- 21 أيلول 2023
- مقدسيات
بقلم : سعادة مصطفى ارشيد*
تبدي أوساط السلطة الفلسطينية في رام الله اهتماما ملحوظا بملف التطبيع مع ا(سرائيل) متداركة تسرعها عندما أخذت مواقف حادة من التطبيع الاماراتي البحريني قبل عامين ووصفته بأوصاف الخيانة وعلى أنه طعنه في الظهر، الأمر الذي تعاملت معه الحكومتان الإماراتية والبحرينية باستخفاف ولسان حالهما يقول: اننا لم نفعل إلا ما فعله الفلسطيني الرسمي، اي منظمه التحرير الفلسطينيه التي كانت سباقة في التطبيع
وفي الاعتراف (بإسرائيل) وحقوقها في أرض فلسطين، وليس هذا فقط وإنما نسقت مع اسرائيل في كافة مجالات العمل الإدارية والمدنية والسياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، وقد فات الفلسطيني في حينه ملاحظة أن التطبيع الاماراتي البحريني قد حصل على تأييد السعودية الهادئ (الصامت) وان السعودية لو لم تكن مع ذلك التطبيع لاستطاعت أن تحول دونه.
كان الشعور بالضيق لدى رام الله يعبر عن الإحباط من تصور كان قد استقر في العقل الاوسلوي الذي كان قد تصور أن من المكاسب المهمة التي سيحصل عليها الفلسطيني هي بأن يكون قادرا على احتكار دور العراب والوسيط لأي تطبيع قادم بين (اسرائيل) ودول عربية وإسلامية.
لم تكن السعودية في يوم من الأيام في اشتباك صفري تناحر مع المشروع الصهيوني لا قبل قيام دولة (اسرائيل) ولا بعد قيامها ، صحيح انها التزمت بالإجماع العربي بعدم الاعتراف (بإسرائيل) ولكن ذلك الإجماع كان له علاقاته غير المباشرة مع دولة الاحتلال، وكان يؤمن على الدوام بضرورة الوصول إلى صيغة تفاوضية، ولعل السعودية كانت سباقة، فهناك رسائل قديمة بين الملك المؤسس عبد العزيز والإنجليز يبدي بها الملك عطفه على اليهود المساكين، ثم هناك المبادرات السعودية العلنية وكان أولها مبادرة الأمير فهد(الملك لاحقا) للسلام المعروفة باسم مبادرة فاس.
اعلن الامير فهد مبادرته في القمة العربية التي عقدت في فاس عام 1981 والتي تضمن ثمانية نقاط، أهمها انسحاب اسرائيل من كامل الأرض التي احتلتها اثر حرب 67 وتفكيك المستوطنات وحرية العبادة في القدس لمختلف الديانات و عودة من يرغب من اللاجئين الى ديارهم وقيام دولة فلسطينية، و يمكن إجمال القول بأن المبادرة كانت إعادة صياغة جديدة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. اعترضت منظمة تحرير على المشروع وساندها في اعتراضها دولا عربية عديدة ولكن بعد سنة ونيف وفي قمة عربية لاحقا تم إدراج نص يقول بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني و انها الجهة التي ستستلم الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة إثر ذلك تراجع الموقف الفلسطيني والعربي عن رفضه للمبادرة وتم القبول بها لكن حكومة بيجن المتشددة جدا لم تكن لتقبل بالمبادرة او حتى بمناقشتها وتعود أهمية المبادرة في انها ارست فكرة التفاوض بشكل رسمي ومن خلال قمة عربية وانها اصبحت مقبولة بدل فكره التحرير الشامل.
بعد عشرين عاما و في قمة بيروت عام 2002، أطلق الأمير عبد الله بن عبد العزيز (الملك لاحقا) مبادرته للسلام والتي كان قد نسقها مع الإدارة الأمريكية، حملت هذه المبادرة اسم المبادرة العربية للسلام باعتبارها حازت على إجماع عربي (باستثناء تحفظ ليبي)، و جاءت على شكل صفقة: الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل الاعتراف الشامل من قبل الدول العربية. لم يرفضها شارون رئيس حكومة الاحتلال وإنما وضع عليها أربعة عشر تعديلا إفراغها من مضمونها.
(الإسرائيلي) يريد التطبيع بشدة فهو يعرف مكانه السعودية بأنها قد اصبحت او تكاد زعيمه للعرب والمسلمين ويعرف موقعها الاستراتيجي وثرواتها الاقتصادية ويحتاج وتحتاج ويحتاج رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ان يحقق نجاحات بهذا الحجم لدعم موقفه الداخلي وان فعل ذلك فسيكون قد حقق اختراقا يعادل نصرا عسكريا
وسعودي له مطالب فهو يريد الحصول على مفاعلات نووية للأغراض السلمية ويريد ان يصبح حليفا اساسيا للناتو من خارج الناتو بحصوله على أسلحة متطورة تمثل ما لدى حلفاء الناتو الأقوياء و(اسرائيل) منهم وتريد السعودية شيء الى الفلسطيني كجائزة ترضية وتبرير لتطبيعها رفعا للعتب.
الأمريكي ساكن البيت الأبيض يريد هذا التطبيع باعتباره انجازا خارجيا له خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وهو يخشى ان يكون الثنائي بن سلمان نتنياهو يفضلون إعطاء هذا الصوت الذهبي للمرشح الجمهوري
مسلسل سعودي جيدا تجارب التطبيع مع (اسرائيل) فكل من طبع معها جاءت نتائجها مخيبة لأمال وتقديراته، الاردن افترض أن التطبيع قد شطب مسألة الوطن البديل وان (الاسرائيلي) قد اعترف بالأردن كوطن نهائي ولكن الايام اثبتت ان هذا الموضوع كان في ذهن الاردن فقط لا في ضمن الإسرائيلي والتطبيع جعل من الأردن رهينة في أموره الحياتية من ماء وطاقة وغيرها ، الفلسطيني بعد ثلاثة عقود يتم قضم كل ما كان يدعي أن اتفاقه قد حققه، وهو مطالب بالمزيد من العمل والتنازل .
قبل أقل من شهر اجتمعت وزيرة خارجية ليبيا مع وزير الخارجية (الاسرائيلي) وافترضت ليبيا انها تقدم تضحية ستنال ثمنها من إسرائيل ولكن كان أهم ما طرحه الوزير (الاسرائيلي) على نظيرته الليبية المطالبة بالتعويض عن املاك 40 ألف يهودي ليبي مهاجر بمبلغ 40 مليار دولار فبكم سيطالب الاسرائيلي تعويضا عن أملاك اليهود في خيبر من بني قريظة و قينقاع و النضير منذ 14 قرنا.
منذ أيام زار وفد فلسطيني رفيع يضم اهم اركان دائرة صنع القرار الفلسطيني الرسمي الرياض، و اضافة الى اجتماعه مع الجهات الرسمية السعودية كان هناك اجتماعات ثلاثية ضمت اليهما وفد امريكي رفيع، قدم الوفد الفلسطيني مطالب عرف منها ما يتعلق بعضوية فلسطين بالأمم المتحدة ، ومطالب إدارية وحياتية من شانها ان تعالج شعبية السلطة الفلسطينية المتآكلة.
لكن التطبيع الذي لا ريب بحصوله لن يكون سريعا، فهو يتطلب حكومة اسرائيلية جديدة لا يكون بها وزراء من نوع سموترتش و بن غفير، و حكومة ستكون مضطرة للموافقة على مشاريع السعودية في بناء مفاعلات نووية قد تتدخل في مواصفاتها و قدراتها، و لا مانع لديها إذا حصلت على ضمانات من امتلاك السعودية لبعض السلاح الذي تطالب به، حكومة مستعد لمقايضة السعودية على صيغة مقبولة تتعلق بالقدس والمسجد الأقصى .
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير- جنين- فلسطين المحتلة