• 21 آيار 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

أخيرا و بعد طول انتظار اجتمعت القيادة الفلسطينية في رام الله (مع غياب حركتي حماس و الجهاد الإسلامي و القيادة العامة و الصاعقة) مساء الثلاثاء , و أعلنت على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن سبع قرارات و ملاحظة ختامية لافتة للانتباه , هذه  النقاط السبع  يمكن إجمالها في ثلاث محاور

المحور الأول: أن منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية في حل من الاتفاقيات و التفاهمات و الالتزامات المعقودة مع الإدارة الأمريكية و إسرائيل , و أن على إسرائيل منذ اللحظة اعتبار نفسها قوة احتلال مسئولة عن الضفة الغربية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 و أكد على اعتبار الإدارة الأمريكية شريكة لإسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني.

المحور الثاني : إن منظمة التحرير الفلسطينية و السلطة الفلسطينية ملتزمتان بقرارات الشرعية الدولية و بحل الدولتين و مكافحة الإرهاب (أي كان مصدرة أو شكله ) .

المحور الثالث : هو الاستنجاد بالموقف الدولي من خلال الطلب من الدول التي تعارض إجراءات الضم باتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد إسرائيل في حال نفذت تهديداتها و الطلب من الدول التي لم تعترف بفلسطين لان تسارع بإعلان اعترافها , و قد ذكر الرئيس عباس الدول الأوروبية بالاسم , في حين تم تغييب البعد العربي, كما أعلن الرئيس انه وقع و سيوقع طلبات انضمام لاتفاقيات و منظمات دوليه .

أما الملاحظة الأخيرة في الخطاب فهي الحديث عن وحدانية و مشروعية تمثيل الشعب الفلسطيني , و كأن لدى الرئيس المعلومات أو الشعور بان هناك من يحاول سلب منظمة التحرير مشروعيتها و وحدانيتها  في تمثيل الكل الفلسطيني.

يبدو أن الرئيس عباس و القيادة من حوله في رام الله , لديهم التصور ان هذه القرارات بالتنسيق مع جهات عربية من شأنها الضغط على الإدارة الأمريكية لتأجيل تنفيذ قرار الضم , بما يسمح بشراء الوقت , إلى أن ينقضي موعد الثالث من تشرين ثاني القادم –الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأمريكي, حيث أن التفكير الرغائبي يميل للاعتقاد بان حظوظ المرشح الديمقراطي جو بايدن هي الأقوى في الفوز بالانتخابات , و بجرعة رغائبية إضافية  فان الرئيس الأمريكي الجديد حكما هو جو بايدن الذي  لن يوافق على ضم المناطق , تذهب التصورات و التحليلات إلى ما هو ابعد من ذلك لترى أن الرئيس ترامب في موقف ضعيف , و أن قوى عديدة نافذة و قوية داخل الولايات المتحدة تعمل ضده , منها وزارة الدفاع و الجيش , و منها المخابرات المركزية و كذلك الكونغرس الذي خصه الرئيس عباس بالذكر في خطابة .

شراء الوقت سيستمر إلى السابع عشر من تشرين الثاني عام 2021, موعد تسلم بني غانتس رئاسة الحكومة الإسرائيلية من الرئيس الحالي بنيامين نتنياهو  (هذا بالطبع ان عاشت الحكومة حتى ذلك التاريخ) . حيث من الممكن العودة للتفاوض مع غانتس بصفته اقل غلوا و تطرفا من نتنياهو , و انه – حسب التصور الفلسطيني- رافض لفكرة الضم و إنما اكره عليها عند تشكيل الحكومة .

 من الجدير التذكير  بان الجنرال بني  غانتس رئيس أركان سابق و خريج المؤسسة العسكرية هو و شريكة في حزب ازرق – ابيض جنرال آخر و رئيس أركان اسبق غابي اشكنازي , كلاهما مؤمن بالعقيدة العسكرية و الأمنية للجيش الإسرائيلي تجاه الأغوار و التلال المشرفة عليها من الناحية الغربية , فهي مصيدة الدبابات التي لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف باعتبارها ضرورة ماسة من ضرورات الأمن القومي , و الموقف ذاته ينطبق على مستوطنات وسط الضفة .صرح الجنرال غابي اشكنازي في حفل تسلمه منصبة الجديد وزيرا للخارجية الاثنين الماضي , أن رؤية الرئيس ترامب (صفقة القرن) تمثل فرصة تاريخية لترسيم حدود دولة إسرائيل و ضمان مستقبلها لعقود قادمة, و انه سيدفع باتجاه ضم الأغوار وشمال البحر الميت والتلال المشرفة على الأغوار و أراضي المستوطنات , و ذلك بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية , و الحوار مع الجيران و الأصدقاء الذين تجمعهم بإسرائيل اتفاقيات السلام و ألصداقة ( و ألصداقه تشمل دولا غير مصر والأردن)

الحكومة الإسرائيلية لم تبدي اكتراثا بالخطاب , و لم يصدر عنها ما يشير إلى الخوف أو القلق من تداعيات ما ورد فيه , أو حتى من مدى جديته , و لم تبدي إنها بصدد مراجعة موقفها و قراراتها باتجاه الضم, بقدر ما تبدي إصرارا و تأكيدا عليه و لكن يمكن ملاحظة بعض ما ورد في الصحافة الإسرائيلية خاصة المقربة من رئاسة الحكومة و على ذمة مراسليها من إخبار لم يتم نفيها , تنقل صحيفة هايوم إسرائيل عن مسئولين كبار في السلطة الفلسطينية , إن الخطوة الفلسطينية ليست إلا خطوة كلامية (بيانية) فقط . و هي في ذات الوقت رسالة إلى نائب رئيس الحكومة الجنرال بني غانتس تقول ما سلف ذكره في المقال , إن السلطة الفلسطينية جاهزة للتفاوض معه عند استلامه رئاسة الحكومة من بن يامين نتنياهو بعد سنة و نصف (بالطبع إن طال عمر الحكومة حتى ذلك الوقت) , و عادت هايوم إسرائيل للقول أن مسئولين فلسطينيين كبار و لكن في هذه المرة من الجانب الأمني قد ابلغوها أن التعليمات قد صدرت لهم من مكتب الرئيس الفلسطيني , تنص على تقليص التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي إلى حده الأدنى و هي ذات التعليمات المعمول بها من أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2000 عند اندلاع الانتفاضة الثانية.

يملك الإسرائيلي و الأمريكي مصادر القوة التي تمنحهم القدرة على تنفيذ رؤاهم و خططهم, و وضع مروحة واسعة من الخيارات و البدائل , في حين لا يملك الفلسطيني هذا الترف و أحيانا بارادتة عندما يضع العراقيل أمام محاولات إنهاء الانقسام أو الوحدة الوطنية القائمة على برنامج حد أدنى من التوافق , و أحيانا أخرى رغم ارادتة بسبب تداعي الوضع العربي و ما يجري من حروب عبثية و اقتتال , و كما بسبب الأزمات المتلاحقة في الضفة الغربية و غزة السابقة لوباء الكورونا و اللاحقة له . 

يتساءل الفلسطيني حول جدية هذه القرارات و مفاعيلها و هو الذي لم يستشعر أن السلطة الفلسطينية قد استحوطت لهذا الوضع إلا باستدانة مبلغ ثماني مئة مليون شيكل من العدو, و قد أصبحت ألان ترفض السداد بموجب البند الثاني الوارد في خطاب الرئيس الذي ينص أن على إسرائيل تحمل مسؤولياتها كقوة احتلال, و هل تبلغ السذاجة بالحكومة الإسرائيلية لان تقرض من يعلن رفضه للسداد؟ كما يتساءل  الفلسطيني من هي الجهة التي أراد الرئيس عباس إيصال الرسالة لها في ختام خطابة و التي تريد أو تحاول سرقة وحدانية و مشروعية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني؟

ليس من الحصافة و سداد الرأي الحكم المبكر على الخطاب أو الجزم بمسائل سياسية متحركة, و لكنها أسئلة برسم الإجابة , و إن غدا لناظره قريب.