- 17 آيار 2025
- مقدسيات
عمان – اخبار البلد - " صدقني لقد زاد حبي للقدس اكثر واكثر وانا اشاهد هذا الكم الكبير من المؤرخين والأثريين والمفكرين يجتمعون تحت سقف واحد من أجل مدينتي القدس ويعبرون عن حبهم لها من خلال أحاديثهم وكتبهم" هذا ما قال الدكتور هاني نور الدين دكتور الآثار في جامعة القدس الذي شارك في مؤتمر مؤرخي القدس الثاني والذي كان تحت عنوان " القدس إلى أين " وعقد على مدار يومين في فندق الانتركونتننتال في عمان ذلك الفندق التاريخي الذي كان ولا زال مكان اللقاء لكبار الشخصيات المقدسية والاردنية والعربية حتى ، وذلك بحضور أكثر من مئة مؤرخ ومفكر في القارات الأربع في اكبر تظاهرة اكاديمية فكرية تاريخية حول القدس تعقد حتى الآن ، وهذه اشارة واضحة الى عمق الارتباط بين الأردن والقدس والهاشميين بالمدينة المقدسة كما قال ذلك سمو الامير الحسن بن طلال في كلمته الافتتاحية:
" ان جدي الشريف حسين عندما وصل القدس قبل أكثر من مئة عام وكان المقدسيون في استقباله في محطة القطار في القدس كان هذا الاستقبال هو بمثابة مبايعة للوصاية الهاشمية على القدس والأماكن المقدسة منذ ذلك الوقت والهاشميون ماضون بهذا الطريق . مشددا في كلمته التي تنم على عشق حقيقي للقدس " أن المقدسي هو من تعيش القدس عقله ووجدانه، ولا تفارق القدس فكره وكانت حاضرة أينما ذلك هذا هو المقدسي "
واضاف الامير الحسن الذي حرص على حضور جميع جلسات المؤتمر الثماني والتي امتدت على مدار يومين، بل والمشاركة بشكل فعال " آن الأوان للحديث عما بعد، فموضوع اليوم هو إنساني عالمي وليس مشكلة اثنية وسياسية "
وطرح الامير العديد من التساؤلات هي بمثابة التحديات أمام المؤرخين والأثريين والمفكرين مثل ضرورة ايجاد ومتابعة التعريف الحسي المكاني ، وأن جوهر القدس في الضمير هو الانسان المقدسي الذي يعيش الأزمات في المدينة.
مؤكدا على أن جوهر مشروع "القدس في الضمير"، الذي تم تأسيسه تحت مظلة منتدى الفكر العربي منذ أكثر من 20 عاما، هو الإنسان العربي والفلسطيني المقدسي الذي يعيش الأزمة المستمرة داخل المدينة المقدسة، ومستقبل هذه المدينة وهويتها ودورها ودور الإنسان فيها. مضيفا: "نستحضر هنا أهمية الحديث عن الثقافات المشرقية التي تختزن في جنباتها روح الإشراق ووحدة الضمير الإنساني والقيم البشرية الجامعة، من مبدأ تعظيم الجوامع( أي الذي يجمع) واحترام الفروق".
ومعروف ان الأمير الحسن يستخدم مصطلحات عميقة فلقد قال أن هذا اللقاء يمثل فرصة كبرى للخروج من ثقافة القطع إلى ثقافة الوصل، والذهاب من المراجعة إلى المبادرة، وإلى تطوير استراتيجية قائمة على رؤية، من أجل قولبة الأفكار وإحالتها إلى استراتيجيات وخطوات إجرائية لمواجهة العنف والإرهاب وحتى تبقى القدس في الضمير.
بينما قال الدكتور ( Antonino Pellitteri) من جامعة باليرمو والذي يعتبر من أشد المؤيدين لفلسطين والقدس قال انه من الصعوبة بمكان الإجابة على كل الأسئلة التي طرحها الأمير الحسن ولكن يجب النظر إلى القدس على أنها مدينة يعيشها بشر ، مقتبسا من كتاب لكاتبة ايطالي مشهورة زارت القدس وكتبت في مقدمة الكتاب " ساكبت كتاب ليس من أفضل أعمالي الفنية ولكنه الأكثر انسانية والأكثر صدقا، عن القدس وروحها "
وفي حديث جانبي قال الدكتور الايطالي انه يتمنى ان يزور القدس التي احبها من خلال ذلك الكتاب الذي يجري ترجمته حاليا الى اللغة الانجليزية،للتعرف على سكان المدينة العرب المسيحيين والمسلمين ولكن بالتأكيد بسبب كتابته عن حرب غزة فإنه لن يسمح له بالوصول الى القدس، تخيل ان لدينا شراكة مع جامعة النجاح في نابلس ولا نستطيع ارسال الطلبة من عندنا الى هناك ولا تستطيعون ارسال طلابهم من نابلس إلينا ، بسبب الاوضاع .
وحرص كل مشارك أن يتحدث عن اعماله وانجازاته الأكاديمية والبحثية عن القدس في كل الفترات الزمنية من الاموية والمملوكية والصليبة والعثمانية وحتى يومنا هذا.
وقال الدكتور عمر عبد ربه من جامعة بيت لحم ان هذا المؤتمر هو فرصة حقيقية لكل باحث عن يتعرف على هذا الكم الهائل من الباحثين والباحثات في الشأن المقدسي ، ولكن ما نريده هو أن تكون هناك منهجية واضحة وليس عمل فردي حتى نتمكن من تحقيق أكبر إنجاز للقدس "
وهذا ما واضحا في اقتراح الأمير الحسن عندما قال بضرورة إنشاء مؤسسة التراث المشرقية بهدف الاعتماد عليها بدل الاعتماد على المشرقين الأجانب والذين غالبيتهم كانوا ذو اهداف توراتية استعمارية . وهذا ما اتفق معه المستشار الأكاديمي للمعهد الملكي للدراسات الدينية الدكتور عامر الحافي عندما أكد على أهمية الدراسات النقدية المعمقة للسرديات الاستعمارية لتاريخ مدينة القدس، والتي تحرر العقل العربي من المركزية المعرفية الغربية التي هيمنت على وعينا وجعلتنا لا نقرأ تاريخنا إلا من خلالها.
قال مدير معهد الحسن بن طلال للدراسات المؤرخ في تاريخ القدس الدكتور محمد هاشم غوشة ابن القدس إن العلاقة بين عمان والقدس ليست علاقة جوار جغرافي وحسب، وإنما هي علاقة روح وظل وتاريخ ومصير تتصل فيها العواصم بالقلوب قبل الخرائط، فمن عمان كانت الأنظار دوما تتجه للقدس بعين المسؤولية والمحبة والرعاية، ومن القدس كانت الدعوات تعبر إلى عمان تحمل رسائل الوفاء والبركة.
وأضاف غوشة "في عمان يتردد صدى القدس في الخطاب والفكر، وفي القدس يعيش أهلها المقدسيين على عهد الهاشميين الذين نذروا أنفسهم حماة للمقدسات وللهوية، فكما تشاركت المدينتان الأرض والسماء، تشاركتا أيضا الذاكرة والرواية والرباط".
وفي البيان الختامي تم الاشارة الى أهمية تشجيع المؤرخين وعلماء الآثار والمفكرين لتوطيد العلاقات والتشبيك فيما بينهم في إنجاز مشاريع مشتركة، على نحو يليق بتاريخ القدس. وضرورة توطيد العلاقة بين المؤرخين والآثاريين من خلال المؤسسات البحثية والأكاديمية من مختلف الدول لبعث نهضة معرفية أكاديمية من أجل القدس تدخل من خلالها سردية القدس إلى أبرز المكتبات ومراكز البحث والدراسات في العالم.
وفي اروقة المؤتمر كانت الأحاديث الجانبية معمقة بين المؤرخين كل يبحث عن فكرة مشتركة او كتاب مشترك او عمل مشترك محوره القدس ، فهذا المقدسي القادم من المدينة المقدسة يتحدث عن الشامي القادم من سوريا حول تقارب العادات والتقاليد وهذا المؤرخ المصري يتحدث مع المؤرخ التركي حول الفترة العثمانية والأرشيف العثماني وهذا الأثري المغربي يتحدث مع الاثري الاردني حول فترة ما قبل التاريخ في القدس وسبل توثيقها ، وهذا المؤرخ الايطالي يتحدث مع الباحث الأمريكي حول بحثهما بحثهما الأخير عن القدس وفي القدس
وبالتأكيد فإن إهداء الكتب بين الباحثين والمؤرخين كان في أوجه لدرجة ان حقائب السفر لم تعد تكفي عدد الكتب التي حصلوا عليها أما اهداء شخصيا او اهداء من مؤسسة منتدى الفكر العربي . هذه الكتب هي بمثابة مراجع لهم في أبحاثهم القادمة عن القدس .