• 28 تشرين أول 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : إبراهيم نوار

 

شهد ديفيد بن غوريون إسرائيل في نشأتها، وهي دولة غنية بالصخور والأراضي القاحلة، وأهم صادراتها كان البرتقال، ومات بدون أن يعلم أنها قد تصبح يوما ما دولة منتجة ومصدرة للطاقة، بل تقتحم سباق المنافسة، من أجل أن تصبح ممرا للنفط العربي إلى أوروبا. الحلم الإسرائيلي يتحقق خطوة خطوة بصفعات مدوية على قفا المشروع القومي والحكام العرب، كما يصيب الحلمين المصري والتركي في أن يتحول كل منهما إلى مركز إقليمي للطاقة. الآن أصبحت المنافسة ضارية بين الأطراف الثلاثة للفوز بالجائزة.
بدأت إسرائيل مسارها على طريق التحول إلى مركز إقليمي للطاقة منذ العقد الأول من القرن الحالي، بخطوات حثيثة لاستكشاف حدود الثروة في قاع شرق البحر المتوسط، وحققت أول كشف قبالة شواطئها قبل نهاية ذلك العقد، باكتشاف حقلي تمار وليفياثان للغاز، وبدأت اتصالات مع شخصيات وشركات إماراتية، عبر شركة (زيم) للنقل البحري، ومؤسسات تمويل دولية، وعبر مجالس تجار المجوهرات في دواوين الحريم، بغرض تقصي إمكانية مشاركة الإمارات في مشروعات إسرائيلية في قطاع الطاقة، والتعاون المشترك في تجارة الطاقة بين آسيا وأوروبا. وقد أثمرت هذه الاتصالات عددا من الاتفاقات الأولية، بشأن مشاركة شركات إماراتية في تمويل مشروعات في قطاع الطاقة الإسرائيلي، والمشاركة في خط أنابيب الغاز البحري الذي اقترحت إسرائيل إقامته من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر كريت وإيطاليا. وكشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في عام 2018، أن الإمارات وافقت على المشاركة في تمويل الخط بقيمة 100 مليون دولار، حدث هذا قبل عامين من إعلان إقامة علاقات بين الدولتين.
الآن، وبعد أن خرجت العلاقات إلى العلن؛ فإن الاتفاق بينهما، بشأن إقامة ممر برى للنفط والغاز بين الخليج والبحر المتوسط، أصبح يمثل الحلقة المركزية في المشروع الإسرائيلي للسيادة على الطاقة، في المنطقة الممتدة من الخليج إلى شرق البحر المتوسط، وأن تصبح إسرائيل هي (السمسار) الدولي لعقود الطاقة بين المنطقة والعالم. ويتضمن المشروع الإسرائيلي ما يلي:
ربط شبكات الكهرباء لدول المنطقة، وتصدير فائض الإنتاج إلى أوروبا، عبر كابل كهربائي بحري يمتد من إسرائيل إلى اليونان، ومن هناك يرتبط بالشبكة الأوروبية الموحدة.
ربط مناطق إنتاج الغاز الطبيعي، وإنشاء خطوط لنقل الغاز عبر إسرائيل إلى أوروبا، من خلال خط أنابيب شرق المتوسط البحري عبر كريت إلى إيطاليا، ومنها يرتبط مع الشبكة الأوروبية الموحدة. وتم بالفعل توقيع اتفاقات بهذا الشأن بين إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.

اقتراح مجموعة من مشروعات الطاقة الخضراء مع الدول المجاورة، بدأتها فعلا مع الأردن، لإنتاج الطاقة النظيفة من موارد متجددة، وتعزيز مساهمة المنطقة في التحول عن الوقود الإحفوري، لتحقيق أهداف حماية البيئة، وتخفيض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر.
دعوة الإمارات للمشاركة في التنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل الإسرائيلية في شرق المتوسط. ومن المحتمل أن تحصل شركة (مبادلة) الإماراتية على ترخيص للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية لإسرائيل في شرق المتوسط.
استخدام منتدى شرق المتوسط للغاز EMGF الذي يتخذ من القاهرة مقرا له كمنصة جديدة للتعاون الإقليمي، تنهي تماما الطابع (العربي) لترتيبات التعاون الإقليمي في المنطقة، وهو الطابع السائد منذ تأسيس الجامعة العربية ومنظماتها مثل (أوابك). ويضم المنتدى حاليا كلا من إسرائيل والأردن ومصر وإيطاليا واليونان وقبرص والسلطة الفلسطينية. وقد وجه وزير الطاقة الإسرائيلي دعوة إلى الإمارات للانضمام إلى المنتدى، الذي يحظى بتأييد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وطلبت فرنسا الانضمام إليه كعضو، كما طلبت الولايات المتحدة الانضمام إليه كمراقب دائم.
ومن هنا فإن ما تم إعلانه بشأن استخدام خط أنابيب إيلات – عسقلان لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا، يأتي متسقا مع المشروع الإسرائيلي الأوسع نطاقا، للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة. ويُستخدم الخط حاليا لنقل النفط والمشتقات النفطية بين البحرين الأبيض والأحمر، بواسطة عدد من الدول أهمها، روسيا وكازاخستان وأذربيجان وطاجيكستان والصين وكوريا الجنوبية. ويتضمن الخط أنبوبا بقطر 42 بوصة لنقل النفط الخام، وأنبوبين بقطر 16 بوصة لنقل المشتقات النفطية. وتبلغ طاقة الخط حاليا 600 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل ربع طاقة النقل عبر خط سوميد، ونحو ثلث كميات النفط الخام التي تعبر قناة السويس في المتوسط منذ عام 2017. كما تتضمن مرافق الخط عددا من صهاريج التخزين التي تسع نحو 23 مليون برميل.
وتقوم بتشغيل الخط حاليا شركة خطوط أنابيب آسيا – أوروبا EAPC، وهي شركة إسرائيلية مملوكة للدولة، قامت على أنقاض شركة إسرائيلية – إيرانية مشتركة، أنشئت في عام 1968 وأعلنت إسرائيل تأميمها بعد قيام الثورة الإيرانية. الشركة بدأت أخيرا اتصالات مع بيوت تجارة النفط، وشركات التكرير في مراكز الاستهلاك الرئيسية في دول مثل هولندا وسنغافورة والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان، وكذلك مع الدول والشركات المنتجة، لعقد اتفاقات لتصدير النفط الخام والمشتقات النفطية عبر إسرائيل. وتتوقع الشركة أن تقتنص نسبة أولية تبلغ نحو 15% من تدفقات النفط عبر قناة السويس، من خلال تحويل مسارات ناقلات النفط إلى طريق إيلات – عسقلان. وتتضمن الخطوات التي قطعتها إسرائيل اتفاقا أوليا بقيمة تصل إلى 800 مليون دولار مع شركة (جسر البحر الأحمر- المتوسط) وهو مشروع مشترك بين شركة (بترومال) الإماراتية وشركتي (لوبار لاين) و(إنتربرينييرشب – أ. ف ) الإسرائيليتين، لبدء استخدام الخط في نقل النفط الإماراتي، اعتبارا من العام المقبل، ولمدة 10 سنوات.
وتتبنى الشركة الإسرائيلية حاليا استراتيجية تسويقية، تقوم على أساس مواجهة سياسة نقل النفط عبر قناة السويس، بنموذج جديد يقدم لشركات الناقلات خدمة أكثر كفاءة، وأقل تكلفة، وأقصر وقتا، إضافة إلى تقديم عروض بخدمات متنوعة في موانئ الاستقبال والتحميل والتفريغ، بموجب صيغة عقود طويلة الأجل، تضمن علاقة دائمة بينها وبين شركات الناقلات لمدة طويلة، وليس على أساس أن الخط هو مجرد بوابة لتحصيل رسوم عبور. ولذلك فإن مشروع توسيع استخدام الخط، بإضافة أطراف إقليمية مثل الإمارات، يمثل تحديا خطيرا لهيئة قناة السويس، لأنه سيحول بعض الناقلات إلى إيلات وعسقلان، بدلا من السويس وبورسعيد. ومن المرجح أن يصبح طريق إيلات – عسقلان ممرا مفضلا لشحنات ناقلات النفط العملاقة، التي لا تستطيع عبور القناة بحمولتها الكاملة، لأن عمق القناة لا يسمح لغاطس هذه الناقلات بذلك، ومن ثم فإنها تضطر إلى تفريغ حمولتها كليا أو جزئيا في ناقلات أصغر، لتتمكن من العبور فارغة، ثم تعود إلى تحميل حمولتها مرة أخرى خارج القناة، قبل مواصلة طريقها شمالا أو جنوبا. ومع أن إسرائيل لا تسعى إلى استعداء مصر بالإستحواذ على نسبة كبيرة من حركة الناقلات النفطية العابرة لقناة السويس، فإننا نقدر أن إيرادات القناة ستنخفض بنسبة تتراوح بين 5% إلى 7%، قابلة للزيادة إلى حدود معينة، بسبب التحول في مسار بعض الناقلات. وتعتبر روسيا وقطر أكثر الدول استخداما لقناة السويس لنقل حمولات النفط والغاز المسال، حيث تستحوذ روسيا على ما يقرب من رُبع حمولات النفط، بينما تستحوذ قطر على ما يقرب من 95% من حمولات الغاز المسال العابرة من الجنوب إلى الشمال.
خط أنابيب إيلات – عسقلان لا يقدم الصورة الكاملة لمستقبل الدور الإسرائيلي كمركز إقليمي لنقل وتجارة الطاقة، وإنما هو يضع أقدام إسرائيل على بداية ذلك الطريق فقط. مع ذلك فإنه لن يستحق الضجة المثارة حوله حاليا، إذا اقتصر على استخدام الخط الواصل بين إيلات وعسقلان، لأن نقل النفط عبر مسار بحري طويل من الخليج ومضيق هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر الأحمر، وصولا إلى إيلات لن يحقق القدرة التنافسية التي تمكنه من تغيير قواعد اللعبة، وسوف تقتصر دواعي استخدامه على اعتبارات تقنية أو سياسية فقط، مهما كانت الحوافز التي ستقدمها إسرائيل.
ولكي تحقق إسرائيل حلمها بقيادة سوق الطاقة في المنطقة فإنها ستحتاج إلى موافقة السعودية على مد خط أنابيب عبر أراضيها، يصل حقول النفط الغنية في الخليج بشرق البحر المتوسط، عبر مسار قد يتصل بخط أنابيب إيلات – عسقلان ، أو آخر يمتد من الشمال الغربي للسعودية إلى ميناء حيفا عبر الأردن. وفي أي من الحالتين، فإن تجميع النفط الخليجي عبر خط أنابيب برى رئيسي إلى شرق البحر المتوسط سوف يقلل أهمية نقله عبر مضيق هرمز، وخليج عمان، وباب المندب، والبحر الأحمر. وفي حال إقامة خط أنابيب بري رئيسي، فإن الباب سيصبح مفتوحا لإقامة مشروع إقليمي ضخم على جانبيه، يضم خطي أنابيب إضافيين، واحدا للغاز الطبيعي، وآخر للمشتقات النفطية، وطريقا إقليميا سريعا للشاحنات، وخطا للسكك الحديد لنقل الحمولات الجافة من الخليج، أو غرب آسيا عموما إلى أوروبا، تحت سيطرة السعودية وإسرائيل، بما يجعله منافسا إقليميا قويا لمشروع طريق الحرير الصيني البري والبحري، في الجزء الذي يمر خلال تلك المنطقة. كذلك سيكون مد مثل هذا الخط خسارة حقيقية لخط (سوميد) الذي تشارك فيه مصر والسعودية والإمارات والكويت وقطر، وهو ما يعني خسارة مصر لجزء كبير من إيراداتها من رسوم العبور والتخزين، وتقديم خدمات الشحن والتفريغ للنفط من العين السخنة إلى سيدي كرير غرب الإسكندرية. ويوفر خط أنابيب (سوميد) وقناة السويس معا لمصر فرصة الاستحواذ على نسبة تقرب من 10% من النفط المنقول بحرا حول العالم. كما يعني المشروع أيضا في حال انضمام السعودية إليه توجيه ضربة قاتلة إلى خط أنابيب نفطي مقترح يربط السعودية ومصر مباشرة، عن طريق مد خط (ينبع) البري إلى شمال غرب السعودية، قبالة شرم الشيخ، ومد الخط بحريا من هناك إلى العين السخنة ليرتبط بخط (سوميد).

القدس العربي