• 6 حزيران 2021
  • مقدسيات

 

القدس – أخبار البلد -  في مثل هذا اليوم دخل الحزن منازل المقدسيين فلا يكاد يكون منزل الا وبه شهيد او اسير او مهاجر لاجئ ، فهذه الحرب التي انتهت خلال ست ساعات  تحولت معها القدس من النعيم الى  الجحيم ، ولا تزال هذه الحرب  جرحا عميقا ينزف بهدوء رغم مرور عشرات السنين.

 شبكة " اخبار البلد" استطلعت اراء المقدسيين الذين عاشوا هذه الفترة وتحدثوا بصراحة ولأول مرة عن شعورهم وتجاربهم الشخصية :

 الدكتور سليمان غوشه:

  ناشط مقدس معروف " كيف توالت الاحداث لا اذكر، ولكن ما اعرفه وعشته هو اننا  كنا نفترش الارض اختي وانا ، والحجة سند كانت  تأتي لتغيب من جديد

والحجة سند لمن لا يعرفها هي روضة الحي ، .نذهب اليها صباحا ونعود لبيوتنا عصرا مع استراحة للغذاء  ، لمن يستطيع وكلنا من ابناء الحي او المحلات القريبة. نفترش الجنابية التي احضرها كل منا من بيته ،  وننصت ونكرر من وراء الحجة او حفيدتها احيانا السور القصيرة من القران او بعض الأناشيد ، اما جدول الضرب فكنا  نرى الضرب فقط دون اي جدول لمن يتاخر صباحا او يتلكاء  بالعودة ظهرا او لا يجلس باحترام وبصخب

اما يومها فكان الصخب يملا المكان

ما كدنا نبدأ يومنا حتى حضرت احداهن لاصطحاب اخوها الاصغر وبعد تمنع من الحجة وافقت ، ولم تكد تفعل حتى حضر والد اخر لاصطحاب اطفاله، وقبل اغلاق الباب اذ بأهالي اخرين بانتظار السماح لهم بأخذ أطفالهم  دون تردد  والصمت يغلف الاجواء والتهامس والخوف وكلمة الحرب تهرب لتهبط علينا وترعبنا ، كنا راينا الرعب باعين وتصرفات الجميع من حولنا.

واتخذ القرار بالإنسحاب تركتنا الحجة نغادر جميعا كل الى بيته من اقصر الطرق.(فالبهود على الابواب) قالت وقد كانوا.. 

بالمعسكر القريب داخل السور لم يكن الجنود من الجيش الأردني  هناك كما كانوا في كل يوم لم يمازحونا كما كانوا يفعلون،  لقد رحلوا تاركين ابريق الشاي الضخم وحيدا  فوق  المتراس وبدانا نتسابق انا واختي والخوف ثالثنا بالطريق المؤدي الى بيتنا ، فقدنا مطرة الماء  التي وقعت بمكان ما بالطريق ولم نلتفت اليها . باب بيتنا كان مشرعا وابي رحمة الله يحتضن الراديو الوحيد الذي نملك والصوت يأتي من هناك

هنيئا لك يا سمك......

الدكتور زكريا القاق خبير الامن القومي ودراسات الحروب 

صباح الخير استاذ خليل .لا اريد ان انكا الجراح لأني عشتها ومشيت انا وابي وامي حفاه وكانت امي تعاني من مرض بالقلب .انها ماساه وليست نكسه .كلما رأيت حربا ومهجرين في اسوا حالاتهم هذا انا الصغير وهذه امي وهذا ابي .اعتذر عن الكتابه بهذا الموضوع، فهو موضوع مؤلم للغاية بالنسبة لي ،  كنت لاحقا عملت دراستي الدكتوراه في بريطانيا عن الحروب حتى افهم ديناميكيتها .ولا اعتقد ان حرب ٦٧ قد انتهت وبدلالة اننا نعيش استمرارها للان.

الصحفي المقدسي سمير سعد الدين

 

" حدثني المرحوم الدكتور صبحي غوشة أحد اعلام القدس ومدير جمعية يوم القدس بعمان والذي أبعده الإحتلال عن مدينته بعد إعتقاله رحمه الله حيث هو ومقدسيين بدؤا تنظيم المقاومة للغزاة  بعد إحتلال القدس مباشرة عام67  أتت إسرائيل بعدة حافلات ووضعتها بساحة باب العمود وقد أعلنت ،نها مخصصة للذين يرغبون بالتوجه لعمان إذ انه من اليوم الأول للاحتلال عملت على تهجير الفلسطينيين من القدس والضفة الغربية وفعلا بعد يوم أو يومين توجه نفر قليل لباب العمود للهجرة لعمان ، وهنا جاءهم عدد من شخصيات القدس منهم الدكتور صبحي نفسه والمرحوم موسى البيطار والشهيد كمال النمري والمرحوم الشيخ سعد الدين العلمي وآخرين وخاطبو من في  أحد الباصات الذين تجمع فيه هؤلاء قائلين لهم إلى اين أنتم ذاهبون وتاركون البلد لليهود ، ولما كانت حجتهم ضعيفة تركوا الحافلة ولم يبق بها سوى سيدة ومعها طفلها ، وقالت أن زوجها جندي في عمان وتود الإلتحاق به ولا معيل لها

كما ذكر لي الشهيد كمال النمري أنه في اليوم الثاني والثالث لدخول المحتلين حصل مجموعة من الشباب وشخصيات القدس على تصريح من قبل القائد العسكري للقدس المحتلة كي يقوموا بجمع جثث الشهداء من الشوارع والأماكن التي قتلهم جنود الإحتلال لدفنها

  الكاتب والناقد إبراهيم جوهر

" هذا يوم فيه انكسرت أحلامنا وصودرت طفولتي الحالمة بمستقبل أكثر بهاء وحيوية.

هو يوم حمل واقعا جديدا ولغة جديدة راحت تعلّمنا إياها معلّمة بتنّورة قصيرة جدا – نحن أبناء القرية! 

كانت التّنّورة رمزا ورسالة وثقافة...وحين ولجتُ مرحلة ما قبل النضج بقليل غادرت ما أرادته ثقافة التّنّورة القصيرة لي ولجيلي...

لو لم يكن الخامس لحزيران الحزين لكانت الحياة أكثر جمالا ومعنى. ذاك يوم ما زالت ندوبه تشوّه وجهي...

عشيّة الخامس من حزيران اغتالوا أحلامي وطفولتي...

... في الصف الثالث الابتدائي شعرت بأنني كبرت ... ولكنهم يشعروننا دائما بأننا ما زلنا صغارا : في الصف الأول لم نخرج لاستقبال الملك ، وفي هذا الصف لم يوزعوا علينا كراسة الدفاع المدني والأسعافات الأولية التي تم توزيعها على طلاب الصفوف الأكبر منا ... الحرب ستندلع .. الراديوهات ، الخطابات ... أحمد سعيد ..تجوع يا سمك البحر !!! وبدأنا نراقب آباءنا وهم يستمعون للاذاعات والأناشيد الحماسية ، وأم كلثوم ستغني في تل أبيب ... وأخي المعلم في مدرسة بيت صفافا الأبتدائية يخمن كم سيكون سعر التذكرة !!!!!!! 

في هذا الجو الذي يتهيأ فيه الناس للنصر ، جاءت الأوامر للضباط والجنود الأردنيين للمغادرة الى شرق الأردن ! وهكذا رحل جارنا الطيب أبو فواز ... على عجل ، وترك قطته السمراء التي بحث عنها طويلا ، ولم يغادر الا بعد أن يئس من عودتها ، ،، كان الأمر سريعا ، والرجل شهم وصادق ... لقد أحببناه نحن الأطفال وتحمل عبثنا البرىء... وبقيت القطة التي راقبناها جيدا حين عودتها ،وتعاطفنا معها كثيرا ... لقد أحزنتنا تلك القطة وهي تبحث غير مصدقة عينيها . .. لقد غادرت في الصباح كعادتها ... فما الذي حدث هذه المرة ؟؟؟!!! 

لم يخبرها أحد بأن الحرب ستندلع ، وكيف لنا أن نخبرها ؟ ... ليته كان لنا ذلك !!!

الحرب : انها لعبة جميلة ... كنت أراها شيئا جميلا لا أعرف ما هو في الواقع .... ربما لأننا كنا واثقين من قدرات أحمد سعيد !!!أو أم كلثوم !!! كنا نظن الحرب نزهة أو لعبة أو أي شىء قريب من هذا ...

لقد اكتفوا بتوزيع الكراسة على الطلاب الكبار ، ونحن كنا صغارا ... هم ينشدون كل صباح "دمت يا شبل الحسين " ونحن لا ننشد! 

الحمد لله . انتهى العام الدراسي في الأول من حزيران ، ولم تنشب الحرب ! واعتقدت أنها لن تنشب أبدا لأن العام الدراسي قد انتهى !!! ومن غير المعقول أن تنشب حرب في العطلة الصيفية !!!أنها عطلتي التي تفصلني عن الصف الرابع

جميل جدا . في العام القادم سأكبر ، وسيعترفون بي !!ورحت أسابق الوقت ، أريد أن أكبر !ّ!فأسرعت الى ابن جيراننا الذي يكبرني بصف ! أخذت من هشام سرور ابن جيراننا كتب الصف الرابع (صفي الجديد ) وأعطيته كتب الصف الثالث ( صفي القديم) ... وبدأت أقرأ كتب الصف الرابع .... بدأت بكتاب ( وطني الصغير ) ...أنا الآن سعيد جدا ، وربما لا تكفي هذه الكلمة لوصف الشعور الغامر بالفرح ... لقد نسيت الحرب ، وعمني الفرح ... أنا الآن في نظر نفسي في الصف الرابع ...

ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن . 

لقد قامت الحرب !!!

الأثنين ، في الخامس من حزيران 1967 ، وعند الساعة العاشرة ، قال الضابط المناوب آمرا جنوده الستة : يللا