• 16 كانون الثاني 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : كايد هاشم

 

في ما كتبت من مقالات ودراسات وألَّفت وحققت من كتب؛ جانب يتعلق بالتأريخ وإسهامات في الكتابة والبحث التاريخي، وإن كان الجانب الأدبي ليس بعيداً عن التأريخ في الاهتمامات أو في المنهج أو في الصلة الوثيقة بين الجانبين ضمن الإطار الثقافي والمعرفي لأي متعلم يسعى أن يكون مثقفاً،  وأي كاتب أو باحث في كلا المجالين . 

أردت من هذه الإلماحة أن أمهد لحديث من الذكريات عن بدايات اهتمامي بالتاريخ، الذي كانت مادته في المدرسة والجامعة من أحب المواد إليّ . وأذكر أن من أوائل الكتب التي طالعتها في بداية السبعينيات خارج المنهاج المدرسي، كتا  "موجز تاريخ العرب" للمؤرخ اللبناني أستاذ التاريخ في جامعة برنستون الأميركية فيليب حتي، وبضع روايات تاريخية لجرجي زيدان منها "فتح الأندلس" و"المملوك الشارد" و"الانقلاب العثماني"، وكتاب لمارون عبود عنوانه "صقر لبنان" في سيرة وآثار النهضوي أحمد فارس الشدياق ... اشتريت هذه الكتب من إحدى مكتبات شارع الحمرا في بيروت مع كتب أخرى بعد أن طلبت من ابنة خالة لي تكبرني بالسن وكانت تدرس في الجامعة الأميركية هناك أن تدلني ووالدتي على مكتبة كبيرة أستطيع التجول فيها براحتي، وربما كانت تلك مكتبة انطوان ... لا أدري، فالذاكرة الان لا تسعفني لتذكر اسم تلك المكتبة ? 

على أي حال، دلتني بعد ذلك بسنوات قليلة على المزيد من الكتب معلمة من رواد التعليم في فلسطين والأردن، هي أديل غندور - رحمها الله - كانت جارة لنا تسكن قريباً من منزلنا في جبل اللويبدة، وكانت قد تجاوزت الستين من عمرها وتطوعت أن تعطيني دروساً خصوصية في الرياضيات واللغة الإنكليزية، وكانت تسألني أحياناً عما أقرأ فأجيبها، فتشير عليّ بكتب أقرأها مثل كتب المؤرخ المقدسي المرحوم عارف العارف أو تعيرني كتبا مما لديها، غير أنني أصبحت بكثير من فضولي المعرفي اصطحب معي إلى جلسة الدرس الخصوصي عندها كتاب التاريخ الذي ندرسه في المدرسة بداعي أنني أحتاج إلى عون في فهم أحد فصوله، بعد أن وجدت في أحاديثها ذاكرة وقادة ولا سيما عن فلسطين وتاريخها ووقائع مأساتها التاريخية، فقد عاصرت أديل غندور في مدينتها يافا والقدس الكثير من الأحداث وعرفت شخصيات تاريخية كنا نقرأ عنها، وقد سُمح لها يوماً بعد نكبة ١٩٤٨ بإلقاء كلمة أو شهادة في الأمم المتحدة عما أصاب وطنها فلسطين وشعبه من تشرد وعسف وحرمان ... 

غير انني كما أبناء جيلي الذين تفتح وعيهم في أواخر الستينيات، استشعرت أثراً عميقاً للواقع التاريخي في نفسي لما يسمى -تخفيفاً لوقع الصدمة - نكسة ١٩٦٧، وما تزال أصداء الأيام الستة تتردد في ما بقي من الذاكرة ... صوت أحمد سعيد من "صوت العرب" يتوعد "تجوّع يا سمك"، قلق الأهل هنا على الأهل وراء النهر،  غارات الطائرات الحربية الإسرائيلية ونيرانها ... بكاء الناس ونشيج الكبار يوم سقطت القدس !

مع ذلك كله أحب التاريخ، وأثق أن هذا التاريخ لصانعه ونحن جديرون بأن نكون كذلك .