• 29 كانون أول 2024
  • مقدسيات

 

 القدس - أخبار البلد - كتب خالد الاورفالي : 

إن بيانات هدم البيوت في شرقي القدس تعزز الشعور بأن البلدية تستغل حالة الطوارئ لزيادة وتيرة الهدم. حسب بيانات جمعية “عير عاميم”، تم تنفيذ 243 أمر هدم هذه السنة، أكثر من أي سنة أخرى منذ العام 1967. في المباني التي تم هدمها 171 شقة. 103 أوامر هدم نفذها السكان بأنفسهم، حتى لا يضطروا لدفع تكلفة الهدم للبلدية.

“حي البستان هو الحالة المتطرفة في السياسة الوحشية التي صادق عليها رئيس البلدية وبن غفير”، قال افيف ترسكي، الباحث في جمعية “عير عاميم” والذي جمع البيانات.

 السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هذا الاستهداف لحي سلوان اكثر من اي حي في القدس الشرقية والجواب يبدو في الوهلة الأولى بسيطا كما قال العديد من السكان لان سلوان  على مدخل المسجد الأقصى الذي لا يبدع سوى عشرات الأمتار المعدودة عن ذلك الحي الذي كان في يوم من الايام قرية والآن بات حيا داخل القدس ، هذا ما قاله الشاب عبد الرحمن ٢٤ عام  من حي بطن الهوى مضيفا ان اسرائيلة تريد ان تبعدنا عن الاقصى وان تحتل كل سلوان من اجل الاستيطان وخلق تاريخ لهم ليس موجودا .عبد الرحمن كان قد اعتقل أكثر من مرة بسبب اعتراضه على قيام المستوطنين باحتلال عدد من المنازل في سلوان .

اذن فان حكاية سلوان لها علاقة بالتاريخ وهوية المكان الذي تحاول إسرائيل أن تفرضه بالقوة كما قال زهير الرجبي والمهدد منزله بالهدم " كل سلوان تشعر بأنهم يستغلون الحرب لإخلائنا وهدم منازلنا لا أحد يمكنه قول كلمة”

 بينما قال الدكتور زيدان كفافي عالم الآثار المعروف  والرئيس السابق لجامعة  اليرموك في اربد في مقابلة مع " أخبار البلد" لبمقدسية :  ان سلوان مستهدفة بشكل كبير لأن  هذه المنطقة، برأي الإسرائيليين، هي المكان الأول لاستقرار اليهود في المنطقة، لذا أصبحت هدفاً للحفريات الإسرائيلية بحثاً عن آثار مملكة داود وسليمان.  وقد حاول الإسرائيليون في بداية الأمر ربط عيون مياه "أم الدرج" و"سلوان" مع القصص التوراتية، والآن يحاولون تأكيد روايتهم عن طريق المكتشفات الأثرية، لدعم فكرة أن هذه المنطقة هي مدينة داود المذكورة في التوراة (صموئيل الثاني 5: 9). وكان المنقب الفرنسي ريموند فايل (Raymond Weill) الذي نقب في المنطقة خلال عامي 1913 – 1914 قد اقترح أن هذه المنطقة هي قلعة داود (Weill 1920; 1947). وعلى أية حال، نود أن ننوه أن تقارير الحفريات الأثرية التي جرت في هذه المنطقة قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 لم تطلق على هذه المنطقة اسم "مدينة داود" ولا "قلعة داود"، وإنما "الظهورة".

 وعدد الدكتور كفافي في دراسة أعدها بعنوان " سلوان بين الآثار والتوراة" الحفريات التي جرت لاثبات أي علاقة لليهود في ذلك المكان  :  الحفريات التي جرت في تسعينيات القرن التاسع عشر في الجهة الجنوبية – الشرقية من هذه المنطقة بحثاً عن أنفاق تحت الأرض وقام بها كل من بلس وديكي (Bliss and Dickie 1898). . الحفريات التي قام بها الفرنسي فنسنت في عام 1911 بحثاً عن النظام المائي فيها (Vincent 1911). . الحفريات التي قام بها كل من ماكلستر ودنكن في الفترة بين 1923 – 1925 بحثاً عن القلعة اليبوسية، والتي تقول التوراة أن الملك داود قد احتلها من اليبوسيين (Macalister and Duncan 1926).. الحفريات التي قامت بها الإنجليزية كاثلين كنيون في الفترة بين 1961 – 1967 (Kenyon 1974). 

أثبتت نتائج هذه الحفريات أن المنطقة العليا في الظهورة  وسفحها الشرقي  كانتا مسكونتان من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى الآن. لكن بعض الباحثين الإسرائيليين يرى أن منطقة السفح لم تعد مسكونة بعد تدمير القدس على يد نبوخذنصر في حوالي 587 قبل الميلاد، وانحصرت السكنى في قمة منطقة  الظهورة (Greenberg 2009: 39- 41)

 المرجع ( كفافي، زيدان 2012؛ سلوان بين الآثار والتوراة. الصفحات 271 – 288 من الاصدار الخاص، القدس .. ريحانة الضمير العربي (2-3 نوفمبر 2009). المجلة العربية للعلوم الانسانية. الكويت: جامعة الكويت، مجلس النشر العلمي. )   

واختتم الدكتور زيدان كفافي حديثه  ل " أخبار البلد"  بالقول  " مر أكثر من خمس وسبعين عاماً على سقوط غربي القدس ، وأكثر من سبع وخمسين عاماً على شرقيها، تغيرت خلالها المعطيات الأثرية والتاريخية، وحتى القانونية الدولية، كثيراً. حيث قامت إسرائيل بإجراء عدداً كبيراً من الحفريات الأثرية داخل المدينة وفي محيطها (Greenberg and  Keinan 2007)، خاصة في المنطقة القريبة من الحرم الشريف، مما أدى إلى تغيير ملامح المنطقة كلياً عما كانت عليه عند الاحتلال عام 1967، وإلى تصدع جدران المباني القريبة من منطقة الحفريات. وبالمناسبة لم تجرى في مدينة القدس  نفسها  حفرية أثرية عربية واحدة.  تربط إسرائيل بين النصوص التوراتية، والمكتشفات الأثرية في إعطاء نفسها الحق لسلب البلاد من أهلها، وفي تأكيد حقها التاريخي المزعوم في فلسطين. إن ما تقوم به إسرائيل من أعمال ميدانية أثرية في الأراضي المحتلة يعد أمرًا مخالفًا للمواثيق الدولية، وعلى المؤسسات الدولية المعنية، مثل، اليونيسكو، مطالبة إسرائيل التوقف عن المضي بذلك، لأنه لا يجوز لها إجراء حفريات أثرية في مناطق محتلة، ولا يحق لها العبث في ممتلكات غيرها التراثية. 

ووفق الباحث مازن اهرام ل " أخبار البد" فان سلوان تحظى باهمية خاصة لدى المسلمين والمسيحيين فعين سلوان أو "عين أم الدرج":  فقد كانت وقفا إسلاميا منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان ويسميها المسيحيون "عين العذراء"، وترتبط عندهم بمعجزة عيسى عليه السلام الذي تقل ول الروايات إنه أعاد النظر لأعمى بعدما غسل وجهه بمياهها، ومن ثَم انتقل هذا الاعتقاد إلى التراث الإسلامي المحلي، وأصبح يُظن أنها عين مباركة يستشفى بها. بينما يطلق الإسرائيليون على هذه العين  اسم عين "جيحون"، التي ورد ذكرها في التوراة، ويربطونها طقوس التطهر من "نجاسة الموتى" برماد البقرة الحمراء بعد خلطه بمياه العين. وفي أواخر عام 2022، أعلنت سلطات الاحتلال اعتبار عين سلوان موقعا أثريا يهوديا، ودشنت مشروع أعمال التنقيب عن بركة "سلوان" التاريخية في القدس. وهذا ما ذكره الباحث اهرام ايضا في مقالة له في جريدة اخبار البلد المقدسية.

 وقال الدكتور يوسف النتشة مدير مركز الدراسات المقدسية في جامعة القدس  لجريدة " أخبار البلد"  ان سلوان لها علاقة فريدة من نوعها مع البلدة القديمة من القدس 

" يصعب في الواقع ايجاد علاقة حميمة في اي بلدة من بلدات القدس  المحيطة بها كما هو الحال فيما يعلق ببلدة سلوان وذلك ان سلوان هي موقع نواة مدينة القدس التي نراها اليوم ممثلة في البلدة القديمة وما يحيط بها من ضواحي ، سلوان بالاضافة ان موقعها إلى الجنوب من المسجد الاقصى فان تواصل المعماري والحضاري والبقايا الأثرية  نستطيع ان نقول انها لا تنفصل عما يحيط بمدينة القدس ، فلا يمكن لأي باحث ان يتعرض لتاريخ المدينة المقدسة دون أن يستهل بحثه بالحديث عن سلوان نواة المدينة .

 نواة المدينة هذه نشأت في الألف الثاني قبل الميلاد، وذلك بالاستناد إلى الوقائع والمكتشفات الاثرية ، ولكن الرواية الرسمية  الإسرائيلية تصر على أن تاريخ المدينة قد  ابتدأ في الألف الاولى قبل الميلاد رابط ذلك بقدوم داود وسليمان عليهما السلام،  ومعروف أن الحديث عنهم من خلال التوراة لا يركز  على كونهم أنبياء كما هي الرواية الاسلامية العربية  بقدر ما  يركز عليهما ملوك،  ولكن الواقع يثبت أن هذه البقايا الاثرية التي كانت موجودة تعود إلى ما قبل  داود وسليمان وهذا الموضوع محسوم من الناحية التاريخية  ومن الناحية الأثرية .

  تصر الرواية الإسرائيلية على إطلاق اسم مدينة داود  على بلدة سلوان والواقع أن هذا الاسم لا نجد له صدى في التوراة ولا في الكتابات القديمة إنما هو اسم الهدف  منه سلب المدينة تاريخها القديم ،  فالاسم الحقيقي الذي وردنا يعود الى ما أطلق عليه بالفترة الكنعانية بأن أعطاها  اسم أورسالم ، وهذا بالاستناد إلى وثائق تاريخية  باعتبار أن سالم هو حامي المدينة وهو اسم إله كنعاني . اذن المدينة تسبق قدوم داود وسليمان وهي نواة المدينة التي بدأت تنشأ في العصر البرونزي  في فلسطين .

اي ان سلوان لها تراث عريق مرتبط بالمدينة وحاليا فان البلدة تتعرض لحملة كبيرة من التهويد باسم الحفريات الأثرية وطمس تاريخ المدينة واعادة تسمية البلدة باسم مدينة داود هو مسح لتاريخ المدينة العريق.