• 1 آيار 2021
  • مقدسيات

 

 بقلم : الدكتور سري نسيبه

 

عندما أعلن ترامب عن صفقته التي تضمنت اعترافا بسيادة إسرائيل على القدس كان الإنقسام بين السلطتين المتنفذتين في رام الله وغزة وفي الشارع الفلسطيني مستفحلا، والنظام السياسي بعد انقطاع طويل عن الانتخابات متهللا.

وجاءت دعوة مقدسية آنذاك لاختراق هذا الإنقسام والمشاحنات بين القيادتين المتنفذتين من خلال الشروع في حملة تنطلق من القدس وتدعو الى الانتخابات كان الهدف منها أولا التأكيد على أن القدس والمقدسيين هم جزء لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني ، ويرفضون قرار ترامب،  ثانيا تجاوز الانقسام وتوحيد الجهود والعودة الى نظام سياسي ديموقراطي واحد.

 انذاك آثرت القوى المتنفذة تجاهل هذه المبادرة والإكتفاء بالخطابات والبيانات ومؤتمر هنا وهناك.

ثم جاء إعلان الرئيس عباس في الأمم المتحدة عن عزمه إجراء الانتخابات فور عودته، فاستبشرنا خيرا وتأملنا أن يتمكن الشعب الفلسطيني من استعمال هذه الانتخابات لتوحيد مقاومته ضد صفقة ترامب ولإعادة الحياة الديموقراطية الى نظامنا السياسي، إلا أنه لم يلبث بعد عودته أن تجاهل وعده أمام العالم، ولم يعد للموضوع مرة ثانية إلا بعد أن خسر ترامب وأصبح بايدن على أعتاب تسلم مقاليد الحكم في أمريكا.

كمقدسيين  استبشرنا مرة أخرى للتأكيد على موقفنا المتمسك بسيادتنا وللتأثير في أروقة التشريعي على احتياجاتنا التي لم تكن السلطة تعيرها الاهتمام الفعلي والمطلوب ما وراء الخطابات والشعارات، بل ولم تكن توفر لأجهزتها ومؤسساتها  في القدس ما يلزم لعمل ما يمكنها من تلبية احتياجات الصمود للسكان المقدسيين.

وجاء اقتراحي أنذاك أن يقوم سكان القدس بتشكيل كتلة انتخابية موحدة لهم (القدس أولا) يكون مرجعها المباشر مؤتمر عام في القدس يضم كافة الفعاليات والقوى المقدسية ، وذلك ليكون للقدس في التشريعي صوتا قويا يعبر عن مطالبهم واحتياجاتهم، ويعبر في الوقت ذاته عن تمسك المقدسيين بالنظام السياسي الفلسطيني.

كان الأمل أن تشكل هذه القاعدة الانتخابية رأس حربة في العملية الانتخابية المنتظرة ، للتأكيد على صدارة القدس في هذه العملية وفي المشروع الوطني الفلسطيني، لم تلق المبادرة تجاوبا بل الأنكى من ذلك أنه تم التشكيك بهذه الدعوة لاحقا على أنها جزء من صفقة ترامب !!!

فكان أن حرفت البوصلة عن القدس وانشغل الجميع بتشكيل كتلهم الانتخابية بمواصفاتها المختلفة ، والتي وإن كانت القدس جزءا فيها، الا أنها لم تحتل الصدارة منذ البداية ، الى أن أعادها الرئيس عباس في مرحلة متأخرة في سياق معادلة غريبة مفادها أن التصويت في صناديق البريد بموافقة إسرائيلية هو تأكيد على السيادة الفلسطينية بينما يعني عدم الموافقة الإسرائيلية التخلي عن هذه السيادة!!!!

لا حاجة للتمعن كثيرا بهذه المعادلة لمعرفة سلبياتها المنطقية، مما دفع الكثيرين للقول أنها مجرد تبرير لتأجيل انتخابات لاعتقادهم ان قائمة عباس الانتخابية لن تحصد أغلبية فيها. فالحق هو أننا لن نؤكد "سيادة" في القدس إن اقترعنا في صناديق بريدها بموافقة إسرائيلية، كما أننا لن نتخلى عن سيادة إن لم تمنحنا إسرائيل هذه الإمكانية. موضوع سيادتنا في القدس، كما الأمر في مقاطعة رام الله وفي مناطق (ب) و (ج)، مرهون  بتسوية سياسية شمولية لا يوجد حتى الآن أفق لها.

من متطلبات إيجاد مثل هكذا أفق أن نوحد صوتنا وجهودنا، ليس بفعل ضغوطات تمارسها قيادات تسعى لتجديد أدوارها، بل بفعل عودة تلك القيادات للشعب للأخذ بقراراته، الأمر الذي لا يتأتى إلا من خلال الانتخابات النزيهة وحرية الرأي. الشعب أكبر حجما من قياداته، وتقرير المصير من حقه هو ، وليس من حق الفئات المتنفذة بالحكم.

 ولا ننسى ان انتخابات التشريعي أصلا ما هي إلا لأجل إدارة سليمة محلية ومحدودة جدا لجزء واحد من شعبنا، والأهم ما سوف يأتي من بعد وهو الوطني ومنظمة التحرير التي أوجدت السلطة بهيئاتها المختلفة.

ما أريد الوصول اليه هو أن الشعب الفلسطيني أرغم للعيش في متاهة سياسية حرفت الأبصار ليس عن القدس فقط ، بل عن القضية الفلسطينية بشموليتها. وأن الانقسامات الثانوية و المضرة التي نشهدها هذا اليوم بين الفتحاوي والوطني، أو الفتحاوي والفتحاوي، أو الوطني والحمساوي، الخ، تسمح لإسرائيل بالتلاعب في أقدارنا، على مستوى القدس أو الأرض المحتلة أو القضية برمتها، هذا الوضع تتحمل مسؤوليته قياداتنا، التي عليها التنحي لإعطاء الأجيال الجديدة الفرصة لتقويم أمورنا، وتسديد مسيرتنا، في ظل نظام ديموقراطي يحترم ويخدم الضعفاء منا قبل الأقوياء.