- 21 كانون أول 2012
- مقدسيات
للاب يوسف سعادة
في هذه الايام تلبس القدس ملابس العيد احتفالا باعياد الميلاد المجيد، تتزين المدينة لهذا العيد الاصيل الذي اصبح جزءا لا يتجزء من حياة المدينة وابناءها بغض النظر عن الدين، فالكل يحتفل مع الكل ، هكذا كان اجدادنا وهكذا علمنا اباؤنا، وهكذا سنعلم ابناءنا ..!
وبهذه المناسبة فانه يسعدنا في " اخبار البلد" ان نعيد نشر محاضرة للاب يوسف سعادة القاها قبل عدة سنوات بمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربية ، هذه المحاضرة الرائعة هي تذكير فقط بان القدس هي ام الجميع وليست حكرا على احد، فالمقدسي هو اولا مقدسي قبل اي انتماء ديني او طائفي
أيها الحضور الكريم ،
الأخوة والأخوات المحترمين،
مقدمة:.
شرف عظيم لي أن أكون فيما بينكم اليوم، خاصة وأننا نستذكر دائما وهي في القلب والوجدان _ قدسنا العظيمة –قدس الحضارة ، قدس المحبة والسلام ، وللأسف أصبحت اليوم قدس الحرب ، قدس العدوان والكراهية ، الأخ مع أخيه وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي لها ، ومحاولته طمس معالم القدس ، وتاريخ القدس وحضارة القدس ، بحضارة أخرى مزيفة وبعيدة جدا عن واقعها واصالتها وتاريخها العريق . هذا جانب .
قدس الحضارة والتاريخ :. والجانب الآخر أن جامعة الدول العربية ، قامت مؤخرا ببرنامج خاص عن الحضارة والعلوم والآداب ، وكانت أول مدينة في هذا البرنامج حلب الشهباء ، والسنة القادمة لزهرة المدائن القدس كما نعرفها وكما يعرفها العالم ، لا كما تريدها اسرائيل او من يلف بملف اسرائيل ، لأن الحقيقة ، لا تزيف ولا تزور مهما عملت بها يد التغير والتهويد لجعلها مدينة اسرائيلية.
ومن هنا فإن للقدس تاريخها العريق ولن اتحدث اليوم عن الماضي البعيد في القدم بل اتجدث عن القدس بزمن السيد المسيح وما بعده حيث ان الكتب المقدسة عندنا تضع خارطة لفلسطين والقلب منها القدس بزمن السيد المسيح وعليه اول من اعطي للقدس حضارتها وتاريخها الكتب المقدسة من انجيل وقرآن وقد وردت القدس في عدة ايات من الكتابين المقدسين ، بالإضافة إلى أنها مهد الديانات السماوية وهذه اول حضارة عريقة بالتاريخ ، ومن هنا كانت اهميتها وتراثها فكل حجر فيها يتحدث عن واقعة أو آية او معلم بارز للسيد المسيح عليه السلام مثل القيامة والجسمانية وجبل الزيتون وغيرها كما انها ايضا معلم بارز للرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم ، وهاتان الشخصيتان العظيمتان بالتاريخ فتحوا الأفاق لكل مواطن مقدسي ولكل مواطن يهفوا بضميره وقلبه وفكره نحو القدس.
وقد سجل التاريخ اسماء شخصيات تاريخية بارزه في الأدب والعلم والتاريخ والنضال وخاصة في العصر الحديث للدفاع عن مقدسات القدس وعن تاريخ القدس وعن حضارة القدس وكذلك كان للمسيحيين مع إخوانهم المسلميين دور بارز في بعث اليقظة العربية وخاصة في منتصف القرن التاسع عشر وما تلى ذلك من تاريخ لذلك فإن بعث اليقظة العربية أظهر عدة جمعيات في لبنان مثل الأداب والعلوم سنة 1847 م ، بمبادرة من ناصيف اليازجي وبطرس السستاني وكلاهما مسيحيان وفي هذا العهد افتتحت اول مطبعة عربية اقامها الأباء اليسوعيون في سنة 1610م ، كما ظهرت الجمعية العلمية السورية سنة 1857م ، برئاسة الأمير محمد ارسلان وأعظاؤها الفلسطينيون الستة مسيحيين تميزت بإهتمامها بالوحدة الوطنية والأعتزاز بالتراث العربي.
فلسطين الحرية : كما قامت حركات تحرر وطني عربي واول من دعا اليها نجيب عازوري مسيحي لبناني وفي سنة 1908م قامت جمعية الاخاء العربي بمحاربة الصهيونية والهيمنة العثمانية ، وتنمية الشعور الوطني ونشر التعليم بالعربية ومن اعضاء هذه الجمعية – فرع القدس – حنا القيسي ، خليل السكاكيني ، ونخلة زريق، وعلى سبيل المثال اول كتاب عربي لتعليم الأطفال اللغة العربية الفة خليل سكاكيني ، وبقي يستعمل حتى فترة قريبة لغاية سنة 1960م، وحنا العيسي واخوه عيسى العيسي صاحب الأمتياز لجريدة فلسطين وكانت تصدر اولا في يافا ثم انتقلت الى القدس حتى الغيت هذه الجريده سنة 1965م ، واصبحت باسم جريدة القدس اليوم.
كما يستشهد الأمير الحسن بن طلال بالدور المسيحي البارز في العالم العربي المعاصر ، لا تعادل اطلاقا الأهمية التي يتميز بها حضورهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي في الأقطار التي ينتمون اليها في المجتمع العربي قاطبة ، اذ ان المسيجيين في هذه الأقطار اقلية واضحة ، إذ ظهر دور للمسيحيين في حركات التحرر القومي والوطني ، كما ظهر في صفوف هؤلاء المسيحيين أشخاص من العلماء الذين أعادوا للغة العربية رونقها الأصيل بعد قرون من الانحطاط ومن الذين جدوا في بعث تراثها مارسوا بذلك قواعد القومية العربية كما لعب المسيحيون دورا بارزا في حركة التحرر العربي فأسسوا جمعية العهد استقطبت العسكريين العرب في الجيش العثماني ، وبعدها الحركة القحطانية بمبادرة أمين كزما – مسيحي من حمص – سنة 1909م، وحركة اللامركزية في القاهره سنة 1912م، التي دعت الى تحويل الدولة العثمانية الى نظام التاجين ، العربي – والتركي وعلى غرار الدولة النمساوية – المجرية اسسها اسكندر عمون من لبنان وشبلي الجمل من القدس وكلاهما مسيحيان.
وقد شارك المسيحيون في اواخر العهد العثماني جمعيات تحريرية مثل العربية الفتاه التي تأسست سنة 1911 في باريس والتي شارك فيها المسيحيون ولكن بنسبة قليلة وفي سنة 1913م عقد المؤتمر العربي الأول في باريس شارك فيه 24 عضو نصفهم مسيحيين وعلى اثر دخول فلسطين تحت الأنتداب البريطاني سنة 1919م ، قامت جمعيات اسلامية مسيحية وكان عددها 5 جميعات وقدمت على انها الممثلة الوحيدة لكافة الطوائف والمجتمعات العربية في فلسطين ، عقد المؤتمر الأول للجمعيات الأسلامية المسيحية سنة 1919م بالقدس تبعته مؤتمرات اخرى ، كان آخرها سنة 1928م وقد أقبل المسيحيون بتلهف على المشاركة في هذه الجمعيات كما اختير احدهم خليل السكاكيني سكرتيرا عاما لها ، وكان احد اكبر النشيطين.
الكنيسة وفلسطين :. كما لعبت الكنيسة دورا بارزا في دعم الحركات الوطنية والدفاع عن عروبة فلسطين ، وكان الأب هنري لامنسر اليسوعي اول من نبه للخطر الصهيوني وعارض بيع الأراضي لليهود وذلك سنة 1899م كما هاجم البطريرك اللاتيني برلا سينا بريطانيا لتأييدها الصهيونية التي هي اشد وطأه على العرب من الأتراك حسب {أي البطريرك ، كما قاطع كافة الأحتفالات الرسمية الحكومية وسعى لدى الفاتيكان والرئاسات الروحية الكاثوليكية ان تعلن تعاطفها مع العرب وتعلن رفضها للحركة الصهيونية كما أتهم المطران ماكينس الأنجيلي الصهيونية بالطغيان وسعى لدى رئيس اساقفة كنتربري لتأكيد الحق العربي في فلسطين.
وعلى المستوى الكنسي العربي ايد المطران حجار مطران الروم الكاثوليك لحيفا والجليل عروبة فلسطين وكان احد المدافعين البارزين عن حق العرب امام لجنة التحقيق البريطانية ونصرة القضية العربية في الداخل والخارج ، ولقب بمطران العرب ، كما وأنضم رجال دين اخرون الى الحركة الوطنية مثل الخوري يعقوب حنا من الرامة نفي الى لبنان والخوري الياس قنواني والأب ابراهيم عياد الذي كان له نشاط وطني واسع كما كان احد المبادرين لعقد مؤتمر عروبة القدس سنة 1949م، حيث مثل الطوائف المسيحية فيه والقس المطران لاحقا ايليا خوري الذي نفته اسرائيل الى الأردن والمطران ايلاريون كبوشي مطران القدس للروم الكاثوليك الذي اعتقلته القوات الأسرائيلية ونفته الى اوروبا.
المؤسسات القومية والسياسية بفلسطين :. كما كلف المسيحيون بإداره عدد من المؤسسات القومية مثل المكتب العربي في لندن بإدارة عزت طنوس وهو من القدس وبيت المال بإدارة يوسف الصايغ ، واللجنة العليا لصندوق الأمة التي ضمت الفرد روك ، عيسى العيسي ، فؤاد سابا وميخائيل توما والمشروع الأنشاني العربي ، بمشاركة هنري كتن ، يوسف صهيون وبطرس ملك وهم أيضا مسيحيون من القدس والبنك العقاري العربي الذي ترأسه انطوان عطاالله.
الواقع السياسي بفلسطين :. كما لعب المسيحيون بالنشاط السياسي والوفود السياسية الى لندن سنة 1921م ، وسنة 1931/ إلى مؤتمر المائدة المستديرة سنة 1939م، ولمؤتمر لندن سنة 1946م ، ولهيئة الأمم المتحدة سنة 1947م.
وفي مجالات الفن والأدب لمعت اسماء مسيحية فلسطينية مثل الموسيقار سلفادور عرنيطة ، والسينمائية ابراهيم وبدر لاما والأدباء مي زياده وسميره عزام والشاعر اسكندر الخوري وكمال ناصر وجبرا جبرا والمؤرخون نقولا زياده ، كلثوم عوده ، وجورج انطونيوس كما قام قسم من المثقفين المسيحيين العرب بتأسيس مدارس وطنية بثت في ظلالها روح التحرر وعدم الأستعانة ومن هؤلاء خليل السكاكيني ، مؤسس كلية النهضة بالقدس وقد استقال قبل ذلك من ادارة دار المعلميين الحكومية احتجاجا على تعيين هربرت صموئيل مندوبا ساميا لفلسطين ، وشكري حرامي مؤسس كلية الأمة في القدس وحنا ناصر مؤسس كلية بيرزيت والتي تحولت الى جامعة بيرزيت.
الأعلام بفلسطين :. وفي المجال الصحفي والأعلامي كان لأيناء فلسطين والقدس دور بارز في ايقاظ روح القومية العربية بفلسطين والتحذير من المؤتمرات الصهيونية ، كانت بإدارة مسيحية ، مثل صحيفة فلسطين ظهرت سنة 1908م، الواسعة الأنتشار والناطقة باسم الهيئة العربية العليا بفلسطين وفيما بعد لعيسى العيسي ، وجريدة الكرمل لبخيت نصار وبعد ذلك تبعتها صحف واسبوعيات كثر مثل صحيفة الأصمعي لحنا عيسى ، مرآه الشرق لبولص شحادة ، صوت الشعب لعيسى البندك ، النفير لسهيل زكا ، الأخاء لسليم قبعين ، الأقدام لطانيوس نصر المهماز لمنير حداد، الأتحاد لأميل توما ، ومجلة النفائس العصرية لخليل بيدس.
النقابات :. كما ساهم المسيحيون في العمل النقابي وكانوا ابرز المبادرين والداعميين لتأسيس الجمعيات العمالية ، وذلك لأول مرة في تاريخ فلسطين وقد تأسست جمعية العمال العربية الفلسطينية سنة 1925م ، وشارك فيها نقابيون مسيحيون مثل حنا عصفور وميشيل متري وجورج منصور وغيرهم .
- ورقة ألقيت في ندوة صالون الدكتورة أفنان دروزه الثقافي نصف السنوية في (6/9/0720 في حديقة مكتبة بلدية نابلس, بعنوان: "القدس عاصمة الثقافة

