• 19 شباط 2021
  • مقابلة خاصة


بقلم :الكاتب الصحفي المقدسي ماهر العلمي

 

بعد نصف  قرن من العمل الصحفي والسير في حقول الغام الصحافة مهنة المتاعب واعتقالي وتحذيري عدة مرات ، لإثبات ان الديمقراطية الفلسطينية ، قهوة سكر زيادة ، بدأت اشعر كغيري، بدنو اجل الصحافة المكتوبة، وانتهاء عهدها ، بعد غزو السوشيال ميديا شبكات التواصل الاجتماعي، التي تنشر الاخبار والاحداث وحتى الاعلانات بسرعة برقية ، ومتابعة متواصلة، وتطلعك على ما يجري في مجتمعك، وحوله وخارجه، وهكذا عندما تطالع صحيفة محلية يومية ، تجد اخبارا ومعلومات غير طازجة ، علمت بها في اليوم السابق واحيانا قبل اسبوع، إما من موقع اخباري أو الصحف الالكترونية ، او حتى مواقع المحطات الاذاعية والتلفزيونية التي تحلق في كون الانترنت الواسع..'

نحن في مرحلة تشييع الصحافة المكتوبة ، تلك السيدة العجوز المحنكة والحكيمة سيكون رحيلها، مؤلما ، محزنا ، ومؤسفا ، وسيكون الوداع مقرونا بالاعتراف بالجميل، فلولا هذه السيدة القديرة ، ما تعلمنا الصحافة وما التزمنا بأصولها واخلاقياتها ، واحترام مبادئ وثوابت العمل الصحفي !                                                             

وفرضت الصحافة المكتوبة هبتها على كافة طبقات المجتمع وسائر المؤسسات والهيئات الرسمية والاهلية ، فتم اعتبارها، بل التسليم بانها السلطة الرابعة وقد تمكنت في احيان كثيرة  رؤساء وزعماء، وقادة مدنيين وعسكريين وحكومات وحتى برلمانات، فقد كانت لهم بالمرصاد، واثبتت نجاعتها ، ودقة وصرامة رقابتها ويقظتها وحرصها على محاربة الفساد، بكافة الوانه واشكاله، والتصدي  للإرهاب الفكري ، والمتنفذين  المتنمرين ... وبرهنت السلطة الرابعة  ان دورها كرقيب منع الانزلاق الى الكثير من المصائب والكوارث..!                                                                       

ولكن هذا النوع من الصحافة المكتوبة المؤثرة ، لا وجود له في الدول المتخلفة والدكتاتورية، كغالبية انظمة الحكم في العالم العربي ، بل موجود فقط في الاقطار التي تسودها العدالة وسيادة القانون، والمساواة، والديمقراطية، واحترام حقوق الانسان، وكرامته وحرية الراي والتعبير..!

لقد عجزت صحافتنا المكتوبة عن تطوير نفسها او التجديد والابداع والتميز واجتذاب القراء بتقارير او تحقيقات مثيرة للجدل ومن واقعنا الفلسطيني الغني بالتطورات والاحداث المهمة التي يفرضها واقعنا المر بسبب الاحتلال والاستيطان، وعجز اولي الامر عن الانتقال بنا  الى مرحلة الدولة الحرة المستقلة ، كما ادى اهمالها للمواضيع المتعلقة بنبض الشارع الى الملل منها والعزوف عن قراءتها ، وتراجع توزيعها واعلاناتها حتى ان لدينا صحفا تعرض مجانا في محطات الوقود ....!

 كما ضجر القارئ  نفاق صحافتنا واهتمامها  بإبراز اخبار السلطة ومشتقاتها واتباعها، رغم وجود اخبار ووقائع اهم من تصريحاتهم وتحركاتهم ..! 

فإضافة الى كونها ناطقة باسم السلطة وفصيلها عراب أوسلو الكارثي ، فإنها مجرد منابر للعلاقات العامة لإرضاء هذا وذاك وتلك ،عبر نشر اخبار ونشاطات وفعاليات المؤسسات الرسمية والمنظمات غير الحكومية وابطالها وورشاتهم وندواتهم ومحاضراتهم  وثرثراتهم وتحليلاتهم وتكهناتهم وبطولاتهم وانتصاراتهم الدونكشتية في  الامم  المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وكلها اخبار لا تهم احدا ، سوى اصحابها مرسليها ......!  وغالبا تشكل اسماء الحضور في المناسبات 95%  من الخبر، ولا يبقى شيء من الحدث نفسه لإرضاء ( المهمين)

صحفنا المحلية تنشر اخبار المعارض والمهرجانات قبل افتتاحها ، وعند افتتاحها وخلال نشاطها ، وبعد اختتامها ..!

صحفنا المحلية تخلو من التحقيقات حول وباء الفساد الذي يدمي الجسد الفلسطيني ، حتى فبل ان يصبح ما تبقى لنا من وطن دولة مؤسسات ، هذا الفساد ، الذي لا يقل خطورة عن محاربة المحتل لمجرد فكرة قيام دولة فلسطين الحرة ذات السيادة الفعلية .. !

  نسمع عن  فاسدين وتجاوزات واعفاءات جمركية لسيارات فاخرة، ولا نلمس اي اجراءات او اعتقالات ، وما يجري تطبيق القانون على الضعفاء وغض النظرعن الكبار الاقوياء!

تخلو صحفنا من تحقيقات حول المستوطنات، وكيفية الاستيلاء على الاراضي المقامة عليها، عبر التزييف الاسرائيلي بالتعاون من الخونة من السماسرة لصوص الاراضي الفلسطينية وتورط شخصيات مهمة في تسريب عقارات مقدسية كما حدث في فضيحة تسريب دار جودة الحسيني، واختفاء (  المصرفي المشهور) بعد تسريبه العقار لأسياده المستوطنين ...  وطن يباع ويشترى ، ونقول يحيا الوطن..!                                                                                  

تخلو صحفنا من معالجة معاناة المقدسيين ، خاصة ازمة السكن  وحاجتهم لمشاريع اسكان ، لتعزيز صمودهم وثباتهم وطرح الحلول لمشاكلهم وانهاء معاناتهم ..! نعم ، فشلت صحفنا ، في نقل نبض الشارع الفلسطيني المزروع  بالأشواك، ولم تعبر عن عذابه وطموحاته واماله وتطلعاته،  ونجحت في ارضاء السلطان واعوانه مرتدية ثوب الجبن والنفاق  ..!

 صحفنا مجرد ناقل للأخبار لما تعممه وكالات الانباء على وسائل الاعلام ، وما يبعث به مراسلون من اخبار غالبيتها لا تهم الا اصحابها ..!                               

ان صحفنا تلفظ انفاسها الاخيرة ، وتمتلئ مخازنها بمرتجعاتها ! بعد ان قضى الانترنت على عادة مطالعة صحيفة اليوم خلال تناول قهوة الصباح ..!

                            .