• 5 آيار 2021
  • مقابلة خاصة


 يسعدنا في شبكة " أخبار البلد" ان نقوم بنشر جزء من العمل البحثي المميز الذي يقوم به الباحث النشط المخلص للاقصى والعلم والمخطوطات "يوسف الاوزبكي" والذي يعتبر من المع الباحثين  والاكثر مهنية ، في التعامل مع المخطوطات في المسجد الاقصى،، نقوم بنشر هذه المقالات القيمة تباعا من اجل محبي القدس والاقصى وخدمة للباحثين والاكاديمين ،. 

بقلم : يوسف الأوزبكي

 

 الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمين، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 أمَّا بعد:

لا يخفى على عاقل ما لصحيح الإمام البخاري من منزلة جليلة لا يزيد عليها إلا القرآن الكريم؛ فقد تلقته الأمُّة بالقبول، واجتمعت على صحته القلوب والعقول، واعتنت بروايته عن مصنِّفه الرجال الفحول، وأقبلت على نسخه عبر العصور آلافُ الأيادي، واشتغل بقراءته وإقرائه وشرحه خَلْقٌ لا يحصون؛ حتى وصلنا متواترًا، محفوظًا مصانًا، لا شك فيه عند أولي الألباب.

 وكل جزء بل وكل ورقة من نُسَخِ (صحيح البخاري) الخطيِّة يكمن خلفها تاريخ حافل يدل على مكانة هذا الكتاب في حياة المسلمين وهويتهم.

 

الوصف المادي للجزء المخطوط:

عدد الأوراق: 64 ورقة.  مقاس الورقة: (230 × 165) ملم. عدد الأسطر: 19 سطرًا.

ملاحظات: ناقص الأول والآخر وبضعة أوراق في أثنائه[1]. كرَّاساته خماسية.

تاريخ النُّسخة:

بسبب فقدان الأوراق الأولى والأخيرة من المخطوط؛ والتي قد يُذكر في آخرها تاريخ النَّسخ، أو اسم النَّاسخ، أو يكون فيها ما يشير إلى تاريخها كالسماعات، والتملكات، وغير ذلك: فلا يمكن التحديد على وجه الدقة.

وبحسب رأي أهل العلم والخبرة: فمن المرجَّح أنَّها من منسوخات القرن السابع الهجري؛ قال الأستاذ الدكتور عبد الله المنيف –حفظه الله وجزاه عن التراث كل خير-: "لعلي أقول: أن هذه النُّسخة شامية مبكرة. وقد تكون مغرب الشام لا وسطه. وهي فيما يبدو من منسوخات أول السابع الهجري والنصف الأول منه. والله تعالى أعلم وأحكم". وممن ذهب إلى أنه من القرن السابع فضيلة الشيخ عبد الرحيم يوسفان –حفظه الله وجزاه عن التراث كل خير -.

 

محتويات الجزء:

أول الموجود: كتاب الرقاق / بَابُ سَكَرَاتِ المَوْتِ / حديث: (...وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ).

بَابُ نَفْخِ الصُّورِ، بَابٌ يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، [سقط بمقدار 7 أبواب]، بَابٌ فِي الحَوْضِ، كِتَابُ القَدَرِ، كِتَابُ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، كِتَابُ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ، كِتَابُ الفَرَائِضِ، كِتَابُ الحُدُودِ، كِتَابُ المُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، كِتَابُ الدِّيَاتِ، كِتَابُ اسْتِتَابَةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعَانِدِينَ وَقِتَالِهِمْ، كِتَابُ الإِكْرَاهِ، كتابٌ فِي تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الأَيْمَانِ وَغَيْرِه، كِتَابُ التَّعْبِيرِ / بَابُ رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالفَسَادِ وَالشِّرْكِ [الحديث الأول].

آخر الموجود: كتاب الرقاق / بَابُ نَفْخِ الصُّورِ

 

إسناد النسخة:

"أخبرنا الشيخ الجليل السيد الثقة أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب البزاز قراءة عليه؛ فأقر به، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الخلال، قال: حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعفي البخاري".

وقد ورد هذا الإسناد في عدَّة أماكن من الجزء:

1 - كتاب الرقاق / بَابُ نَفْخِ الصُّورِ

2 - كِتَابُ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ / بَابُ عَهْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

3 - كِتَابُ الحُدُودِ / بَابُ رَجْمِ المُحْصَنِ

4 - كِتَابُ الإِكْرَاهِ

 

ملاحظة: وقد كُتِبَ على الحاشية عند كِتَابُ الدِّيَاتِ / بَابُ إِذَا عَضَّ رَجُلًا فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ: "آخر الجزء السابع والعشرين من تجزئة ثلاثين". 

 

الكُشَانِيُّ (ت 391 هـ)[2]

هو أَبُو عَلِيّ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَاجبٍ الكُشَانِيُّ[3] السَّمَرْقَنْدِيُّ.

الشَّيْخُ، المُسْنِدُ، الصَّدُوْقُ، آخِرُ مَنْ رَوَى (صَحِيْحَ البُخَارِيِّ) عَالِياً، سَمِعَهُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

وقال السمعاني: "راوية الجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري عن أبى عبد الله الفربري، سمعه مع أبيه[4] بفربر سنة ست عشرة وثلاثمائة. وفي الوقت الّذي رواه لم يكن بقي أحد في الدنيا يروى الصحيح عن الفربري"[5].

وممن روى (صحيح البخاري) عنه:

         1 – عَطِيَّةُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت 407 هـ)[6].

2 – أَبُو عَبْدِ اللهِ غُنْجَار (ت 412 هـ).

3 – أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الشُّجَاعِيُّ (ت بعد 415 ).

4 – محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو بكر الأردستاني (ت 424 هـ) [7].

                  5 – أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيّ الأَبِيوَرْدِيُّ (ت 425 هـ).

                  6 – أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الخلال (ت 430 هـ).

                  7 – جعفر المستغفري (ت 432 هـ).        

                  8 – عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَاهِيْنٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت 454 هـ).

                  9 - أبو الفتح القزويني المحسن بن الحسن الراشدي.[8]

الخَلاَّلُ (ت 430 هـ)[9]

أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ الخَلاَّل، المُؤَدِّب، أَخُو الحَافِظ الحَسَنِ. سَمِعَ أَبَا حَفْص الزَّيَّات، وَسَمِعَ بِمَا وَرَاء النَّهر (الصَّحِيْح)، وَرَوَاهُ عَنِ الحَاجِبِي. رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَطَائِفَةٌ، وَالخَطِيْبُ.

قال ابن نقطة: "حدَّث عنه [أي عن الكشاني] بالصحيح أبو عبد الله الحسين بن محمد الخلال وذكر أنه سمعه منه بكشانية في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة"[10].

وممن روى (صحيح البخاري) عنه:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز (410 – 492) هـ، كما سيأتي.

 

ابْنُ أَيُّوْبَ البَزَّاز (410 – 492) هـ[11]

أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ البَغْدَادِيّ، المَرَاتِبِيّ، البَزَّاز، الشَّيْخُ الثِّقَةُ المَأْمُوْنُ.

سَمِعَ: أَبَا القَاسِمِ الحُرْفِي، وَأَبَا عَلِيٍّ بنَ شَاذَانَ، وَعبدَ الغفَّار المُؤَدِّب.

قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: كَانَ مِنْ خيَار البَغْدَادِيِّيْنَ، وَمُتَمَيِّزِيهِم، وَمِنْ بَيْت الصَّوْنِ وَالعَفَافِ وَالثِّقَةِ وَالنَّزَاهَة.

قَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ صَحِيْح السَّمَاعِ، ثِقَةً فِي رِوَايَته، سَمِعْتُ مِنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ سُكَّرَة: شَيْخٌ مِنَ التُّجَّار نبيلٌ بَزَّازٌ مَسْتُور.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَربِي: هُوَ ثِقَةٌ عدلٌ، وَأَصله مِنَ المَوْصِل.

وممن روى عنه:

1     - إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيّ

2     - عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيّ

3     - مُحَمَّدُ بنُ نَاصر

4     - أَبُو الفَتْحِ بنُ البَطِّي

5     - شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ

6     - خطيبُ المَوْصِل

قال الحافظ خميس بن علي الحوزي[12] : "ومما وجد من سماعه من أبي عَبْداللهِ؛ الحُسيْن بن محمد بن الحسنِ الخلّال: كتاب الجامع الصحيح عن رَسُوْل الله -صلى الله عليه-، تأليف أبي عبدالله؛ محمد بن إسماعيل ابن المغيرة الجعفي البخاري الإمام -رضي الله عنه-، وهو أربعة وثمانون جزءا".[13]

وقال محقق الفهرست الشيخ محمد السّريِّع: "يأتي الفهرست على رواية ابن أيوب لـ(صحيح البخاري)، وهذه الرواية وقعت للقاضي عياض، حيث رواها عن الحافظ أبي علي الصدفي، عن ابن أيوب". نقلا عن: الغنية (ص34)، مشارق الأنوار (1/ 10).

وقال أيضًا: "وممن رواها عن ابن أيوب -قبل عياض-: القاضي أبو بكر ابن العربي، كما في أحكام القرآن (3/ 165) ".

 

وختامًا أقول:

    إنَّ هذه القطعة المخطوطة النّفيسة من هذه الرواية لصحيح الإمام البخاري حُفِظَت في المسجد الأقصى المبارك لمئات من السنين؛ تظهر اليوم لتنافس النُّسَخَ الأخرى لنفس الرواية والتي بدأت تظهر هنا وهناك، وبدأ أهل التخصص يدرسون تلك الرواية ومقارنتها بالروايات الأخرى؛ لاكتشاف مزاياها وفوائدها.

ومع عظيم فرحي بظهور تلك القطعة  إلا أن حُزني وضيق صدري على فقد باقي أوراق هذه القطعة وباقي أجزاء هذه النسخة يوازي أو يزيد على ذلك الفرح.

كيف يضيع كتابٌ مكوّن من ثلاثين جزء ولا يبقى منه إلا قطعة من أحد الأجزاء؟!!!

لكنَّ أملي بالله عز وجل أولا بالفتح والتيسير، ثم بأهل الفضل والغيرة على هذا التراث النفيس أن يكون لهم دورٌ فعَّال لإظهار هذا التراث النفيس وحفظه للأجيال القادمة؛ وهو في حقيقته مظهرٌ من البركات العلمية للمسجد الأقصى المبارك {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

ومع كنز آخر من كنوز المسجد الأقصى المبارك في لقاء قادم.

وبالله التوفيق

    



[1] أول ورقة من هذا الجزء لمسته يدي كانت في شهر كانون الثاني سنة 2013 م، ثم ورقةً ورقةً منه بعد تقليب آلاف من أوراق الدشت المشتت بين مكتبة المسجد الأقصى وغيرها؛ حتى إذا غلب على ظني أني لن أجد المزيد رتّبته، ولم أرقمه أملا بالحصول على بقيته. فاللهم جازِ كل من سعى في جمع شمله خيرًا، ومن أبى فاللهم فرِّق شمله ومزِّق أمره؛ جزاء ما منع المسلمين من تراثهم.  

[2] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (16/ 481).

[3] نسبة إلى بلدة بنواحي سمرقند.

[4] نبّهني إلى هذه الفائدة وأفادني بها فضيلة الشيخ البحَّاثة عبد الرحيم يوسفان –حفظه الله ووفقه-، وهي فائدة عزيزة نفيسة، تثبت سماع مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَاجبٍ الكُشَانِيُّ (والد إسماعيل) للفربري سنة 316 هـ، وتفيد بأن ولده إسماعيل سمع (الصحيح) من الفربري مرَّتين، مرَّة سنة 316 هـ، وثانية: سنة 320 هـ. وأضاف: أنّ من تلاميذ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَاجبٍ الكُشَانِيُّ (ت 375 هـ): أبو عبد الله غنجار، ذكره الخطيب في (المؤتنف)، وأبو سعد الإدريسي، ذكره في (القند)، والمسيب الكرميني، ذكره في (الأنساب). وهم من الحُفَّاظ.  

[5] الأنساب للسمعاني (4/ 6).

[6] سَمِعَ مِنْ: ... إِسْمَاعِيْل بن حَاجِب الكُشَانِي بِمَا وَرَاء النَّهر... حَدَّثَ بـ (صَحِيْح البُخَارِيِّ) بِمَكَّةَ." سير أعلام النبلاء (17/ 412).

[7] قال شيرويه بن شهر دار في (كتاب طبقات أهل همذان): "هو الرجل الصالح روى عن أبي علي إسماعيل بن محمد بن حاجب الكشاني كتاب صحيح البخاري".  التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد (ص: 28).

[8] "سَمِعَ صَحِيحَ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري من أَبِي الْهَيْثَمِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَكِّيِّ الْكُشْمِهِينِيِّ، وَإِسْمَاعِيل بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاجِبٍ، بِرِوَايَتِهِمَا عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ". التدوين في أخبار قزوين (4/ 64). وقد أفادني بها فضيلة الشيخ المحقق النحرير عبد الرحيم يوسفان، وقام بمراجعة وتدقيق المقال، وأمدّني بنفائس الملاحظات؛ فجزاه الله كل خير، وبارك فيه وفي جهوده، وسدد خطاه .

[9] سير أعلام النبلاء (17/ 597).

[10] التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد (ص: 204).

[11] سير أعلام النبلاء (19/ 145). وللتوسع في ترجمته يُنظر: (فهرست مسموعات أبي الحسن بن أيوب البزاز) للحافظ خميس بن علي الحوزي الواسطي (ت 510 هـ)؛ تحقيق: فضيلة الشيخ البحَّاثة محمد بن عبد الله السّريِّع –حفظه الله ورعاه وجزاه كل خير-. منشور على الشبكة الإلكترونية – موقع الألوكة.

[12] فهرست مسموعات أبي الحسن بن أيوب البزاز.

[13] المصدر السابق.