• 27 تشرين أول 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د محمد الشرقاوي*

 

قبل أن يُشهر البعض مسدّسات الاتهام في وجهي بأنّ تحليلي "غير موضوعي" أو "متحيّز" ضد مرشح على آخر، أو كيف أدّعي ملكية "الكرة البلورية"، أو "أحيد" عن خط المنهجية العلمية في استشراف نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية، تدفعني نشوة تحليل هذه الانتخابات إلى القول: تذكّروا هذه اللحظة: الحادية عشرة بتوقيت واشنطن من مساء الخميس 22 أكتوبر 2020، دقائق بعد انتهاء المناظرة الأخيرة بين ترمب  وبايدن. وأطرح أمامكم عشرة أسباب رئيسية لقناعتي بأن ترمب لن يعمّر في البيت الأبيض أكثر من فترة رئاسية واحدة:

١. خطاب ترمب يتمسك بانتعاش الاقتصاد كورقة "رابحة" للمعسكر الجمهوري، بينما لا يقرّ بمخاطر كورونا، ولا يقدّم خطة واضحة لحماية الأمريكيين بعد وفاة 220000 شخص من المصابين، ولا كيف يمكن الجمع بين إجراءات مراعاة الصحة العامة وفسح الطريق أمام حركة الاقتصاد. 

 ٢. زادت حقبة كورونا في تآكل مصداقية ترمب الرئيس وترمب المضارب في العقارات والمتهرب من دفع نصيبه من الضرائب، وعاين الأمريكيون مرارا ميوله إلى تجاهل الجائحة واختلاق التبريرات والكذب، كما كان عام 2016، بنسبة 79 في المائة حسب دراسة موثقة. ولا غرابة أن الرئيس ترمب أعلن بين مارس وأواخر أكتوبر أن "وباء كورونا سينتهي قريبا" 38 مرة. وبدلا من أن يظهر قدراته على الزعامة الحكيمة في مرحلة أزمة كبرى، ازدادت القناعة بين أغلب الناخبين بأنه مراوغ ، ولا يقرّ بالمسؤولية بل يصدرها إلى خصومه في الداخل والخارج، إلى حدّ أن أغلب مساعديه ومستشاريه السابقين وعددا من الجمهوريين خلصوا إلى القول إنه "غير مؤهل لتولي منصب الرئيس."

٣. تترقّب انتخابات أمريكا كل أربع سنوات خطابا سياسيا متجددا وزخما مثيرا في أداء المرشحين، إلى حد أن الحملات الانتخابية أصبحت في العقدين الماضيين بمثابة سياسة أدائية أو استعراضية ، لكن خطاب ترمب يظلّ عالقا حيث كان عام 2016، وهو يشيطن خصومه ويشتم الإعلام ويحتقر النساء والأقليات. وكلما أعاد هذه التكتيكات في حملاته الانتخابية وأمام الكاميرات هذا العام، بدا وكأنه يقتبس من قاموس سياسي قديم بما يقترب من الابتذال الخطابي.

٤. تقلصت شعبية ترمب إلى حدّ كبير لدى ثلاث فئات رئيسية: المسنّون فوق سن الخامسة والستين، ونساء الضواحي suburb women، و السود خاصة بين النساء بنسبة 91٪؜ ضده، وهذه تحولات لا تحدث في أوقات عادية، بل في ظلّ جائحة فتاكة غير مسبوقة.

٥. أدلى أكثر من 47 مليون ناخب بأصواتهم ضمن عملية التصويت المبكر قبل يوم المناظرة الأخيرة. وهذه أعداد قياسية تمثل ثلث الكتلة الانتخابية ممن استاء أغلبهم من أدائه المترنح خلال المناظرة الأولى، مقارنة مع 11 مليون ممن صوتوا مبكرا في مثل هذا الوقت عام 2016.

٦. لم يعد الناخبون يفكرون في برامج المرشحين على أساس مدى الإعفاءات الضريبية وإيجاد وظائف جديدة فحسب، بل يترقبون أيضا ضمان الرعاية الصحية هذا العام بعد أن وصلت وتيرة الإصابات 60000 كل يوم. ولم يقدم ترمب نظاما بديلا لنظام "أوباما كير" الذي ينتقده منذ عشر سنوات.

٧. صمم ترمب حملتيه عامي 2016 و2020 على التخويف من المهاجرين اللاتين والمسلمين والديمقراطيين والشيوعية و"أشباح" متخيلة أخرى. لكن التمادي في هذا التخويف قد يأتي بنتائج عكسية في مرحلة القنوط والقلق المتزايد بين الأمريكيين بعد عشرة شهور من تفشي الوباء.  

٨. بين إصابة ترمب نفسه بكورونا بعد شهور من التقليل منها وتجاهل الإجراءات الاحترازية، والتزامه مضطرا بأخذ الفحص الطبي قبيل المناظرة وإلزام كافة فريقه وحتى زوجته بارتداء الكمامة، يخسر ترمب معركة رمزية في أعين مؤيديه أيضا بحكم ترويجه لثقافة تتعالى عن الكمامة والتباعد وبقية الإجراءات الاحترازية الأخرى. لم ينجح ترمب في تطويع أو تطبيع كورونا في الحياة العامة بقدر ما فرضته عليه الجائحة الانصياع أخيرا لتوصيات الأطباء وشروط لجنة تنظيم المناظرات في المحصّلة النهائية. 

٩. في منتصف أكتوبر، تذبذب الرئيس ترمب بين قراره إيقاف المفاوضات مع رئيسة مجلس النواب وزعيمة الأغلبية الديمقراطية نانسي بيلوسي والدعوة لزيادة ميزانية حزمة المساعدات التحفيزية الثانية للأمريكيين بأكثر من تريليون ومائتي مليون دولار. وحتى يوم المناظرة الأخيرة، لم تنجح المفاوضات بين مجلس النواب والبيت الأبيض في التوصل إلى قرار. هناك ما يشبه الخديعة: وزير المالية منشن يتفاوض مع بيلوسي، وثمة التجمع المحافظ Conservative Caucus الذي يشمل عددا من الجمهوريين يرفض تخصيص أي ميزانية للمساعدات، فيما يفرك الأمريكيون المتضررون من مضاعفات الوباء أصابعهم ترقبا لما ستفعل الحكومة.

١٠. لن يخسر الرئيس ترمب بالضرورة بسبب تناسب برنامج خصمه بايدن مع طبيعة التحديات الصحية في ظل الوباء، بل بسبب تعثرات ترمب نفسه وتشبعه الشخصي بعقلية ومزاج المرشح ترمب عام 2016، وكأنها نسق استراتيجي رابح في كل زمان. وهذا منحى قصير النظر لا يتماشى مع دينامية الحملات الانتخابية وما يترقبه الناخبون.

بعد تقديم هذه الأسباب العشرة وتوضيح كيف أن انتخابات هذا العام مجرد استفاء على ترمب، أعلن أن كورونا ستعصف بحظوظ ترمب في فترة رئاسية ثانية. ولدي استعداد للتحدي مع من يعتقد عكس ذلك.

* أستاذ تسوية النزاعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا