شعبية عفوية عام 1987 اعادة خارطة فلسطين على الساحة الدولية، حتى تفاجأ أهل فلسطين باتفاقية اوسلوا وقعت عام 1993 انهت الانتفاضة الشعبية وسهلت دخول القيادة الفلسطينية لأرض الوطن، مما تم انشاء كيان فلسطيني تحت مسمى حكم ذاتي حتى اليوم، ومن الطبيعي أن خلال تلك الاحداث وبعدها وقعت احداث مهمة اخرى في فلسطين منها: مجزرة الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل ومقتل رئيس وزراء اسرائيل اسحاق رابين وانتفاضة النفق وانتفاضة الاقصى هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الدولي حدث ولا حرج، لكن اخطر حدث دولي تم بعد حادثة برجي التجارة العالمي في شهر ايلول من العام 2001 في الولايات المتحدة، هو اسقاط حكومة بغداد في 12/4/2003 ودخول القوات الامريكية دولة العراق لترسيم المنطقة العربية من جديد.

المقال لا يتسع لسرد كل الاحداث وليس هدفه تبيان ما جرى وما خُطط له من ألد اعداء الامة العربية والاسلامية في عصر انحطاطها وتخاذلها وهوانها، إنما هدف هذا المقال بعد المقدمة الطويلة نسبيا تبيان أمر واحد فقط، أن ما يجري على صعيد واقع الامة العربية بشكل عام وفلسطين بشكل خاص ليس وليد ردات فعل، وإنما وليد مخططات رُسمت قبل عقود وحان وقت تنفيذها بأيدِ عربية بكل أسف.

هرولة العديد من الدول العربية بل سباق بعض قادتها للتطبيع مع حكومة الاحتلال بعد صلاة الاستخارة هدفه تنفيذ تلك المخططات، السذاجة والحماقة ادخلت ضمن مسميات دينية لعلّها تقنع الشعب السوداني الشقيق، وعقد مؤتمرات اقتصادية العام الماضي في دولة البحرين رشوة علنية لاهل فلسطين، يحتاج الامرالتحقيق فيها من هيئات مكافحة الفساد في الوطن العربي....

صحيح أن هناك صحوة ونبض فعّال في ضمير الامة، يتمثل في السيد المرزوق الغانم رئيس مجلس الامة الكويتي الذي يشتهر بالجرأة وحبه للقضية المركزية قضية العرب والمسلمين  "فلسطين"، فموقفه بحضور عدد كبير من المسؤولين وتحديه لترامب اقوى زعيم في العالم وزبانيته وتبيان وتوضيح رسمي وعلني منه أن مقترحاتهم في سلة المهملات، لدليل حيّ على أن الامة ستتعافى قريبا إن شاء الله.

هذه الجرأة لا تقل اهمية عن حادثة تمزيق خطاب دونالد ترامب من رئيسة مجلس النواب الامريكي السيدة نانسي بيلوسي امام عينيه وبحضوره قبا ايام من تاريخ هذا المقال، واعتقد أن بازار التحدي للصهيونية الانكليكانية الامريكية لن يتوقف والمفاجآت سيدة الموقف.

كما ولا يضيرنا غواغائيات بعض اذناب الفكر الصهيوني من بني جلدتنا ونشازهم، لكن بقي الاهم في هذا المقال، ما بين هرولة التطبيع من بعض قادة الامة العربية وضم الاراضي العربية ضمن حدود فلسطين التاريخية السؤال الاخير، هل عين المُحتل الاسرائيلي فعلا ما بين ضم اراضي هي اصلا تحت سيادته بقوة الاحتلال وانشاء قواعد اقتصادية مع الدول العربية نتيجة التطبيع ؟ أم أن الضم والتطبيع امر ثانوي لا يوازي تطبيق مرحلة نهائية من حلم الدولة الاحتلال مضى عليه عقود في كيفية  استغلال الفترة الزمنية الدقيقة للقبض الزماني والمكاني على المسجد الاقصى، ايذنا بإعلان حرب دينية رسمية بين المسلمين واليهود في الوقت الذي تقلل من شأنه بعض القيادات العربية.

الشواهد موجودة ومازلت محل تطبيق، بحيث سبق وأن تم تقسيم المسجد الابراهيمي في مدينة  الخليل عنوة زمانيا ومكانيا منذ زمن، واهمية المسجد الابراهيمي كمكان عقائدي لليهود اقل اهمية من المسجد الاقصى في القدس الشريف، حيث تطمح السلطة المحتلة تحويله إلى معبد لليهود، وكي يتم ذلك لا بد أولا من تقسيم المكان زمانيا ومكانيا ثانيا، لكن هل الظرف مناسب ويخدم دولة الاحتلال في ظل التطبيع العلني للعرب؟

 اعتقد أن كل مؤامرات التطبيع ستكون حبر على ورق، مادام أن فؤاد الامة نابض بحركتين الأولى: صمود أهل القدس باعتبارهم خط الدفاع الاول والاخير للأمة وقيامهم بحركات عفوية سلمية سطرت أبهى الصمود الاسطوري بعد واقعة البوابات الالكترونية، وتحديهم للمطر وقسوة البرد وبطش الجنود لأداء صلاة الفجر عند الساعة الخامسة فجرا في هذه الايام وبأعداد مهولة، وتحديهم قرار قائد شرطة القدس قبل اسبوعين تقريبا بمنع خطيب المسجد الاقصى الشيخ عكرمة صبري الذي تجاوز عقده السابع من دخول المسجد الاقصى وحمله على اكتاف الشباب والدخول بأمن وأمان للصلاة فيه - جعل من قرار قائد الشرطة مجرد حبر على ورق - كل ذلك يُصعّب من تطبيق مخطط التقسيم، والثانية: تصرف بعض المسؤولين ولو كان بالكلام كأمثال المرزوق الغانم سيلهب قلوب الامة ويحرك وجدانها وسيجعل من الاقوال افعال، مما سيكون حلم دولة الاحتلال في بسط السيطرة على المسجد الأقصى بعيد المنال في هذه المرحلة على الاقل، وسيمتنع من تنفيذها حتى التفكير فيها في حالة واحدة ووحيدة فقط، عندما تستيقظ شعوب الامة العربية والاسلامية من ربيعها الوردي المزعوم لينتقل إلى صيف ساخن ينقلب على حكامها المتخاذلين المطبّعين الذين اهلكوا النسل والحرث.