• 22 تشرين الثاني 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : عزام توفيق ابو السعود

 

عشرات المقالات كتبتها انا في العقود الثلاثة الماضية، ومئات المقالات التي كتبها غيري تناولت ضرورة إعادة النظر في اتفاقية باريس الاقتصادية .. لكن أصحاب النفوذ دوما لم يلتفتوا اليها كموضوع رئيسي في كل جلسة مفوضات مباشرة او غير مباشرة، بوجود وسطاء او بدون وجودهم، فكّر الساسة دوما بالموضوع السياسي دون ربطه بالموضوع الاقتصادي ، متجاهلين الأهمية الاقتصادية لأي اتفاق سياسي ..

ومن طريف ما مررت به، أنني التقيت قبل عشرين سنة على جسر اللنبي بعدد من الشخصيات الفلسطينية، وكانوا ذاهبين لجلسة مفاوضات في الخارج، سمعت احدهم يقول للثاني ، أنا لم أقرأ الورقة المقدمة من الطرف الآخر.. هل قرأتها أنت؟ فرد الآخر أنه تصفحها .. فرد عليه الأول .. سأعتمد عليك في النقاش .. ارجو أن تراجعها في الطائرة ! .. هؤلاء كانوا مفاوضينا .. ذهبوا للتفاوض حول ورقة أعدها الطرف الآخر بخبرائه ، ومنطقه، وكل جملة فيها مدروسة بعناية ، بالطبع لمصلحتهم، بينما لم يتسنى لمفوضينا أن يقرأوا الورقة... بل تصفحها احد الأعضاء، وسيكمل القراءة في الطائرة .. وأغلب ظني أن المسؤول الأول كان مشغولا في الليلة السابقة " بلعبة طرنيب" حامية الوطيس لذلك لم يقرأ الورقة!!!؟؟؟

كثير من أعضاء وفودنا المفاوضة ، كانت ترى في سفريات المفاوضات أنها رحلة تسوق ليحضر معه من الخارج طلبات المدام وابنه وابنته التي كتبوها على ورق كي لا ينساها.. وأثناء الجلسات كانوا مستعجلين لانهاء الجلسة بأسرع ما يمكن قبل أن تقفل المحلات التجارية!

ووفودنا للتفاوض كان يرأسها سياسي بارز في انتماءه لحزبه، ويأخذ معه بعض الأكاديميين من أساتذة الجامعات، الذين لديهم فكرة عن النظريات، وتنقصهم خبرة في العمل على أرض الواقع .

اتفاقية باريس ربما صيغت ونوقشت بهذا الشكل، سياسيون وأكاديميون، جميعهم لم يمارس التجارة او الإستيراد والتصدير، ولا يعرفون كيفية التهرب الضريبي، وكيفية ضبط المتهربين، وكيف يبتدع رجال التجارة الحيل والإستفادة من الثغرات،  لكسب مزيد من الأرباح ، ( ربما تعلموا ذلك بعد توقيع الإتفاقية !) ...

وضعتنا اتفاقية باريس في " خانة اليك" كما يقول لاعبوا طاولة الزهر .. أسرى لنصوصها ولا نستطيع الإفلات من حبس هذه النصوص.. ولم يقم مفاوضونا بالإصرار على تعديل هذه الأتفاقية لسد الثغرات الكثيرة التي واجهتنا اثناء التطبيق خلال ربع قرن ..

عندما قررنا وقف التنسيق المدني والأمني، قبل ستة أشهر.. كان لدينا الآلاف من الحاويات في الموانئ الإسرائيلية .. وايقاف التنسيق الأمني يمنع التجار من التخليص عليها، وفي هذه الحالة سترتفع تكلفة تخزينها في الموانئ الإسرايلية لدرجة قد تزيد على قيمة البضائع ذاتها، كان هناك ضيق لدى ادارة الموانئ من تراكم البضائع الفلسطينية ونقص أماكن التخزين فيها، فقامت الإدارة المدنية بالتخليص على بعضها وتسليمها لأصحابها.. بينما قام كثير من التجار الفلسطينيين ببيع هذه الحاويات صوريا لتجار اسرائيليين، قاموا بالتخليص عليها من الموانئ الاسرائيلية وارسالها للتجار الفلسطينيين مقابل عمولة تلقوها من التجار العرب.. وفي كلا الحالتين لم يكن هناك فواتير مقاصة أو بيانات جمركية باسم التجار الفلسطينيين، وعليه فان السلطة الفلسطينية لا تستحق قيمة الجمرك والضريبة المضافة لتطالب بها الأسرائليين وبذلك انخفضت فواتير المقاصة بشكل كبير، ونحن نعرف أن المقاصة هي المصدر الرئيسي لدخل السلطة ، ولذلك حرمت خزينة السلطة من عدة مئات من ملايين الشواكل !

هذا السبب هو أحد الأسباب الرئيسية لهرولة السلطة الفلسطينية لإعادة التنسيق الأمني والمدني، بعد أن عجزت السلطة عن دفع رواتب الموظفين وتسديد فواتير الموردين والمقاولين .. واصبحت عاجزة عن الاستدانة من البنوك المحلية ، أو الاستدانة من أوروبا بضمان اموال الضرائب المحتجزة لدى اسرائيل .. والإسرائيليون كانوا يقولون دوما للفلسطينيين : اذا لم ترغبوا باعادة التنسيق وقبض مستحقاتكم الضريبية .. فهذا شأنكم ، وعليكم أن تتحملوا نتائج ذلك !!! السلطة لم تستطع تحمل ذلك .. لذلك هرولت لإعادة التنسيق ... السبب اقتصادي أولا وليس سياسي، والسبب مرده طبعا اتفاقية باريس الإقتصادية الجائرة والظالمة لنا والتي لم نركز لتعديلها لنحافظ على الأقل على وارداتنا المالية وسد الثغرات التي يستفيد منها الإسرائيليون لسرقة أمولنا ...

لا حول ولا قوة الا بالله!!!