• 10 شباط 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  د. وليد سالم- القدس

 

منذ إعلانها في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وبحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يصدر موقف اسرائيلي رسمي من الحكومة بالموافقة على الصفقة أو رفضها.

يعود ذلك أولًا إلى تباين مواقف أطراف الحكومة بشأن الصفقة أولًا، وإلى موقف الحكومة الأمريكية التي لا تشترط موافقة اسرائيلية مسبقة قبل المضي في تطبيق الصفقة، حيث أن امريكا قد طبقت اجزاءا منها قبل إعلانها ايضا .

تتفاوت مواقف الحكومة الاسرائيلية من الصفقة بين ثلاثة اتجاهات: الأول طالب بالموافقة على الصفقة كاملة وكرزمة، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء نتنياهو ، والثاني طرح رفض مقترح الدولة الفلسطينية في الصفقة، مع اعتبارها  في المقابل فرصة تاريخية تعطي اسرائيل الضوء الأخضر للقيام بعملية ضم متدرج لفلسطين المحتلة عام ١٩٦٧، وهو ما عبر عنه وزير الحرب نفتالي بينيت وشريكته في حزب يمينا أييلت شاكيد. أما الموقف الثالث فعبر عنه وزير المواصلات بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب الاتحاد القومي- تكوما الذي رأى ضرورة استغلال الصفقة من أجل القيام بالضم الكامل فورا للضفة بوصفها تمثل " ارض الأجداد" حسب قوله . وفي توسيع لهذا الموقف الأخير طالبت بعض قيادات المستوطنين برفض صفقة القرن لاشتمالها على إقامة دولة فلسطينية، ومن هؤلاء يوسي دغان رئيس ما يطلق عليه إسم " مجلس إقليمي شومرون". هذا وقد عكست اختلافات الحكومة نفسها على المستوطنين اذ أن رئيس بلدية مستعمرة ارئيل إلياهو شابيرو يؤيد موقف نتنياهو ، وأعلن استقالته من مجلس المستوطنات ذاته احتجاجا على موقف دغان.

يبدو للوهلة الأولى مما تقدم وكأن نتنياهو هو الأكثر اعتدالا بين تيارات اليمين الاسرائيلي. ولكن هذه النتيجة ليست إلا وهما ، إذ أن نتنياهو يرفض إقامة الدولة الفلسطينية بما لا يقل عن غيره من اقطاب اليمين، ولكنه بحكم خبرته الطويلة في العمل السياسي أمهر منهم في التكتيك، وبهذا الاتجاه فقد وافق على ايراد فكرة الدولة الفلسطينية في صفقة القرن ، ولكنه في المقابل وضع لها شروطًا تجعل إمكانية إقامتها أمرا غير محتمل على الإطلاق، وشمل ذلك ٣٥ شرطًا أضافها لصفقة القرن تشطب حق العودة للاجئين وتبقي القدس والمستوطنات الاستعمارية بيدي إسرائيل، كما تبقي اليد العليا في مجال الامن عند إسرائيل وغير ذلك من الشروط التعجيزية كاشتراط اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، وكذلك اعترافهم بحدودها الشاملة للمناطق التي ستضمها اليها في الغور والمستوطنات الاستعمارية ، وهي ما يعني إنهاء السردية الفلسطينية واستبدالها بسردية " ارض إسرائيل بوصفها ملكية حصرية لشعب اسرائيل" وبالتالي نزع الحقوق القومية والجماعية عن الشعب الفلسطيني واستبدالها بحقوق فردية لا غير. 

في هذا الإطار اتفق نتنياهو مع الادارة الأمريكية على تشكيل لجنة مشتركة لتحضير خرائط الضم ، وللتوصل إلى اتفاق بشأن حجم الأراضي التي يجب ضمها، وما إذا  كانت تقتصر على مسطحات البناء القائمة للمستعمرات، أو تشمل مخططاتها الهيكلية الأوسع. وكذلك للتفاهم على حجم الأراضي التي ستضم الى إسرائيل في منطقة الغور. واتفق أن تقوم إسرائيل بضم كل المناطق التي سيتم التفاهم عليها مع امريكا دفعة واحدة ، وهو ما سيرضي اكثر أطراف اليمين الاسرائيلي تشددا.

يستنتج مما تقدم، أن هنالك اجماعا على الضم في اسرائيل ، وهو اجماع يشمل ايضا حزب ازرق ابيض المنافس لنتنياهو على السلطة ، كما أن هنالك اجماع على رفض قيام دولة فلسطينية . وفي اجتماع الحكومة يوم الأحد التاسع من شباط الجاري قال بنيامين نتنياهو لأعضاء الحكومة مطمئنًا اياهم : " الأمريكان لا يطالبوننا بالموافقة على دولة فلسطينية ". وقوله هذا دقيق تمامًا وفق صفقة القرن ذاتها والتي لا تنص على إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية ، ولكنها تنص على إقامة كيان غير ذا سيادة ويخضع للسيطرة الأمنية الاسرائيلية، وتمت تسميته مع ذلك بدولة  تقوم على البقايا بعد أن تضم اسرائيل ما تريد ضمه، وتبقي الصفقة إقامة هذا الكيان مشروطًا بتلبية الفلسطينيين ل ٣٥ شرطا تعجيزيا كما سبق ذكره، ويكون من حق اسرائيل بعد مهلة اربع سنوات معطاة للفلسطينيين أن تفعل ما تشاء اذا ما عجز الفلسطينيون من الوفاء بالشروط التعجيزية المطروحة عليهم، ومن ضمن ذلك بالطبع القيام بضم الضفة كلها أحاديًا إلى إسرائيل. 

على أساس هذا التوافق لا يبدو الخلاف داخل الحكومة الاسرائيلية اكثر من خلاف شكلي على زمن وتوقيت القيام بالضم وكأنه لا يتجاوز تقاسم الأدوار للضغط على الادارة الأمريكية لإجراء الضم فورا ، أو تأجيله الى ما بعد عدة اسابيع . أي إلى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية في الثاني من آذار المقبل.

 هذا وتتوافق الادارة الأمريكية ثانيا مع الحكومة الاسرائيلية عمليًا ، وذلك عبر قيامها بتشكيل  لجنة مشتركة امريكية اسرائيلية لاقرار مدايات الضم ، بدون أن تشترط تشكيل هكذا لجنة بموافقة اسرائيلية رسمية قبل ذلك على صفقة القرن. فما معنى ذلك؟  

إن المعنى الوحيد لكل ذلك أن صفقة القرن ليست إلا مرحلة من مراحل الحلول التي يطرحها التيار الصهيوني الميسياني ، والمسيحي الافنجليكاني ضمن تحالفهما الراهن، وأنه سيكون هنالك لهذه المرحلة ما يليها على شاكلة الاتفاق على ضم الضفة كلها ، وربما التخلص من سكانها وترحيلهم. وقد عبر عن هذا التوجه بنيامين نتنياهو حيث قال يوم ٣٠ كانون ثاني الماضي بأن الضم المطروح في صفقة القرن ليس الا مرحلة أولى ستليها مراحل أخرى تطالب بها إسرائيل الولايات المتحدة بضم مناطق أخرى أوسع من الضفة، كما أضاف نتنياهو أن الرفض الفلسطيني لدولة البقايا الفلسطينية المشرذمة تحت السيطرة الأمنية الاسرائيلية كما هي مطروحة في الصفقة سيجعل إسرائيل في حل من الموافقة على إقامة دولة البقايا هذه، وفي حل كذلك من تعهدها بعدم إنشاء مستعمرات جديدة عدا عن القائمة التي أقرت صفقة القرن ضمها كلها  إلى إسرائيل بعد الانتخابات الاسرائيلية مباشرة بما في ذلك ما يسمى بالمستوطنات العشوائية والتي ستبقى كجيوب خاضعة لإسرائيل ومرتبطة بها كما اتفق مع الادارة الأمريكية. 

لهذه الأسباب لا يوجد رد اسرائيلي رسمي على الصفقة حيث أنها تهدف للتطبيق الأمريكي الاسرائيلي المشترك لها سيما فيما يتعلق بالضم ، كما أنها مرحلة أولى لخطط لاحقة ستأتي بضم أوسع، سيتم حتما الا إذا حدثت مفاجئات يمكن أن تقلب الطاولة على صانعي هذه الصفقة ومنفذيها. وفي هذا الإطار يراهن نتنياهو على أن الرفض الفلسطيني المحق والعادل للصفقة سيتيح لإسرائيل إمكانية الانتقال إلى ضم أوسع سيما إذا لم يستطع الفلسطينيون ترجمة رفضهم إلى افعال تجبر إسرائيل وأمريكا على التراجع. في مقالة لاحقة سنطرح تصورًا للعوامل التي يمكن تحريكها على طريق تحويل الرفض الفلسطيني إلى أفعال تغير المسار.