• 7 حزيران 2025
  • مقدسيات

القدس - أخبار البلد - كتب خالد الاورفالي 

 

  توجه أبو محمود ٣٤ عاما من حي راس العامود الى الجزار القريب  في حيه من أجل شراء لحمة العيد كما يفعل كل عام  ولكن اصيب بخيبة امل كبيرة عندما علم ان كيلو الخروف وصل الى ١٤٠ شيكل اذا كان بدون دهون و١٢٠ شيكل للكيلو إن كان مع دهون ، وفي العادة كان يشتري مثل بقية العائلات في القدس  كمية كبيرة من اللحوم في هذا العيد ولكن هذا العام اكتفى بشراء كيلو ونصف فقط ، فالاسعار مرتفعة بشكل جنوني  والغلاء الفاحش وصل حتى إلى أسعار الفواكه التي لا يقل سعر الكيلو من ابسط انواع الفواكة عن ١٨ شيكل .

قال ابو محمود" بصراحة الاسعار خيالية وانا للاسف لم اتمكن من شراء الفواكة جميعها بل بعضا منها، وكمية قليلة من اللحم فقط من أجل إدخال بهجة العيد للعائلة، الأوضاع في القدس غاية في الصعوبة واعرف الكثير من العائلات التي اكتفت بالدجاج هذا العام "

 مضيفا ان تكلفة سلة العيد هذا العام وصلت الى اكثر من ٢٠٠٠ الفين شيكل وهذا تقريبا نصف راتبه ( الله يطرح البركة بما تبقى من راتب ) .

 ورغم ذلك تبقى لعيد الاضحى نكهة خاصة رغم ان جميع المظاهر الاحتفالية قد اختفت منه بالقدس وكما قال سعيد مصطفى ٦٧ عام نحن نعيش في كرب كبير ولا توجد نفسيه لاي عيد ولولا انه فريضة يجب القيام بها لم خرجت من بيت ولما قمت باي عمل من أعمال العيد

 سعيد مصطفي من حي حارة السعدية قال ان القدس خالية من المارة في العيد على غير العادة كما ان المسجد الاقصى لم يكن ممتلئ بالمصلين و المحتفلين بالعيد " رغم ان أرقام دائرة الاوقاف الاسلامية تشير الى وجود ٨٠ الف مصلي، وهذا رقم ضئيلة مقارنة بالأعوام الماضية التي كانت تصل الأرقام الى ٢٠٠ و ٢٥٠ الف مصلى ".

   ويضيف : (الناس ما عندها نفس تعمل اي شيء) فعندما نرى ماذا يحدث في غزة نصاب بحالة اكتئاب شديد وما نراه من اعتداء واضح على الاقصى طيلة الوقت وبشكل متصاعد نشعر أننا عاجزون حتى عن الدفاع على الأقصى  الذي لا يبعد  عن بيتي سوى أمتار، وعندما ترى ان اليهود المتطرفين المتدينين يجوبون كل ازقة البلدة القديمة بكل حرية وبدون  حراسه كما كان الوضع في الماضي تعرف اننا في اخر الزمان وان هناك شيء خطير يحدث ولا اريد ان اقول اننا فقدان القدس ولكن نقول اننا محبطون " 

العيد هذا العام صادف ذكرى احتلال القدس عام ١٩٦٧ وهي مناسبة لتذكير المقدسيين بأنهم كانوا وحيدين وسيبقون وحيدون في القدس مدافعين عنها ان استطاعوا امام الحملة التي تقوم بها اسرائيل لتهويد الحجر والبشر وإنهاء دور المجتمع المدني في المدينة كما أكد ذلك خليل احمد محمود  ٦٥ عام  والذي استشهد والده في يوم الثلاثاء ٦-٦-١٩٦٧ في حي الشيخ جراح عندما كان حاول الوصول الى بيت جدته الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عند منزله فاطلقت عليه قناص يهودي الرصاص القاتل  فسقط هناك ومع العشرات من شباب  الحي الذي حاول الدفاع عن الحي باسلحة تم توزيعها عليهم ليكتشفوا انها قديمة ولا تعمل  والذي يضيف ان هذه الذكرى المؤلمة اضيفت لنا الابادة الجماعية في غزة اضافة الى الاوضاع الماساوية التي تعيشها القدس هذه  الايام ، وتصاعد التغول اليهودي على الاقصى ، كل هذه العوامل ادت بنا الى عدم الرغبة بالاحتفال ولكن تبقى على الحد الادنى من طقوس العيد مثل زيارة المقابر ، حيث قمت بتوزيع حلوى "الغريبة" على روح والدي من أمام قبره للمارة طالبا منهم قراءة الفاتحة على روحه الطاهرة فهو استشهد وعمره لا يزيد عن ٢٣ عاما 

 في مقبرة باب الرحمة ومقبرة اليوسيفية المقابلة اصطف العشرات من الشباب والأطفال يوزعون بعضا من التمر والقهوة والغريبة والبقلاوة وبعضهم وزع الخبز المعجون بالزعتر الاخضر على أرواح امواتهم في عادة لم يتخلى عنها سكان القدس بل انها تزداد كل عام لعمق ارتباطهم بفكرة أن الموت بات الأقرب إليهم في القدس من اي شئ اخر .

 وتفاجئ المقدسيون الذين قاموا بزيارته  مقبرة باب الرحمة بوجود مجموعة كبيرة من اليهود المتشددين ( الحرديم) ومعهم مجموعة من المستوطنين المتطرفين يسيرون داخل المقبرة في تصرف استفزازي واضح رغم ان الشرطة تحرض مدخل المقبرة وتقوم بمراقبة الشبان المقدسيين إلا أنها لم تحرك ساكنا عندما قال لها أحد كبار السن بالقول ان هناك زعران مستوطنين في المقبرة وأنه قد يقع عراك .

 هؤلاء اليهود المتطرفين كان بعضهم يخفي حتى ملابسه السلاح وكان واضحا وبارزا بعضهم  كان يحمل غاز الفلفل ، في اشارة الى  الرغبة في  استفزاز العرب ،  كان اليهود المتطرفين يحتكون عمدا بالشباب عندما يمرون بالقرب منهم كان يضرب المتطرف كتفه بكتف الشاب العربي ، كما حدث مع الشاب مؤيد مصطفى ٢٣ عام والذي قال إنه كان على وشك أن يضرب اليهودي الذي ضربه بكتفه ولكن والده طلب التريث ،وعدم الانجرار مع ذلك المتطرف وكما قال " نحن في زمن القاضي والحاكم والشرطي والدولة والمحامي كلهم ضدك، وإذا كان وزير الامن القومي نفسه احد العنصرين المعروفين  والان هو المسؤول عن الشرطة  …" 

 ورغم هذه الأجواء السوداء التي تخيم على القدس  في عيد الاضحى الا ان رؤية الأطفال بملابسهم المزخرفة والجميلة والجديد وهو يسيرون مع والدتهم إلى الاقصى من اجل المشاركة بطقوس العيد تعطى الأمل بالمستقبل ، كما قال أحد الشيوخ الذي طلب عدم ذكر اسمه ، مضيفا انه طالما ان الأطفال يأتون الى الأقصى للاحتفال بعيد الاضحى ويتنفسون هواء الاقصى ويستمعون الى الاحاديث عن القدس وعن مسجدها وكنيستها فإن القدس ستبقى بخير  دائما مهما طال الليل فلا بد ان يبزغ الفجر "